تحقيق إخباري: سوق الصفارين التاريخي وسط بغداد القديمة يشكو الاهمال

2019-11-20 20:45:59|arabic.news.cn
Video PlayerClose

بغداد 20 نوفمبر 2019 (شينخوا) يعاني سوق الصفارين، أقدم أسواق بغداد التاريخية والذي يعود إلى العصر العباسي، من الاهمال وعدم الرعاية ما أدى إلى ترك أغلب أصحاب المحال فيه لمهنتهم التي عشقوها وورثوها من أبائهم وأجدادهم.

ويقع سوق الصفارين (الصفافير كما يسمى محليا) نسبة لمعدن النحاس، الذي يسميه العراقيون ب (الصفر نسبة لونه الاصفر) على الضفة الشرقية لنهر دجلة وسط بغداد القديمة ويشتهر بصناعة الاواني المنزلية والصحون وأباريق الشاي والقهوة وقدور الطبخ، وإطارات الصور، والفوانيس النحاسية والنقش عليها، بالاضافة إلى الاواني النحاسية التي يطرز النقاشون عليها المعالم الاثرية الشهيرة في العراق.

وظل السوق الذي افتتح لاول مرة في زمن الدولة العباسية، لسنوات طويلة مقصدا سياحيا يقصده السائحون العرب والأجانب الذين يزورون بغداد لشراء المنتجات العراقية التراثية التي تصنع في هذا السوق حيث تزوره الوفود الرسمية والمهتمين بالشؤون الفنية والثقافية.

وكان السوق يشتهر بكثرة الضجيج نتيجة طرق الحرفيون على النحاس لتحويله أواني مطرزة بمختلف الرسوم والنقوش والاثار العراقية الشهيرة، أما الان فالوضع مختلف تماما فلا ضجيج في السوق صادر من طرق المعادن، ولا سائحين ولا زوار، بسبب الاهمال والوضع الفوضوي الذي عاشه العراق بعد الاحتلال الامريكي، ما دفع أغلب اصحاب هذه المهنة إلى ترك مهنهم وبيعهم لمحلاتهم التي اشتراها تجار الاقمشة الذين اصبحوا الغالبية العظمى في السوق.

وقال أمير علي (42 سنة) الذي ورث العمل في هذه المهنة عن أبيه لوكالة أنباء ((شينخوا)) "كان السوق يتكون من نحو 194 محلا بالاضافة إلى ورش في اماكن آخرى، أما الان ونتيجة لقلة زائري السوق والاهمال، فقد ترك اغلب الصفارين مهنتهم الاصلية".

وأضاف "الان انخفض عدد الصفارين العاملين في السوق إلى 24 أو 25 محلا، وهذا بسبب أن المهنة لم تعد مجزية ماديا ولا توفر احتياجات أصحاب المحال وعوائلهم، ما اضطرهم إلى بيع المحال أو التحول إلى مهن أخرى لتوفير متطلبات الحياة اليومية لعوائلهم".

وذكر علي أن قلة الدعم الحكومي وعدم وجود سياسية واضحة للحفاظ على التراث والموروث الثقافي والفني هي من الاسباب الرئيسية لتراجع العمل في سوق الصفارين، مبينا أن الحكومات السابقة كانت توفر لهم مادة النحاس وباسعار مدعومة اما الان فهي معدومة تماما.

وأثناء التجول في السوق، التقت ((شينخوا)) برجل كبير في السن يدعى محمود علي الصفار كانت الحسرة والالم والاستغراب والدهشة واضحة عليه لما حل بالسوق الذي قضى فيه أكثر من 40 سنة وكان عامرا بالزبائن من مختلف الجنسيات الاجنبية.

وقال الصفار "أصبت بالدهشة وصدمت لان السوق تحول من سوق الصفارين إلى محال لبيع الاقمشة"، مضيفا "في داخلي ألم كبير وحسرة عن ما جرى لهذا السوق التاريخي، الذي كنا نشم فيه عبق التاريخ التليد لمدينة بغداد الجميلة والعريقة، أما الان فكل شيء جميل بدأ يختفي".

وأضاف "كان هذا السوق عامرا بالزبائن من مختلف الثقافات والدول والشعوب، وبعضهم من المهتمين بالشؤون الفنية لذلك تجدهم يسألون عن أدق التفاصيل وهذا ما شكل لنا معهم صداقات إستمرت سنوات عديدة".

وأشار الصفار إلى أنه كان يبيع كل ما ينتجه من التحف والنقوش، مبينا أن البعض من الزبائن كانوا يبعثون اصدقائهم الذين يزرون بغداد إلى محله لشراء تحف أو لوحات نحاسية أو اباريق من التي يصنعها بنفسه ويطرز عليها اثار الحضارات العراقية القديمة، مثل أسد بابل والثور المجنح وبوابة عشتار والجنائن المعلقة وملوية سامراء، وغيرها.

وطالب الصفار وسائل الاعلام بتسليط الضوء على هذا السوق الذي يعد من المعالم التاريخية لبغداد، من أجل جلب انتباه الحكومة لعلها تلتفت اليه وتساعد اصحاب المحال فيه للاستمرار في مهنتهم ورعايتها كونها تمثل تقاليد وحضارة وعادات يفتخر بها العراقيون.

من جانبه، قال مهدي راضي خليل وهو يطرق على قطعة من النحاس "ورثت هذه المهنة من أبي والذي ورثها عن جدي، ولو لا حبي لهذه المهنة لتركتها مثلما فعل الكثيرون من اصدقائي في هذه المهنة، بعد أن اصبح العمل في سوق الصفارين غير مجدي اقتصاديا".

وتابع "هذه المهنة تحتاج إلى رعاية خاصة كونها تحافظ على التقاليد المورثة من الاجداد، وتحافظ على التاريخ، لكن مع الاسف في العراق كل شيء مهمل" متسائلا أين أمانة بغداد ؟ وأين وزارة الثقافة ؟ وأين اللجنة الثقافية في البرلمان؟ أليس من واجبهم جميعا الحفاظ على التاريخ والموروث الثقافي".

وطالب خليل السلطات المختصة بمنع إستيراد البضائع النحاسية الرخيصة من المصانع الأجنبية، والاهتمام باصحاب المهن وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم لكي يستمروا بهذه المهنة التي تخلد تاريخ هذا البلد العريق، داعيا إلى منع تحويل محال الصفارين إلى مهن أخرى وعدم السماح لمحال بيع الاقمشة بالتمدد داخل سوق الصفارين.

ويؤكد اصحاب المحال في سوق الصفارين أن الوضع الامني حاليا جيد جدا، لكنهم يشتكون من اهمال الحكومة لهم وعدم رعايتهم وتشجعيهم للاستمرار بهذه المهنة، التي ترعاها كل دول العالم للحفاظ على تراثها وموروثها الثقافي والحضاري، إلا في العراق، على حد قولهم.

إن قلة أصوات الطرق على الادوات النحاسية أو انعدامها في سوق الصفارين ببغداد يعطي مؤشرا سلبيا عن أن هذه المهنة العريقة في طريقها إلى الزوال إذا لم تلتف اليها الجهات المختصة وتقدم الدعم بكل اشكاله لهؤلاء الصفارين لكي يعلموا ابنائهم على هذه المهنة لكي تستمر وتتقدم.

الصور

010020070790000000000000011100001385701801