طرابلس 29 مايو 2018 (شينخوا) جلست الأطراف الليبية الأربعة الأهم والأكثر تأثيراً في المشهد السياسي والعسكري ، للمرة الأولى بدعوتها إلى مؤتمر باريس حول ليبيا ، حيث نجح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في جمع المتخاصمين على طاولة واحدة ، في محاولة لإنهاء الانقسام السياسي وتوحيد مؤسسات ليبيا السيادية ، بعدما تسبب الصراع في تصارع محموم شرقاً وغرباً .
مؤتمر باريس الذي أقيم بقصر الإليزيه صباح اليوم ، حظي بمشاركة هامة ولافتة من طرف الرباعية الدولية (الأمم المتحدة والاتحادين الأوروبي والأفريقي وجامعة الدول العربية) ، كما سجل حضور أكثر من 20 ممثلا لدولة عربية وأجنبية ، في محاولة لحشد التأييد الدولي الواسع حوله ، في انتظار الإجابة على السؤال الأهم ، هل تنجح "قمة الإليزيه" في دفع فرقاء ليبيا بإجراء الانتخابات لإنهاء الأزمة السياسية ؟ .
محمد عبد الله النائب في البرلمان الليبي ، يرى أن " مؤتمر باريس فرض على الليبيين ، كونهم فشلوا في تنفيذ الاتفاق السياسي ، وبالتالي كانت هناك حاجة ماسة لأن تتدخل إحدى الدول الكبرى في تحريك الجمود ، وإنهاء الانقسام الذي بات يتوسع بشكل مخيف " .
وأضاف عبد الله في حديثه لوكالة أنباء ((شينخوا)) مساء اليوم (الثلاثاء) ، " وصلنا إلى مرحلة نحتاج إلى تدخل سياسي دولي حازم ، ليضغط على الأطراف الليبية في الكف عن المراوغة وتضييع الوقت ، خاصة وأن البلاد منقسمة سياسياً وتعاني اقتصادياً ، والأهم تربص الإرهاب بنا على الرغم من خسائره في سرت وبنغازي " .
واختتم حديثه ، بأن الآن فرصة كبيرة أمام الأطراف المؤثرة في المشهد الليبي ، على تجاوز الخلاف نحو انتخابات جديدة ، تنهي التهديدات التي تتعرض لها البلاد من الداخل والخارج .
بدوره ، عارض مصباح اوحيدة ، النائب في البرلمان الليبي في تصريح هاتفي ل((شينخوا)) مؤتمر باريس ، ووصفه بـ" محاولة لإجهاض الاتفاق السياسي خدمة لمصالح محددة".
وتابع اوحيدة ، " المؤتمر بمثابة فرض الوصاية ، حيث طالب البيان الختامي بعثة الأمم المتحدة تحديد موعد الانتخابات وشروط عقدها وترتيباتها ، وكأن البعثة هي الحاكم في ليبيا ، وهي التي تضع المسار الذي يجب أن تسير عليه الأطراف السياسية (...) ، يجب أن نقرر نحن ما نريد دون إملاءات ، ولا نحتاج إلى اتفاق من نوع اخر يخالف اتفاق الصخيرات ، لإرباك المشهد المتأزم من الأساس " .
وأكد النائب البرلماني ، بأنه كان ينبغي على المجتمعين تفعيل الاتفاق السياسي الذي يحتوي على السلطة التنفيذية وتوحيد المؤسسات السيادية وإقرار الدستور ، الذي تبنى عليه الانتخابات والانتقال الى مرحلة دائمة ، بحسب وصفه .
وكان البيان الختامي لمؤتمر باريس حول ليبيا المتكون من 8 بنود ، الذي أعلنته الأطراف الليبية ممثلة بـ(رئيسا البرلمان الليبي ومجلس الدولة ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق والقائد العام للقوات المسلحة) ، قد شدد على ضرورة إقامة الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 10 ديسمبر 2018 .
كما نص على ضرورة تعهد كافة الأطراف بقبول نتائج الانتخابات والمساعدة في عملية دعمها وتوفير المتطلبات الأمنية لحماية العملية الانتخابية .
إضافة إلى مشاركة الأطراف الليبية ودعمها لمؤتمر سياسي شامل لمتابعة تنفيذ هذا الإعلان برعاية الأمم المتحدة ، مع الحرص على التقيد بالجدول الزمني والشروط التي يحددها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة .
إيطاليا الجارة واللاعب السياسي والإقليمي في ليبيا ، أبدت انزعاجها وعدم تأييدها لمؤتمر باريس ، حيث أعلن جيوزبي بيروني ، السفير الإيطالي لدى طرابلس موقف بلاده بشكل صريح ، بتغريده على حسابه على ((تويتر)) قبل عقد المؤتمر بيوم واحد .
وكتب السفير الإيطالي ، " انقسامات و مبادرات غير منظمة ، ستساهم في عودة قوارب الموت (...) ، الهدف ليس زيادة الالتزامات بل تنفيذ ما تم الالتزام عليه حول ليبيا" ، في إشارة للاتفاق السياسي الذي دعمه المجتمع الدولي دون تنفيذه .
كما أضاف السفير بيروني في تغريده ثانية ، " خطة عمل سلامة الطريق الذي يجب أن يتبعه دستور ، وقانون انتخابي ، كمقدمة للانتخابات في أقرب وقت" .
