بروكسل 24 مايو 2018 (شينخوا) في خضم تراجع مفاجئ للمودة في العلاقات عبر الأطلسي ، من المتوقع أن تظهر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ما في جعبتهما في غضون سبعة أيام لاختتام أو تمديد مفاوضاتهما الحاسمة المعنية بمنح الاتحاد الأوروبي إعفاء دائما من الرسوم الجمركية على الصلب والأولمنيوم .
وقد منح الموعد النهائي، الذي حدده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم 30 إبريل، منح الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي "30 يوما نهائية" حتى أول يونيو لإجراء مزيد من النقاشات.
إن هذا الموعد النهائي، الذي وصفه قادة الاتحاد الأوروبي بأنه "سيف داموقليس" أو "مسدس مصوب على الرأس"، إلى جانب موقف إدارة ترامب المتعنت مارسا ضغوطا كبيرة على الاتحاد الأوروبي.
وفي "لعبة الدجاجة" كما وصفها محللون أوروبيون، اضطرت دول الاتحاد الأوروبي إلى تشكيل جبهة موحدة والتخلى عن الأحلام الزائفة التي تعلقها على الولايات المتحدة. ولكن فعالية تضامنها مازالت على المحك، نظرا لخلافاتها وشهية واشنطن التي لا تجد ما يرضيها. ومع بقاء سبعة أيام فقط، وجد الاتحاد الأوروبي أن العرض الذي قدمه للولايات المتحدة "غير كاف" لإنهاء هذا الخلاف التجاري.
-- جبهة موحدة في مواجهة شهية نهمة
"مع أصدقاء من هذا القبيل من يحتاج إلى أعداء؟ "، هكذا قال دونالد تاسك رئيس المجلس الأوروبي فيما كان يعلق على القرارات الأخيرة لترامب. ثم دعا أوروبا ساخرا إلى أن تكون ممتنة لترامب "لأن بفضله تخلصنا من كل الأوهام ".
وذكر تاسك في قمة بين الاتحاد الأوروبي ودول غرب البلقان عقدت في الأسبوع الماضي، حيث تقدم الاتحاد الأوروبي بمقترح من أربع نقاط مقابل إعفاء غير محدود من الولايات المتحدة، "لقد جعلنا ندرك أنه إذا احتجت إلى يد العون، فستجد واحدة في نهاية ذراعك...ما نحتاجه هو المزيد من الوحدة السياسية والتصميم".
ويشمل المقترح تعميق التعاون في مجال الطاقة، ولا سيما في مجال الغاز الطبيعي المسال، مع التركيز على التعاون بين المنظمين من الجانبين على أساس كل حالة على حدة، والعمل معا على إصلاح منظمة التجارة العالمية ومناقشة طرق تحسين الوصول المتبادل لمنتجات مثل السيارات إلى الأسواق.
ويوضح المقترح "أننا لا نتفاوض بشأن أي شيء تحت تهديد وإنما على استعداد للانخراط في أجندة إيجابية إذا ما تم استبعادنا من هذه الإجراءات (الرسوم الجمركية)"، حسبما ذكرت المفوضة التجارية بالاتحاد الأوروبي سيسيليا مالمستروم يوم الثلاثاء.
وحذر دانيال جروس مدير مركز دراسات السياسات الأوروبية ، وهو مركز أبحاث تابع للاتحاد الأوروبي، من وجود عقبات أمام التوصل إلى اتفاق.
وأضاف أنه "بالنسبة للغاز الطبيعي المسال، قد يكون للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مصالح مشتركة، ولكن الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي تبدأ الآن على أي حال والهدف الحقيقي للولايات المتحدة يكمن في حمل الاتحاد الأوروبي (على) شراء كميات أقل من روسيا. وللأسف لا تستطيع مؤسسة الاتحاد الأوروبي أن تفعل الكثير بشأن هذا الأمر لأن هذا قرار نابع من شركات خاصة والغاز الروسي لا يزال أرخص من الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة".
-- كيف لهم أن يصوبوا المسدس على رأس الاتحاد الأوروبي؟
قال باناجيوتيس بيتراكيس الأستاذ بقسم الاقتصاد في جامعة كابودستريان الوطنية في أثينا لوكالة أنباء ((شينخوا)) "من الواضح أن ترامب ينفذ استراتيجية سياسية غريبة تقوم على القوة في مفاوضاته حول العالم. يبدأ بداية قوية في محاولة لتحقيق بعض الأهداف التي حددها".
