بكين أول مايو 2018 (شينخوا) اختتم وزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو جولته الخارجية التي شملت السعودية وإسرائيل والأردن، وهي أول زيارة له ككبير الدبلوماسيين الأمريكيين حيث أكد خلالها مجددا موقف إدارة ترامب المناهض لإيران ودعمها لحليفتيها في المنطقة إسرائيل والسعودية في المواجهة مع طهران.
وفي الواقع، يرى المحللون والخبراء الصينيون إن زيارة بومبيو للدول الشرق أوسطية الثلاث قد تعمق الشقاق بين بلدان المنطقة وتفرز مزيدا من الاضطرابات والتقلبات في الإقليم وخاصة أنها جاءت قبل فترة قصيرة من حلول تواريخ هامة مثل اقتراب الموعد النهائي في 12 مايو الذي حدده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للإعلان عما إذا كانت بلاده ستنسحب من الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة) الموقع عام 2015، وافتتاح السفارة الأمريكية في مدينة القدس المخطط له يوم 14 من الشهر الجاري.
-- احتواء إيران
لقد التقى بومبيو في الرياض العاهل السعودي الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان، ثم التقى في تل أبيب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. وذكر بومبيو في مؤتمر صحفي مع نظيره السعودي عادل الجبير إن إيران تعمل على "زعزعة المنطقة، ودعم النظام السوري وتسليح المتمردين الحوثيين في اليمن". وتابع قائلا "نحن لا نتجاهل إرهاب إيران الواسع النطاق".
وفي الواقع، تعتبر اتهامات بومبيو هذه قديمة ومألوفة والدوافع من ورائها واضحة وهي خشية واشنطن وحلفائها بالمنطقة من تنامي النفوذ الإيراني، ولا سيما أن ترامب من المقرر أن يتخذ في 12 مايو قرارا بشأن ما إذا كان سيعيد فرض العقوبات على طهران - وهي خطوة قد تهدد الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران والدول الست الكبرى )الولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا وألمانيا(، غير أنه من المرجح أن يقرر سحب بلاده من الاتفاق تمهيدا لإعادة فرض عقوبات على طهران.
ومن الجانب الإيراني، أكد الرئيس حسن روحاني يوم الأحد أن "مستقبل الاتفاق النووي عقب عام 2025 تحدده القرارات الدولية وإن إيران لا تقبل أية قيود خارج تعهداتها". كما قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مؤخرا إن إيران مستعدة لاستئناف تخصيب اليورانيوم بـ"قوة" إذا تخلت الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي المبرم.
وفي دراسة أجريت مؤخرا، قدم جو بارنز وروبرت بارون الباحثان بمعهد جيمس بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس تحليلا لسياسة ترامب تجاه إيران ونقاط اختلافها مع سياسة سلفه باراك أوباما، حيث قالا إن وجود علاقة بناءة بين الولايات المتحدة وإيران "كان احتمالا ضعيفا إبان إدارة أوباما" فيما تبدو آفاق علاقة كهذه "أمرا غير قابل للتوقع في عهد ترامب".
وفي هذا الصدد، يرى ليو باو لاي، الذي سبق أن عمل سفيرا للصين لدى الإمارات والأردن، أن سياسة ترامب في التعامل مع شؤون الشرق الأوسط ليست سوى استمرارية للسياسة التي انتهجتها إدارة أوباما ولكن مع بعض التغييرات التي طالت في الأساس سياسة واشنطن تجاه طهران لتطغى عليها أفكار ترامب الجديدة.
وفسر ليو قائلا إن ترامب تبني موقفا متشددا ولهجة صارمة تجاه إيران متخليا بذلك عن نهج أوباما الذي شهد تحسنا في العلاقات مع إيران وتخفيفا للعقوبات المفروضة عليها وتقييدا لبرنامجها النووي عبر اتفاق شامل،حيث تعتقد الولايات المتحدة وفقا لما تمليه إستراتيجيتها الجديدة تجاه إيران أن السلطات الإيرانية سلطات ديكتاتورية تقدم الدعم لتنظيم القاعدة وحركة طالبان وغيرهما من المنظمات الإرهابية بهدف تخريب المنطقة وزعزعة استقرارها.
لذلك، "فإن السياسة الأمريكية تجاه إيران تهدف إلى ردع أي عمل عدائي إيراني وضمان عدم امتلاكها لأسلحة نووية. وترى أن تحقيقها لهذا الهدف يستلزم حفاظها على تعاون بيني مع حلفائها في المنطقة ومواصلة تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران، وقطع كل السبل أمام امتلاكها لسلاح نووي"، هكذا قال ليو باو لاي.
