بكين 9 مايو 2018 (شينخوا) أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء أن الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاق النووي الإيراني الذي تم توقيعه في عام 2015, رغم الرفض الشديد من قبل حلفائه الغربيين والصين وروسيا.
ويحرر الانسحاب إيران- إذا أرادت- من قيود استئناف برنامجها النووي، وبالتالي احتمال نشوب حروب ومواجهات إقليمية, يمكن أن تثير المزيد من "الضباب والغيوم الداكنة" على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن انسحاب ترامب "المتعمد" من الاتفاق النووي الإيراني لا يعني بالضرورة نهايته بحسب القانون الدولي في ضوء التزام بقية الأطراف به, يتوقع المحللون أن يكون لقرار ترامب تأثيرات عميقة وبعيدة المدى على منطقة الشرق الأوسط والولايات المتحدة نفسها امتدادا إلى النظام الغربي وحتى الدولي.
فلا يزال ينظر للولايات المتحدة " كقائدة " للعالم الغربي وقوة عظمى وحيدة في العالم. ولن يقطع انسحابها عملية دمج إيران في النظام الدولي بقيادة الغرب فحسب، بل من المحتمل أن تشدد حدة أزمة النظام الدولي بقيادة الغرب نفسه أيضا.
ويفتح القرار الباب أمام استمرار العقوبات الأمريكية المفروضة علي إيران في مجال المعاملات المالية، واستئناف العقوبات المرتبطة بمشتريات الطاقة. و"من الممكن جدا أن تلي ذلك عقوبات إضافية في حال وصول معلومات جديدة"، وفقا لما ذكر مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون والذي أعلن أن إعادة فرض العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني ستسري فورا على العقود الجديدة.
وتوازيا مع تدهور العلاقات الأمريكية - الإيرانية , سيشهد العالم مواجهة أكثر حدة بين إيران والنظام الغربي، مع توالي العقوبات السياسية والضغوط العسكرية عليها، ما سيؤدي الى عزل إيران مرة أخرى عن النظام الدولي الذي يهيمن عليه الغرب.
لكن التأثيرات لن تقف عند إيران فقط, فانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي سيولد سلسلة جديدة من التناقضات والتعقيدات.
أولا, سيلحق مزيدا من الضرر بثقة العالم بالنظام الدولي على انقاض تدهور الثقة بـ"العم سام" وسط حلفائه الأوروبيين أنفسهم.
فقد شهدت الثقة بالولايات المتحدة تدهورا وضعفا شديدين بسبب انسحابها من الكثير من الاتفاقيات الدولية. وفي قضية الاتفاق النووي الإيراني, سيسلط قرار ترامب الضوء على هشاشة النظام الغربي بشكل أكبر.
ثانيا, سيقوض الانسحاب أساس النظام الغربي المتمثل في طاعة أوروبا لأوامر الـ"عم سام" عقب انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني. وفي سياق التطورات في هذا الملف، برزت خلافات خطيرة بين أوروبا و"أخيها الكبيرة", حيث تنظر الدول الأوروبية إلى إيران كشريك هام في التعاون الاقتصادي.
وقد دخلت شركات أوروبية كثيرة إلى إيران لتطوير الأسواق بعد التوقيع على الاتفاق, وتخشي أوروبا من أضرار العقوبات الأمريكية بشكل يؤثر على مصالحها الاقتصادية. وقد أوضحت وزارة الخزانة الأمريكية أن العقوبات المتصلة بالعقود القديمة الموقعة في إيران ستسري بعد فترة انتقالية من 90 الى 180 يوما بعد الانسحاب من الاتفاق النووي الايراني، ما يتعين على الشركات الأجنبية الخروج بعد ذلك.
وفي ضوء ما سبق، ليس من الصعب أن نفهم لماذا سيؤدي الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني إلى انحراف الولايات المتحدة وأوروبا، وإضعاف أساس النظام الغربي, مثلما حدث عقب انسحاب واشنطن السابق من اتفاقية باريس لتغير المناخ.
وأخيرا وليس آخرا, يتوقع أن يعزز الانسحاب الأمريكي من الاتفاق القوى المعادية للغرب. فبعد التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني , ارتفعت آمال حكومة حسن روحاني تجاه الغرب, وحاولت تحسين العلاقات مع الدول الأوروبية عبر اتفاقيات تعاونية اقتصادية مختلفة, لإصلاح العلاقات بين إيران وأمريكا.
غير أن تلك الآمال الإيرانية وكذلك مساعيها للاندماج في النظام العالمي باتت مهددة بالانهيار" على أقدام القرار الأمريكي". فضلا عن أن ذلك يدفع إيران إلى التركيز على إستراتيجيتها "النظر إلى الشرق"، مما سيؤثر بصورة عميقة على تحول النظام الدولي.
وبالنسبة للصين, قال قونغ شياو شنغ المبعوث الخاص الصيني للشرق الأوسط , الذي قام بزيارة الى إيران يوم 8 مايو, في مؤتمر صحفي عقد في طهران, إن موقف الجانب الصيني واضح, ينبغي مواصلة الالتزام بالاتفاق النووي الإيراني, وتسوية الخلافات بين الأطراف عبر الحوار والمفاوضات", واصفا الاتفاق بأنه" مهم جدا".
وأضاف أن الاتفاق النووي الإيراني يساعد على الحفاظ على نظام عدم الانتشار الدولي, ويخدم مساعي السلام والاستقرار في الشرق الأوسط, معربا عن استعداد الصين لتعزيز التعاون والتنسيق مع الأطراف المعنية بهذه القضية, مؤكدا على "وجود اتفاق أحسن من عدمه, والحوار أفضل من المواجهة".
كما قال الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في مقالة طويلة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي إن الانسحاب "خطأ فادح"، مضيفا أن"الولايات المتحدة قد تجد نفسها في نهاية المطاف أمام خيار خاسر بين إيران تمتلك سلاحا نوويا أو حرب أخرى في الشرق الأوسط".
و إذا صح ذلك, فإن الولايات المتحدة لن تستطيع أن تحافظ على نفسها إذا سطقت في مستنقع المصارعة بين طرفين أو أطراف متعددة.