مقالة خاصة: "أفران الطين".. تراث شعبي يتوهج من جديد على يد فلسطيني في غزة

2020-02-21 23:33:36|arabic.news.cn
Video PlayerClose

غزة 21 فبراير 2020 (شينخوا) يتخذ الفلسطيني صلاح قديح، من صناعة "أفران الطين" القديمة مهنة له مساهما في إحياء التراث الشعبي القديم للفلسطينيين.

ويخلط قديح وهو في الأربعينات من عمره ويسكن في جنوب قطاع غزة، بمرونة عالية التبن والماء والرمال الطينية، ليشكل بها قطعة متوسطة من الطين، من أجل استعمالها في صناعة الأفران التي يتقنها.

وما إن توقفت مياه الأمطار عن الهطول، حتى بدأ قديح، وهو أب لخمسة أطفال، بشراء التبن (طعام للحيوانات)، والإسمنت والرمال الطينية، كي يبدأ يومه بصناعة أفران طينية لزبائنه.

ويقول قديح لوكالة أنباء ((شينخوا)) بينما كان يكمل بناء فرن كان قد توقف عن بنائه بسبب الأمطار "منذ صغري وأنا أصنع أفران الطين، بعد أن تعلمتها من جدتي ووالدتي اللاتي يصنعنها بحرفية عالية"، مشيرا إلى أنه اعتاد في بادئ الأمر على إهداء الأفران إلى جيرانه.

ويضيف "كل الشعوب لها هوية وتراث، وأفران الطين هي من تراثنا الفلسطيني القديم، خاصة وأننا لا نستطيع أن نتخلى عن الماضي لمجرد أننا أصبحنا اليوم نعيش في زمن التحضر والمدنية".

ويعيش قديح في منزل صغير محاط بالأشجار، فيما خصص جانبا منه لتربية الماعز والدواجن والطيور.

ويعتبر قديح أن الحياة القروية أفضل بكثير من المدنية، خاصة وأن المنازل فيها تحافظ على الطبيعة، ويكون سكانها أقل عرضة للأمراض وخاصة الخبيثة منها.

ويعد فرن الطين جزءًا أساسيا من المنازل القروية البسيطة، التي تساهم في الوقت ذاته على الحفاظ على الهوية الفلسطينية والفلكلور الشعبي.

وعادة ما تتجمع النسوة ليطهين طعامهن على أفران الطين، حيث لا تفارق رائحة الخبز الساخن ووجبات الطعام الشهية الفرن البدائي معظم ساعات كل نهار.

وفرن الطين من التراث الشعبي لدى الفلسطينيين، وكثيرا ما تقيم العائلات نماذج صغيرة منه داخل ساحات منازلها حيث لم يؤد تطور وسائل الطبخ إلى الاستغناء عن الفرن الشعبي.

ولم يتوقف شغف قديح بالحفاظ على الهوية القروية لبلدته، وإعادة نشر ثقافة اقتناء الأفران لدى البلدات المجاورة، على إهدائها لأصدقائه.

ولكنها تحولت إلى مصدر رزق له ولعائلته، خاصة بعد أن فقد عمله في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه سكان قطاع غزة.

ويقول قديح، وهو يبتسم "لم أكن أعلم بأنني يوما ما سأبيع تلك الأفران وأن تكون المصدر الأساسي لرزقي أنا وعائلتي الصغيرة"، مشيرا إلى أنه أصبح "أشهر صانع أفران في القطاع".

ويعتمد قديح في صناعة الأفران، التي يبنيها في فناء منزله على التبن والرمال الطينية والاسمنت من أجل صناعة قاعدة الأفران، بالإضافة إلى المياه.

ويستغرق حوالي ثلاث ساعات في صناعة الفرن الواحد، مما يتيح له المجال صناعة ما بين خمسة إلى ستة أفران يوميا في حال كان الجو صافيا وأشعة الشمس متوفرة، حيث يبيع الفرن الواحد بحوالي 20 إلى 30 دولارا لكل فرن حسب حجمه.

ولم تقتصر هوية زبائن قديح على القرويين، ولكن "الأغنياء أيضا يشترون مني الأفران، لأنها جميلة وقوية وكذلك تمنح بيوتهم رونقا خاصا"، على حد قول قديح.

ويعرب قديح عن سعادته من تمكنه من إحياء التراث للسكان بمن فيهم المدنيين، كما ينتابه الفخر بإثبات جدارته بهذا المجال تحديدا.

ويتمنى قديح أن يتمكن من إنشاء مصنع خاص بصناعة الأفران، مما يتيح له المجال إلى توفير فرص عمل لأشخاص آخرين غيره، وأن يتطور مشروعه ليصبح فرن الطين معلما أساسيا في كل "المنازل الفلسطينية".

والفرن الشعبي عبارة عن غرفة معزولة حراريا تستخدم للتسخين أو الخبز، وهو أكثر شيوعا للاستخدام في الطهي.

وتغمر السعادة الأربعينية نجوى قديح وجاراتها وهن يتجمعن حول فرن من الطين، بعد أن أشعلوا الحطب داخله، من أجل طهي طعامهن وإنضاج خبزهن.

وتقول نجوى، وهي أم لأربعة أطفال ل(شينخوا) "اعتدنا في قريتنا على الطهي والخبز على أفران الطين، حتى وإن كنا نمتلك الغاز، ولكن هذه الأفران هي ضمن ثقافتنا وتراثنا، ونحن نسعد بالحفاظ عليها".

وتضيف بينما كانت تضع الخبر في أعلى الفرن، الذي التهبت نيرانه "نسعد أن قريتنا الصغيرة استطاعت أن تعيد الثقافة الفلسطينية في الخبز على فرن الطين فهو جزء من تراثنا القديم".

وتشير إلى أن "صلاح قديح استطاع أن يكون سفيرا للفلكلور الفلسطيني بإتقانه لمهنة صناعة الأفران ونشرها بين السكان".

وقالت نسوة تجمعن في المكان إن فرن الطين خيار مهم جدا لدى العائلات في قطاع غزة في ظل أزمة انقطاع الكهرباء وعدم توفرها سوى لساعات قليلة وبمواعيد غير ثابتة.

وتفرض إسرائيل حصارا مشددا على قطاع غزة الذي يقطنه مليونا نسمة منذ عام 2007 على إثر سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على الأوضاع فيه بالقوة.

ودفعت سنوات الحصار المتتالية إلى تفاقم أزمات نقص الخدمات الأساسية لسكان قطاع غزة خاصة انقطاع التيار الكهربائي بفعل العجز لنحو نصف احتياج القطاع البالغة 500 ميغاواط.

ونتيجة لهذا العجز تعتمد شركة توزيع كهرباء غزة على جدول طوارئ مستمر يقوم على قطاع ثمانية ساعات وصل للكهرباء ومثلها قطع.

وما إن انتهى قديح من صناعة فرنه الثاني، حتى انشغل في تزيينه ببعض الأشكال على سطحه، مثل نحت البيوت القروية على سطحه المقوس، المحاطة بأشجار النخيل.

ويقول "حياتنا البسيطة تمنحنا السعادة والبهجة وتبعدنا عن ضوضاء المدن وازدحامها".

الصور

010020070790000000000000011100001388068781