الكاتبة المغربية خديجة يكن: وجه آخر للفيروس: التكتل الإنساني الذي يخبرنا من الصين كم نحن جسد إنساني واحد

2020-02-21 16:33:36|arabic.news.cn
Video PlayerClose

بكين 21 فبراير 2020 (شينخوا) خديجة يكن...كاتبة مغربية تكتب في الأدب باللغتين الأمازيغية والعربية، ومواضيعها تهتم بالاحتفاء بالإنسان في انتمائه المحلي وانتمائه الكوني. وقد حصلت على الجائزة الأولى في مسابقة جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي للعام 2018، عن مجموعاتها القصصية "أيام بوسنية".

رغم بعدها الجغرافي؛ إلا أن الأديبة يكن تتابع عن كثب تطورات مكافحة تفشي وباء فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) الجارية في الصين، والجهود الحثيثة التي تبذلها البلاد حكومة وشعباً لاحتواء انتشار الفيروس والانتصار في المعركة عليه.

بعد متابعة الأخبار والصور ومقاطع الفيديو التي تنشرها مختلف الصحف ووسائل الإعلام الاجتماعية وغيرها، لنقرأ ونتلمس المشاعر المرهفة للأديبة يكن حول مكافحة وباء الفيروس في الصين:

وجه آخر للفيروس: التكتل الإنساني الذي يخبرنا من الصين كم نحن جسد إنساني واحد

بقلم خديجة يكن

---"أنا إنسان، لا شيء هو إنساني غريب عني"

آفر تيرينس ـ شاعر أمازيغي (190 ـ 159 ق٠م )

كغيري من سكان هذا العالم، سمعت عن فيروس كورونا الجديد الذي ألمَّ بالصين، فبدأت أتابع في نشرات الأخبار التلفزيونية تطورات الوضع الصحي للمناطق التي انتشر فيها الفيروس. وفي الحقيقة؛ بدا لي الأمر أشبه بأفلام الأوبئة المستعصية، لكنه كان حقيقيا للأسف.

أتخيل كيف يمكن أن تكون الحياة وسط جو من التوجس، كيف يمكن أن تعيش أيامك تحت سيل من المخاوف، ألا تخرج من بيتك إلا مرة واحدة كل يومين لتحصل على الحاجيات الأساسية في مركز تفشي الوباء، أن تعيش العزلة والخوف من التقاط العدوى، أن تكون كل اللحظات حياة تحت وطأة الضغط.

تنتشر صور النساء والرجال من كل الأعمار يتنقلون بكمامات تغطي نصف وجوههم، يوميا وطوال أسابيع، لأن الفيروس يتنقل من إنسان لإنسان، متسببا في موت أكثر من ألفي شخص، ما يقلق العالم جميعا، بينما يتساءل الناس بجدية إن كان العالم في خطر.

وفي الحقيقة، لكل أزمة وجوه، وهذه الأزمة التي تعيشها الصين لديها وجه آخر فريد. لن أتحدث عن الأزمة من وجهة نظر مختصين في مجال الصحة، فالموضوع متداول من هذه الناحية في مقالات علمية كثيرة، لكني سأتحدث عن الأزمة من وجهة نظر كاتبة ترى بعين الإنسان الذي يشبهني، ذاك الإنسان الصيني المواطن، الذي يشاركني هذه الأرض وهذا العالم الذي يجمعنا معا في كلمة رائعة اسمها الإنسانية.

رأيت عبر التلفزيون كيف يشتغل الصينيون ليلا ونهارا لبناء مستشفى ضخم لإيواء المصابين، وكيف تسهر المختبرات لإيجاد مضادات فعالة، وكيف تشتغل الشركات لتوفير المزيد من الكمامات الوقائية، وكيف يقف الأطباء والممرضات بشجاعة في مواجهة المرضى، وتضحيات عاملي النظافة، وسكان المناطق المحاصرة بسياج صحي. إنها معاناة يومية ليس سهلا على الإنسان تحملها، ومع ذلك يتحمل الشعب الصيني ثقل الأزمة بثقة فريدة معلنا للعالم قدرته على تخطي الموقف.

يستمر الناس في الحياة العادية مسلحين بوسائل وإرشادات الوقاية، وبالأمل في أن ينهزم الوباء في أية لحظة. إنها الصين المتسابقة وعقارب الساعة لتنقذ أرواح الصينيين، وأيضا... أرواح العالم.

كان شعوري متضامنا كإنسانة وكاتبة، وهل يمكن الفصل بين الإثنين! فأن نكون كتابا وإنسانيين ليس سوى تعبير عن أرقى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان من ألفة ثقافية وتفاعل فِطري هو مرآة إنسانيتنا التي تجعل منا جسدا واحدا، فإذا اشتكى جزء من الجسد تضامنت معه باقي الأجزاء، فالطائرات المحملة بالحاجيات الغذائية والطبية تذهب إلى الصين محملة بتفاعل الشعوب ووقوفها بجانب الشعب الصيني، إنه الوجه الآخر للفيروس، وجه التكتل الإنساني الذي يخبرنا من الصين هذه المرة كم نحن جسد إنساني واحد.

هذه الصين العريقة والخالدة في أذهاننا منذ قديم الزمن، تقدم للعالم قوتها الروحية، تعاملها الدقيق الصارم لاحتواء الأزمة، ليس فقط من أجل الصين، بل أيضا من أجل باقي العالم.

وأنا أقرأ المستجدات عبر القنوات الإخبارية وكلي صلاة من أجل المرضى أن يتعافوا، أحزن حينما أرى سيارة الإسعاف تحمل مواطنا لم تُقدر له النجاة، أفكر في عائلته، في أحلامه، وفي الدموع التي سيذرفها أحباؤه، ولكن كم تطل ابتسامتي وأنا أرى باقة ورد بين أيدي الذين تمكنوا من النجاة، أشعر بالأمل وبالتفاؤل.

تطالعنا الأخبار عن الوفيات التي تتراجع نسبتها، فتُطل إشراقة أمل، وأتمنى أن تطل أكثر فأكثر حتى تسطع شمس الفرح على وجوه كل الصينيين. حينها؛ علينا تذكر هذا جيدا، لأنه الشيء الذي يبقى بعد أن تتلاشى كل الآلام، تبقى إشراقة الإنسانية تطل من ذكرى هذه المرحلة، وسيتذكرها العالم بكثير من الإيمان بقوة الإنسان.

أتذكر رواية صينية عن النهر الأصفر، رغم أني قرأتها قبل سنوات عدة، لكني دوما أتخيل الصيني السابح في النهر العظيم، هناك القمم تعانق السحب الخفيفة التي تطفو فوق نهر الفجر الأصفر الجميل، يسير الأمل على عتبات السنة الصينية المفعمة بلطائف النسيم، بكل ما تعنيه من التدفق الزمني لهذا الشعب في التاريخ. لعلي تذكرت تلك الرواية لأن هدير النهر يجعلني أؤمن بتلك الذات الصينية المبثوثة في أعماق تلك الأرض التي أنجبت هذا الشعب الذي قدم نموذجا ملفتا للتعاون والعزيمة في مواجهة الوباء.

قبل أيام، رأيت في الجريدة صورة طفل صيني يبكي، وعلى وجهه الصغير كمامة تغطي فمه وأنفه. تمنيت أن يصل كلامي إلى أمه الباكية القلقة التي تحضنه، كلامي الذي أبعثه للصينيين جميعا، إنكم لستم وحدكم، إننا معكم، إني من صميم قلبي أرجو أن يُسارع العالم لمسح دموع هذا الملاك الصغير.

الصور

010020070790000000000000011100001388060781