بغداد 9 مايو 2018 (شينخوا) أثار قرار الرئيس الآمريكي دونالد ترامب المخاوف والقلق في العراق من تحول أرضه إلى صراع أمريكي إيراني سيكون هو الخاسر الأكبر منه لما للطرفين من تأثير وتواجد في البلاد التي بدأت تتعافى من الإرهاب ويتحسن وضعها الأمني.
وبكل تأكيد سيكون لقرار الرئيس ترامب تداعيات على الأرض العراقية لوجود قوات أمريكية في بعض القواعد العراقية فضلا عن سيطرتها على الأجواء العراقية، وفي المقابل وجود فصائل مسلحة منضوية تحت الحشد الشعبي مؤيدة لإيران وتعارض السياسية الأمريكية، وخاصة تواجد قواتها في العراق بعد القضاء على التنظيم المتطرف، فضلا عن رفض قطاعات من الشعب العراقي للسياسة الأمريكية التي خلفت الدمار في البلاد.
وكان الرئيس ترامب قرر رسميا مساء أمس انسحاب بلاده من الاتفاق الذي عقدته مجموعة (6 +1 ) مع إيران بشأن برنامجها النووي في عام 2015 ، ووصفه بالكارثي قائلا " أعلن انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني وسأوقع مذكرة لبدء فرض العقوبات على إيران، وسنفرض أعلى العقوبات الاقتصادية عليها، وأي دولة ستدعم طهران لامتلاكها للسلاح النووي سنحاسبها".
وفي هذا الصدد قال المحلل السياسي ناظم الجبوري لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إن قرار الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران ستكون له تداعيات في المستقبل القريب والبعيد على العراق من كافة النواحي، وذلك لان النفوذ الإيراني هو الاقوى في العراق بحكم قرب البلدين من بعضهما بالإضافة إلى استغلال إيران غياب الأطراف الاقليمية ونسجها علاقات واسعة مع كافة أطراف العملية السياسية".
وأضاف أن "إيران خلال الـ 15 سنة الماضية هي اللاعب الوحيد مع واشنطن في تشكيل الحكومات المتعاقبة على حكم العراق وترتيب بيته السياسي وفقا لمصالحها، لذلك ستحاول بهذه المرحلة وخاصة أن الانتخابات العراقية على الابواب أن تدفع بشخصيات لرئاسة الحكومة ممن يدينون لها بالولاء لتجعلهم في الخندق المعادي لأمريكا وحلفائها والتأثير على مصالحها بالعراق والمقايضة في التوافقات السياسية المقبلة".
وتابع "أن الخطوات الإيرانية في العراق ستكون محفوفة بالمخاطر وخاصة أن هناك انقساما شيعيا – شيعيا وجدلا واسعا حول دورها بالعراق من خلال دعمها لسياسيين عليهم الكثير من علامات الاستفهام، والتي أوصت المرجعية الدينية بعدم انتخابهم وهذا سيحد من حرية المناورة من قبل المسؤولين على الملف العراقي وسيزيد من حدة الانقسام بين المكون الواحد والتي كانت إيران تعتبره رأس الحربة في مواجهة أمريكا وحليفتها السعودية لذلك ستجد صعوبة في تكوين تحالف داخل العراق يقوض المشروع الامريكي وستؤدي إلى انقسام المكون الشيعي ما يقلل حجم التأثير الإيراني مستقبلا".
ويرى الجبوري أن تأثير العقوبات هذه المرة سيكون أقوى من السابق قائلا "لا ننكر أن إيران استطاعت تجاوز العقوبات السابقة بفعل سطوتها في السوق العراقي، لكن الأمر اختلف هذه المرة بسبب وجود المستشارين الأمريكيين في الوزارات العراقية بالإضافة إلى وجود فريق من وزارة الخزانة الامريكية ينظم ويراقب عمل الوزارات العراقية".