وشاطره الرأي كونستانتبنوس فيليس، مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية بجامعة بانتيون في أثينا، قائلا "لقد طبق ترامب منطقه التجاري عند إتخاذه قرارات رئيسية للولايات المتحدة حول عدد من القضايا: أضرب أولا لتشكيل الإطار التفاوضي ثم أرغم الأطراف الأخرى أو أفرض عليها".
"غير أن المشكلة هنا تكمن في أن هذا التكتيك لا يفرق بين الحلفاء والمنافسين. ونتيجة لذلك، يبدو الانشقاق في المعسكر الغربي تهديدا حقيقيا الآن، بفضل تصرفات واشنطن الأحادية"، حسبما ذكر فيليس.
وكان السبب وراء إطلاق العنان لهذه الانشقاقات، وفقا لما ذكره وزير الاقتصاد الألماني بيتر التماير، هو عقيدة "أمريكا أولا" التي ينتهجها ترامب.
وحذر التماير قائلا "إذا ما كافحت النار بالنار، فلن يتبقى لك سوى الأرض المحترقة".
وشرحا فريديريك إريكسون مدير المركز الأوروبي لاقتصاد السياسي الدولي الأمر صراحة، قائلا لـ((شينخوا)) إن "الولايات المتحدة تريد من الاتحاد الأوروبي أن يخفض طواعية بعض صادراته من الصلب، ولكن الاتحاد الأوروبي لا يملك أي من ذلك. والولايات المتحدة ...(تقوم) أيضا باستخدام تهديد رسوم الصلب لحمل الاتحاد الأوروبي على أن يصبح أكثر قبولا لأمنيات أمريكية أخرى من الاتحاد الأوروبي، مثل خفض الرسوم الجمركية في قطاع السيارات".
-- هل سينتهي الأمر في تناغم ؟
مقارنة بالولايات المتحدة يبدو الاتحاد الأوروبي أكثر عرضة للتأثر في حرب تجارية، حسبما ذكر فابيو بارنتي الأستاذ المساعد في الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بالمعهد الدولي الإيطالي لورنزو دي ميديشي.
وقال الأستاذ بارنتي "إذا نظرنا في التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، المعلقة الآن، يبدو أن أوروبا ستكون أكثر تأثرا لسبب بسيط وهو أن الدول الأوروبية الكبرى أكثر اعتمادا على التجارة".
وبالإضافة إلى هذا، فإن اختلاف مستويات الاعتمادية على التجارة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يخلق خلافات، حيث ذكر ثيوكاريس غريغورياديس الأستاذ المساعد بجامعة برلين الحرة لـ((شينخوا)) أنه "في إطار الاتحاد الأوروبي، حاولت ألمانيا الوصول إلى (حلول معقولة) في المناقشات الجارية حاليا مع الممثلين الأمريكيين. غير أنه على عكس ألمانيا، هناك احتمال أقل في أن تحدد فرنسا مسار مساومة مع الولايات المتحدة".
ورأي جروس أنه "من المحتمل أن يوافق الاتحاد الأوروبي (طواعية) على قيود التصدير. فهذا مناسب للمنتجين في الاتحاد الأوروبي وللولايات المتحدة"
ولكن على عكس تفاؤل جروس، قال إريكسون لـ((شينخوا)) "هذا كله يتعلق بالسياسة. فالطرفان لا يريدان الدخول في حرب رسوم جمركية مع كل منهما الآخر، ولكن لا يرغب أي منهما في التراجع".
بيد أنه حذر من أنه إذا ما استمرت حالة عدم اليقين هذه، فقد يكون الأمر سيئا للجميع.
واختتم حديثه قائلا "رغم أن هذه القضية، الرسوم الجمركية على الصلب والأولمنيوم، تمثل في حد ذاتها مشكلة صغيرة في التجارة عبر الأطلسي ناهيك عن التجارة العالمية، إلا إنها قد تثير إجراءات أكبر وتصبح نذيرا باحتكاكات مقبلة في العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".