تحليل إخباري: الاستحقاق الرئاسي المُبكر يخلط أوراق خارطة المشهد السياسي التونسي

2019-09-19 18:28:11|arabic.news.cn
Video PlayerClose

تونس 19 سبتمبر 2019 (شينخوا) انتهت الجولة الأولى من الاستحقاق الرئاسي المُبكر في تونس، لكن الجدل والسجال السياسي الذي أثارته في أعقاب الإعلان الرسمي عن نتائجها الأولية، بتفاصيلها ورسائلها المُلحقة لم تنته، وهي مُرشحة للمزيد من التفاعل بعد أن تحولت إلى نقطة مفصلية في معادلة رسم الخارطة السياسية الجديدة في البلاد.

وتُجمع القراءات السياسية التي تناولت هذه الجولة الأولى، على أن نتائجها أعادت خلط أوراق خارطة المشهد في تونس، الذي بدأ يتجه بسرعة نحو عملية فرز سياسي، بدأت ملامحها تتضح على وقع الاستعدادات للجولة الثانية من الاستحقاق الرئاسي، وكذلك أيضا التحضيرات الجارية للانتخابات التشريعية في السادس من أكتوبر المقبل.

وأظهرت النتائج الأولية للجولة الأولى من هذا الاستحقاق الرئاسي المُبكر، التي أعلنها مساء أول أمس الثلاثاء نبيل بافون، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، تأهل المُرشح المُستقل، استاذ القانون الدستوري، قيس سعيد، ومُرشح حزب "قلب تونس"، ورجل الأعمال نبيل القروي، الذي يقبع حاليا داخل السجن، إلى الجولة الثانية من هذا الاستحقاق الرئاسي.

وقال بافون إن تأهل المُرشح المُستقل، قيس سعيد يأتي بعد حصوله على نسبة 18.4 % من أجمالي أصوات الناخبين الذين شاركوا في الاستحقاق الرئاسي السابق لأوانه، فيما تأهل المُرشح نبيل القروي بعد حصوله على نسبة 15.6 % من أصوات الناخبين الذين شاركوا في هذه الانتخابات التي بلغت نسبة المشاركة فيها 49 %.

واعتبر المُتابعون للشأن السياسي التونسي، أن تأهل المُرشحان قيس سعيد، ونبيل القروي على بقية المُنافسين الذين بلغ عددهم 26 مُرشحا، شكل زلزالا سياسيا بالنسبة للطبقة السياسية التي برزت في البلاد منذ العام 2011، ولغاية الآن، سواء أكانت حاكمة أو معارضة.

وقال الناشط السياسي، المحامي عماد بن حليمة لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن هذا الزلزال "خلخل أركان المشهد السياسي، وستكون له تداعيات مباشرة على مستقبل البلاد التي تستعد لانتخابات تشريعية".

وأضاف أن "وصول قيس سعيد ونبيل القروي إلى الدور الثاني النهائي لهذا الاستحقاق الرئاسي المُبكر كشف عن عمق مساحة الغضب، والإحباط واليأس التي تُحيط بالمواطن التونسي، نتيجة السياسات التي مارستها القوى الحزبية في البلاد حاكمة كانت أو معارضة".

وكشفت نتائج الجولة الأولى لهذا الاستحقاق الرئاسي، أن تصويت الناخب التونسي عاقب بالصندوق الأحزاب التي حكمت البلاد خلال الفترة ما بين 2011 و 2019، وخاصة منها حركة النهضة، الذي سقط مُرشحها عبد الفتاح مورو الذي جاء في المرتبة الثالثة بنسبة 12.9 % وكذلك أيضا حزب ((تحيا تونس)) الذي خرج مُرشحه يوسف الشاهد، رئيس الحكومة الحالية من السباق بعد أن جاء في المرتبة الخامسة بنسبة 7.4 %.

وتعكس تلك النتائج أن الناخب التونسي، عاقب أيضا قوى المعارضة اليسارية في البلاد، حيث سقط مرشحي الجبهة الشعبية حمة الهمامي بنسبة 0.7 %، ومنجي الرحوي بنسبة 0.8 %، وكذلك أيضا المرشح اليساري عن حركة تونس إلى الأمام، عبيد البريكي بنسبة 0.2 %.

وبحسب المُحلل السياسي صبري الزغيدي، فإن هذا التصويت يعكس انعدام الثقة في الطبقة السياسية التي حكمت البلاد منذ العام 2011، ورغبة الناخب التونسي في التغيير من خلال البحث عن وجوه سياسية جديدة "نظيفة اليد، وغير متورطة في الفساد".

وقال الزغيدي، لـ((شينخوا))، إن العلامة الفارقة في هذه الانتخابات، تبقى دون شك ضعف نسبة المشاركة، حيث صوت نحو 3 ملايين ناخب فقط، من إجمالي 7 ملايين مُسجلين في لوائح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ما يعني أن المواطن قاطع عفويا هذه الإنتخابات.

وتابع "المواطن التونسي يركز اهتمامه على شؤونه الخاصة، وهو يبحث عن التغيير، وعن حلول لمشاكله، وخاصة تدهور قدرته الشرائية،...لقد جرب حكم الاسلاميين، وكذلك أيضا العلمانيين في إشارة إلى حركة نداء تونس التي أسسها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، ولكن دون جدوى"، على حد تعبيره.

ويُشاطر القيادي في حزب العمال اليساري، الجيلاني الهمامي مثل هذه القراءة، حيث قال في تصريحات نُشرت اليوم (الخميس) في الموقع الإخباري التونسي ((الصباح نيوز))، إن الشعب التونسي "بقدر ما عاقب منظومة الحكم السابق وأزاحها، فان هناك مؤشر على إمكانية إزاحتها من الحكم أيضا وخاصة بالبرلمان".

لكنه اعتبر في المقابل، أن "نجاح أحد مرشحي الانتخابات الرئاسية في الدور الثاني، قيس سعيد أو نبيل القروي، هو في حقيقة الأمر نجاح ظرفي، وسيكشف بسرعة عن ضعفه، وسيكتشف الشعب التونسي أنه ذهب في الاتجاه الخاطئ وان القضايا الكبرى، والخلافات التي تتعلق بالحريات والتنمية والفساد والعلاقة بالخارج ستكون مهددة".

وبين هذا الرأي وذاك، ثمة اجماع على أن ما تم خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التونسية السابقة لأوانها، لم يكن معزولا عن السياق السياسي العام في البلاد الذي يعاني من أزمات مُتعددة، وبالتالي فإن تأثيرات ذلك ستتجاوز حدود الاستحقاق الرئاسي، لتشمل حسابات الانتخابات التشريعية القادمة التي اختلطت أوراقها في مشهد مفتوح على كل الاحتمالات.

الصور

010020070790000000000000011101451384049361