وتابع " أن السعودية استطاعت أن تنفذ للاسواق العراقية بعد أن عرفت قواعد اللعبة فيه، مشيرا إنه " في نهاية المطاف سيكون العراق ساحة للصراعات ومحاولة لفرض السيطرة من قبل الاطراف المتنافسة، لكن هذه المرة إيران لن تكون بنفس التأثير السابق في الملف العراقي لوجود دول أخرى مثل السعودية سيغير بالمعادلة الكثير وسيخرج العراق من دائرة التأثير الإيراني في المستقبل القريب".
وتوصلت القوى الدولية الكبرى إلى الاتفاق النووى مع إيران على ثلاث مراحل بدأت يوم 24 نوفمبر 2013 تحت صيغة (الاتفاق المؤقت)، مرورا باتفاق إطار العمل أو (اتفاق لوزان النووى) الذى تم توقيعه في 2 إبريل 2015، وانتهاء بالاتفاق النهائى الذى تم توقيعه فى فيينا يوم 14 يوليو 2015 والذي بموجبه تم رفع العقوبات الاقتصادية عن ايران.
ودعا الرئيس العراقي فؤاد معصوم اليوم واشنطن إلى إعادة النظر بقرارها ، معتبرا أن الاتفاق النووي مثل انجازا كبيرا لتعزيز فرص إحلال السلام والتقدم لجميع دول المنطقة والأسرة الدولية عبر تفعيل الدبلوماسية الرشيدة لإنهاء التوترات الخطيرة وتفادي الكوارث المحدقة بالاعتماد على الحكمة والحوار الإنساني والتفاهم البناء القائم على أسس ومبادئ الأمم المتحدة.
وشدد معصوم في بيان على معارضة العراق لكل أشكال أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها الأسلحة النووية، مؤكدا القلق من أن قرار انسحاب امريكا من جانب واحد من الاتفاق بشأن الملف النووي مع إيران لن يخدم تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
كما اعربت وزارة الخارجية عن اسفها لقرار الرئيس ترامب القاضي بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، مؤكدة أنه يصب في صالح التصعيد ولن يجني منه أحد غير الدمار والحروب، داعية جميع الاطراف لبذل ما في وسعها لتفادي التداعيات المحتملة لهذا القرار.
ويرى المحللون أن القرار العراقي، الذي تسيطر عليه القوى الشيعية التي تربطها علاقات وثيقة مع إيران يعكس مدى التخوف من تحول أراضيه إلى ساحة نزاع بين الجانبين، لوجود تأثير أمريكي إيراني واضح على الساحة العراقية بشكل عام.
وقال المحلل السياسي صباح الشيخ لـ ((شينخوا)) "من خلال قراءتنا للرد الرسمي العراقي الذي عبر عنه الرئيس معصوم ووزارة الخارجية، نلاحظ مدى القلق والاضطراب في السياسة العراقية، حيث حاول الرد عدم إغضاب أي من الجانبين، كونهما يؤثران على ما يجري في العراق".
وأضاف الشيخ "العراق حاول مسك العصا من المنتصف، عندما أعرب عن قلقه من الانسحاب الإمريكي من هذا الاتفاق وهذا يرضي الجانب الإيراني، أما إعلانه معارضته لأسلحة الدمار الشامل وخاصة السلاح النووي فقد حاول أن يرضي الجانب الأمريكي".
وأكد الشيخ وجود قلق ومخاوف شعبية عراقية مماثلة للقلق الحكومي، من زعزعة الاستقرار الذي تحقق بعد القضاء على التنظيم المتطرف، لادراك العراقيين أن الصراع الأمريكي الإيراني على أرضهم سيقود إلى كوارث في بلادهم التي تعاني أصلا من ويلات الحروب وأعمال العنف، أخرها الحرب ضد الإرهاب والتي حصدت أرواح عشرات الآلاف من العراقيين.
وخلص الشيخ إلى القول "بكل تأكيد سيكون لقرار الرئيس ترامب تأثير على العراق خاصة والمنطقة بشكل عام كون العراق يمثل عصب الحياة لإيران بحكم قربه منها واشتراكهما بالمذهب الديني، فضلا عن قيام إيران بمساعدة العراق في حربه ضد التنظيم المتطرف لذلك تتوقع أن يساندها العراق في مواجهة الضغوط السياسية أو اقتصادية التي تتعرض لها من قبل واشنطن".