ويواجه الاتفاق السياسي الذي وقعه فرقاء ليبيا نهاية العام 2015 بالمغرب ، عقبات كبيرة في عملية تطبيق بنوده ، بسبب خلافات بين البرلمان ومجلس الدولة الأعلى ، والبرلمان والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق من جهة ثانية .
وفي إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي ، أكد غسان سلامة ، المبعوث الدولي الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ، بأنه حان وقت تجاوز تعديل الاتفاق السياسي وطي صفحته ، والتركيز على إجراء الانتخابات العام الجاري .
موقف اعتبره كثيرون ، إعلان صريح من طرف المجتمع الدولي تخليه عن الاتفاق السياسي ، بعد مرور أكثر من عامين على توقيعه وفشله في إحراز أي نتائج ، ومحاولة التحرك سريعاً نحو مبادرات ودعم دولي يدفع الأطراف الليبية نحو الانتخابات بشكل مباشر .
"المبادرة الفرنسية فرصة ذهبية لجميع الاطراف الليبية لتأكيد احساسها بالمسؤولية ، واستعدادها لتقديم التنازلات وصولاً الى توافق يعيد إلى العملية السياسية زخمها ، ويخرج البلاد من ازمتها" ، هكذا وصف إبراهيم الدباشي ، سفير ليبيا السابق لدى الأمم المتحدة مؤتمر باريس.
وقال الدباشي في تدوينه عبر صفحته الرسمية على ((الفيسبوك)) ، " فرنسا أدركت اخيراً خطورة سياسة تشجيع التسويف واستدامة الفوضى التي تنتهجها بريطانيا وايطاليا في ليبيا، على حساب مصالحها في القارة الافريقية، وهو سيكلف باريس المزيد من النفقات العسكرية في نفوذ تواجدها في الساحل الافريقي، الذي اصبح مرتعاً لحركات التطرف التي تعتمد على ما تتلقاه من دعم من العناصر الارهابية ، التي مازال لها حضور قوي جنوب ليبيا" .
ومضى في حديثه مدافعاً عن التحرك الفرنسي ، " المبادرة جاءت لدعم جهود الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة ، من خلال جمع قادة المؤسسات القائمة والمعترف بها بشكل أو باخر من المجتمع الدولي، ولها تأثير واضح على الساحة السياسية والأمنية " .
وعن الصعوبات التي ستواجه المبادرة ، كتب الدبلوماسي الليبي " لاشك نجاحها ليس سهلاً، فهي اولاً تجمع بين قيادة الجيش مع رئاسة مجلس الدولة ، وهما يختلفان في كل شيء، وكلاهما لا يعترف بالآخر رغم الفارق الكبير بينهما من حيث الشرعية والتأثير، وثانياً ليس سهلا قبول ايطاليا دوراً فرنسياً فعالاً في الملف الليبي، لان العقلية الاستعمارية ترى أن ليبيا منطقة نفوذهم الرئيسية ، ما زالت تعشش في عقول ساسة روما ، ولا يستبعد عمل إيطاليا وبريطانيا مع الطرف الليبي الذي تفضله لإفشالها " .
وطالب خالد المشري ، رئيس مجلس الدولة الأعلى في ليبيا ، قبيل انطلاق مؤتمر باريس بثلاثة أيام ، بعدم دعوة المشير خليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة إلى المؤتمر ، كونه خارج أطراف الاتفاق السياسي .
وأوضح المشري عقب لقائه جمعه مع السفير الهولندي لدى طرابلس إيريك ستراتينغ ، " يجب أن يكون لقاء باريس بين الأطراف السياسية المنصوص عليها في الاتفاق السياسي الليبي ، وحفتر ليس من أطراف الاتفاق ولا يعترف به ، والحوار يفترض أن ينحصر بين ثلاثة أطراف ، هي المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب والمجلس الرئاسي" .
لكن هذه الدعوة لم تلق اهتماما من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، حيث شارك المشير حفتر بمؤتمر باريس ، وكان أحد أهم الأطراف العسكرية المشاركة .
ويعود الخلاف بين المشري وحفتر ، كون الأول يعد من أبرز قادة جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا ، والتي تشن حملات تشويه متواصلة ضد الجيش الليبي بقيادة حفتر ، وتصفه في مناسبات عديدة بأنه يحاول إعادة حكم العسكر إلى ليبيا والانقلاب على النظام المدني في البلاد.
من جانبه ، يرى علي السويح عضو مجلس الدولة الأعلى في تصريحه ل((شينخوا)) ، بأن " نجاح فرنسا في جمع الأطراف الليبية ، يعد خطوة هامة نحو كسر الجمود ، وبالتالي هي محاولة إيجابية لفرض ضغوط دولية على كافة الأطراف ، بأن الوقت حان لينتهي الانقسام في ليبيا".
وأضاف السويح ، " نحن ننتظر عرض المبادرة الفرنسية علينا في جلسة رسمية ، ليتم مناقشتها وأخذ الرأي بشأنها ، والتصويت عليها بشكل نهائي " .
ولم يوقع القادة الليبيين الأربعة الذين شاركوا في مؤتمر باريس على الاتفاق بقبول المبادرة ، في انتظار العودة والتشاور مع الأطراف الممثلة لهم داخل البلاد ، ومن ثم يحدد موعد لاحق لتوقيع الاتفاق بما نص عليه المبادرة الفرنسية ، وهو ما أكده الرئيس ماكرون في كلمته بقصر الإليزيه .