بواو، الصين 8 إبريل 2018 (شينخوا) منذ أكثر من عام، دافع الرئيس الصيني شي جين بينغ بقوة عن حرية التجارة، وذلك خلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، طابعا في ذهن العالم دعم الصين القوي للعولمة.
هذا الدفاع أصبح أكثر أهمية اليوم.
فالعولمة، وهي العملية التاريخية التي قربت بين البلدان والشعوب المختلفة بشكل أوثق خلال القرنين الماضيين، أصبحت الآن تحت الهجوم وينظر إليها بريبة متزايدة، وذلك في إطار تزايد العزلة بالتوازي مع الحمائية التجارية والشوفينية الاقتصادية.
وبشكل خاص، فإن المحور الحمائي لواشنطن ليس أمرا مقلقا فقط ولكنه مدمر أيضا. خلال العام الماضي تقريبا، حاولت واشنطن تخويف شركائها التجاريين ودفعهم نحو تقديم تنازلات عبر فرض حزمة كبرى من التعريفات العقابية. والأكثر من ذلك، فإن استراتيجية "أمريكا اولا" التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في دافوس في يناير تشكل تحديا خطيرا للنظام التجاري متعدد الأطراف الذي يعتمد على القواعد والذي أسسته واشنطن نفسها في يوم من الأيام.
وخلال تلك المرحلة التي تحتاج العولمة فيها إلى الدعم، فإن المؤتمر السنوي لمنتدى بواو الآسيوي يجهز المنصة للرئيس الصيني شي جين بينغ لزيادة توضيح موقف الصين.
لن يكون هناك مكان أفضل، فبواو، التي كانت تعرف بالكاد بانها قرية صغيرة شهيرة بصيد الأسماك في مقاطعة هاينان أقصى جنوب الصين، أصبحت اليوم من البوابات الصينية للانفتاح على العالم الأوسع بمؤتمرها الدولي السنوي الذي يكتسب زخما.
ان بزوغ هذا المنتجع الساحلي أحد الأمثلة على تحول الصين من دولة معزولة وغير متقدمة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم. والخلطة السحرية لذلك هي انفتاح الصين على العالم الخارجي والتفاعل بنشاط في عولمة الاقتصاد العالمي.
وما يدعو للسخرية هو ان العالم الغربي، الذي نشأت فيه العولمة أصبح الآن عدوا لها بشكل أو بآخر. المشككون يقولون إن العولمة، التي تعني تجارة حرة ومنفتحة، تكلفهم وظائفهم في الداخل ونمط حياتهم.
الأكثر منذ ذلك، يبدو ان صناع السياسات في تلك الدول يعملون على ترويج هذه الرؤى نظرا لأنهم إما يؤمنون بقوة بها أو لأنهم يرغبون في كسب الأصوات. ولكنهم ينسون ان الغرب لا يزال أكبر مستفيد من العولمة الاقتصادية.
فالدول الغنية تتفاخر بأكبر عدد من الشركات الكبرى متعددة الجنسيات مثل أبل وماكدونالدز وايكيا. وهذه الشركات لها أعمال خارجية حيث تكلفة التشغيل أقل وذلك من أجل تعظيم الأرباح، تاركين لعمال خطوط التجميع في الدول النامية الفتات.
حينما يجلب المشاركون في منتدى بواو هواتفهم الذكية من طراز آي فون معهم، فإن بعض الحسابات ستكون مفيدة قبل ان يشرعوا في التفكير بشأن العولمة.
ويقول جون بيلامي فوستر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة اوريجون، "يحصل العمال الصينيون الذين يجمعون هواتف آي فون لصالح شركة فوكسكونن، المتعاقد لشركة أبل في الصين، على أجور تمثل فقط 3.6 بالمائة من تكلفة التصنيع الاجمالي النهائي (سعر الشحن)، ما يسهم في تحقيق هامش الربح الاجمالي الضخم للشركة 64 بالمائة بالنسبة لتكلفة التصنيع."
هذا يتعلق بالأمور المالية فقط. ولكن سيطرة القوى الغربية على المؤسسات الدولية حقق لها أيضا مكاسب أكبر. في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية، قادت الولايات المتحدة، مع حلفائها، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهما عمودان للنظام المالي العالمي. في الحقيقة، نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية يراه الكثير على انه عصر "السلام الأمريكي".
اذا، ما الذي أدى إلى زيادة الأصوات المناهضة للعولمة في الغرب؟ السبب الرئيسي يكمن في تزايد التوزيع غير العادل للكعكة الاقتصادية رغم حقيقة انها تنمو بشكل أكبر.
وبحسب التقرير العالمي لعدم المساواة للعام الماضي الصادر عن مختبر عدم المساواة في العالم التابع لكلية الاقتصاد في باريس، فإن الـ1 بالمائة الأعلى يحصلون على 28 بالمائة من إجمالي الزيادة في الدخول الحقيقية في امريكا الشمالية واوروبا الغربية في الفترة من 1980 حتى 2016، بينما يحصل الـ50 بالمائة الأدنى على 9 بالمائة فقط من الزيادة.
وفي مواجهة هذه الفجوة الكبيرة في الثروة، فشل الساسة في بعض البلدان الغربية حتى الآن في النظر للداخل لإيجاد حلول.
وبدل من ذلك، يبحثون في الخارج عن كبش فداء، حيث يلقون اللوم على الدول الأجنبية في خسارة الوظائف ويستغلون الشعبوية المحلية.
وعلى الرغم ان السبيل للعولمة لم يكن سهلا، فالحقيقة حتى الآن ان العالم أصبح أكثر ازدهارا والفضل يعود لها. وبذلك، فإن السبيل الصحيح نحو العولمة ليست تركها أو حتى عكس مسارها، ولكن تعزيزها وتحسينها.
فالصين تدعم العولمة لأنها ساهمت في تحسين معيشة شعبها، والأمر الأكثر أهمية ان العولمة المحسنة ستصب في منفعة الشعوب حول العالم. ولجعل العولمة أكثر شمولا حتى يمكن تشارك فوائدها بشكل أكثر اتساعا، اقترحت بكين مبادرة الحزام والطريق وتطلب من الدول الأخرى الانضمام اليها في بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية.
على صناع السياسات في الدول الغربية اخراج رؤوسهم من الرمال لإيجاد إجابات أفضل لمشكلاتهم الاجتماعية-الاقتصادية الممتدة والبقاء منفتحين. ربما هذا لن يكون سهلا، ولكنه ضروري.
يوافق هذا العام الذكرى الاربعين لحملة الإصلاح والانفتاح الصينية. وفي منتدى بواو، من المتوقع ان يكشف الرئيس الصيني شي جين بينغ عن إجراءات كبرى جديدة في محور الإصلاح والانفتاح، حسبما أفاد وزير الخارجية الصيني وانغ يي.
ويظهر ذلك انه رغم تصاعد الموجة المناهضة للعولمة حول العالم، فإن الصين لا تزال داعمة قوية للعولمة ونظام عالمي أكثر عدلا.
قصة نجاح الاقتصاد الصيني تذكرة جيدة بان شجاعة دفع الاصلاحات الداخلية وتعزيز الانفتاح على العالم يمكن ان تؤدي إلى تنمية أكبر وأكثر استدامة. وفي نهاية المطاف، نستطيع ان نقول إن العولمة تبدأ من الداخل.