أنقرة 7 مايو 2018 (شينخوا) بعدما كان أكبر نقاط قوته يوم ما، أصبح الاقتصاد أكبر مشكلة تواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأحد أهم أسباب قراره الخاص بالدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة في يونيو المقبل حيث يعتزم تحقيق تحول إلى رئاسة تنفيذية للتغلب على عاصفة تواجهه.
فسوف تجرى تركيا انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة يوم 24 يونيو حيث أنه في استفتاء دستوري مثير للجدل أجرى في إبريل 2017، صوت الأتراك لصالح التحول من نظام برلماني إلى نظام رئاسي وسيدخل النظام الجديد حيز التنفيذ عقب الانتخابات الحاسمة المرتقبة.
لقد تعرضت تركيا لانتكاسات خطيرة في السنوات الأخيرة مع حدوث انقلاب عسكري فاشل في عام 2016 أعقبه فرض حالة طوارئ لا تزال سارية ومخاوف جيوسياسية مصاحبة للحرب السورية الدائرة عند حدودها الجنوبية.
لقد أصبح النمو الاقتصادي لهذا البلد العضو ومجموعة العشرين أهم نقاط قوة حزب العدالة والتنمية على مدى حكمه لتركيا الذي يمتد لأكثر من 16 عاما.
ورغم أن النمو الاقتصاد لتركيا بلغ نسبة مذهلة قدرها 7.4 في المائة في عام 2017، إلا أن الاتجاه العام للاقتصاد التركي وآفاقه للعام المقبل ليست واضحة ومن المرجح أن يواجه مشكلات خطيرة، حسبما ذكر المراقبون.
وتواجه ميزانية تركيا لعام 2018 عجزا محتملا قدره 17 مليار دولار أمريكي. وقد بلغت قيمة الليرة التركية مقابل الدولار أدني مستوياتها وهو 4.29 يوم الجمعة. وانخفض معدل الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا، أحد قاطرات الاقتصاد، بنسبة 17 في المائة بسبب التوترات الجيوسياسية والمشكلات المتعلقة بالسياسات الداخلية.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذر في فبراير 2018 من ظهور مخاطر اقتصادية في تركيا، تتمثل في احتياجات التمويل الخارجي الكبيرة واحتياطات النقد الأجنبي المحدودة وزيادة الاعتماد على التدفقات الرأسمالية قصيرة الأجل .
وما زاد من المصاعب التي تشهدها تركيا، أن معدل التضخم في سعر المستهلك قفز من 10.2 في المائة في مارس إلى 10.9 في المائة في إبريل، وهو ارتفاع كبير نسبيا مقارنة بمستويات التضخم في البلدان الأخرى ، مثل 2.7 في المائة في البرازيل و4.3 في المائة في الهند و2.4 في المائة في روسيا.
ولم تلتفت حكومة أدروغان إلى التحذيرات من أن الاقتصاد في حالة انهاك وأعلنت مؤخرا بالفعل عن جولة جديدة من الإجراءات التحفيزية التي تحوى في القلب منها عفوا ضريبيا مثير للجدل.
ومع ذلك، خفضت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني تصنيف تركيا وسط مخاوف بشأن التضخم وضعف قيمة الليرة واتساع العجز في الحساب الجاري الذي تموله الديون. وحذرت وكالة التصنيف من مخاطر تعرض الاقتصاد التركي لهبوط خشن.
وبهدف تهدئة المخاوف بشأن الاقتصاد، وعد الرئيس التركي في تجمع عام في إسطنبول، القلب الاقتصادي لتركيا، بخفض سعر الفائدة والتضخم والحد من العجز في الحساب الجاري.
وقال أردوغان إن "الاقتصاد التركي سيكون أكثر مقاومة للصدمات الخارجية والضربات المالية. وستكون تركيا أكثر جاذبية للمستثمرين".
وذكر أردوغان للآلاف من أنصاره أنه "سيتم تسريع مشروعات التنمية والازدهار حتى يتم توزيع الدخل القومي على جميع الأصعدة في مجتمعنا بدءا من القاعدة، وسيتم تجسير الفجوة بين مجموعات الدخل بسرعة".
لكن الخبراء يعتقدون إنه حتى إذا فاز أردوغان في سباق الرئاسة حيث أنه المرشح الأوفر حظا أمام حفنة من المنافسين، فعليه أن يتصرف بسرعة وحزم لإعادة بناء الثقة.
وذكر الخبير الاقتصادي التركي إنفر إركان أن "الأولوية الأهم ستكون للشروع في السير على درب إجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد تأجلت طوال السنوات الماضية. وهذا ما يتوجب فعله على الفور عقب الانتخابات".
وقال إن "الإدارة التركية القادمة يجب أن يكون لديها التصميم اللازم على اعتماد وتطبيق الإصلاحات "، مشيرا إلى أن الحكومة الحالية افتقرت إلى ذلك وتسببت في الضعف الحالي الذي يعترى الاقتصاد.
ولدى أردوغان عدة مشروعات ضخمة في الطريق يهدف إلى الاعتماد عليها، بما فيها أكبر مطار دولي في العالم، وجسر معلق فوق ممر البوسفور المائي والذي سيكون الأعرض في العالم، والأكثر طموحا من ذلك هو مشروع قناة تكلفتها 14.1 مليار دولار .
وتتركز هذه المشروعات في إسطنبول التي كان أردوغان عمدة لها في تسعينات القرن الماضي، وهي مدينة ضخمة نمت من عدد سكان قدره ثلاثة ملايين نسمة في عام 1980 إلى أكثر من 15 مليون نسمة في الوقت الحاضر.
ويفتخر أردوغان بمشروعات البنية التحتية وعادة ما يتهم "المؤامرة الدولية" بالإضرار باقتصاد بلاده من أجل التخلص منه ومن نظامه.
ورغم الصعوبات، إلا أن الاقتصاد التركي يتمتع بإمكانات ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يسجل نموا نسبته 4 في المائة في عام 2018. ومع ذلك يقول الخبراء إن فترة ما بعد الانتخابات حاسمة لاستعادة الثقة.
وقال المعلق الاقتصادي أوجور جريسز في مقالة له بصحيفة ((حرييت ديلي نيوز)) "مهما كان الفائز في الانتخابات، فالأهم هو التركيز على ضمان هبوط ناعم بدلا من إشغال أنفسنا برفع الاقتصاد. وهذا يعني التركيز على كيفية مساعدة الشركات الغارقة في ديون كبيرة لا يمكنها سدادها وكذلك الشركات التي هي على شفا الإفلاس ".
أما الخبير الاقتصادي أركان، فقال "لا تزال هناك علامات إيجابية في الاقتصاد على المدى القصير لأنه يتمتع بإمكانات جيدة للنمو في عام 2018. فرغم زيادة الواردات، إلا أن تركيا تمكنت من زيادة صادراتها بشكل معقول".
ولكن من أجل الإبقاء على الأمور في المسار الصحيح خلال الأشهر المقبلة، فإن الاحتفاظ بسعر صرف مناسب يعد أمرا حتميا، حسبما قال أركان.
وكان البنك المركزي التركي قد قام بتشديد السياسات النقدية مع رفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس هذا العام ومن المحتمل رفعه بمقدار أكبر بعد انتخابات يونيو، وفقا لما قاله خبير اقتصادات رأس المال جيسون توافي.
وذكر توفي في مذكرة للمستثمرين "كل هذا يعزز الموقف للجنة السياسات النقدية التركية لتتخذ مزيدا من الخطوات لتشديد السياسات النقدية خلال الأشهر المقبلة".