ومن ناحية أخرى، تحدث نيو سونغ الباحث بمعهد دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي عن ترحيب كل من السعودية وإسرائيل بموقف ترامب هذا، مضيفا بقوله إنه مع فشل الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في العراق وسوريا وتورط إيران في الحربين الدائرتين في سوريا واليمن، باتت البيئة الجيوسياسية لكل من إسرائيل والسعودية تواجه تهديدا متصاعدا، لذا اعتبرت إسرائيل نفسها "حليفا لا غنى عنه" بالنسبة للدول العربية في مواجهة الأخيرة لإيران، كما قال ولي العهد السعودي في حوار مع مجلة "ذا أتلانتك" الأمريكية في مطلع الشهر الجاري "إن إسرائيل اقتصاد قوى مقارنة بحجمها وهو يتنامي أيضا، وهناك كثير من المصالح المشتركة معها لو كان هناك سلام". وتعقيبا على هذا، أشار نيو سونغ إلى أن هذا ربما يدل على "تقارب بين المملكة وإسرائيل رغبة في احتواء إيران وكبح توسع نفوذها بالمنطقة".
-- جهود دولية لإنقاذ الاتفاق
وجاءت المحاولة الأمريكية هذه في تحد لجهود مضنية بذلها المجتمع الدولي للإبقاء على الاتفاق النووي الإيراني خاصة من الدول الموقعة عليه، حيث حثت الصين على الحفاظ على الاتفاق والتعامل معه بجدية. وقد صرحت بذلك المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينغ خلال إفادة صحفية اعتيادية في الأسبوع الماضي، قائلة إن "الصين تدعو الأطراف المعنية كلها إلى تعزيز الحوار والتنسيق بشأن الوضع الذي يمر به الاتفاق النووي الإيراني وإلى الحفاظ على الاتفاق سليما والتعامل معه بجدية."
وأوضحت أن الصين سوف تستمر في حماية الاتفاق وتنفيذه على نحو موضوعي ونزيه ومسؤول.
كما قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بزيارة عمل إلى الولايات المتحدة يوم الجمعة الماضي، عقب زيارة دولة رفيعة المستوى قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى البلاد، حيث طرح الاتفاق النووي الإيراني على طاولة ترامب مع الزعيمين الأوروبيين.
وكان ماكرون قد اتفق مع نظيره الإيراني روحاني في اتصال هاتفي استغرق ساعة يوم الأحد على العمل معا في الأسابيع القادمة للحفاظ على الاتفاق النووي، وفقا لما ذكرته الرئاسة الفرنسية. كما قال قصر الإليزيه في بيان إن ماكرون أعرب خلال المكالمة عن أمله في الحفاظ على منجزات المفاوضات وفتح النقاش حول ثلاثة موضوعات إضافية هي برنامج الصواريخ الباليستية والأنشطة النووية الإيرانية بعد عام 2025 والأزمات الرئيسية في الشرق الأوسط.
وأشار نيو سونغ إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يبقى إلى حد ما على التبادلات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية مع إيران. ومن أجل الحفاظ على الاتفاق النووي الحالي، اقترحت بريطانيا وفرنسا وألمانيا فرض عقوبات جديدة على إيران بسبب قيام الأخيرة بتجربة صاروخ باليستي. واُعتبر هذا "الحل الوسط" محاولة أخيرة من الاتحاد الأوروبي لإنقاذ الاتفاق الموقع في عام 2015.
وأضاف الباحث الصيني أن أسلوب ترامب الدبلوماسي، أي قراراته أحادية الجانب بما فيها تهديده بإعادة فرض العقوبات على إيران، قد يخلق صدعا مع الحلفاء في أوروبا، ولا سيما أن ترامب أعلن في وقت سابق فرض تعريفات جمركية على واردات الصلب والألمنيوم وهو ما قوبل بمعارضة شديدة من جانب الاتحاد الأوروبي، حيث قالت ميركل إن الأمر متروك لترامب ليقرر ما إذا كان سيتم إعفاء الاتحاد الأوروبي من التعريفات قبل الموعد النهائي المحدد في الأول من مايو.
وفي الختام، حذر المحللون الصينيون قائلين إن أي مغامرة غير محسوبة العواقب في الشرق الأوسط من جانب ترامب قد تفضي إلى تفاقم الاضطرابات في هذه المنطقة الأكثر غليانا وتعقيدا، وإن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني ستكون له تأثيرات سلبية على مصداقية الولايات المتحدة في الالتزام بتعهداتها الدولية وعلى قضايا أخرى مثل مستقبل ملف العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الديمقراطية.