مقالة خاصة: دوريات الشرطة.. مسحراتي رمضان الجديد في شرقي العراق بسبب كورونا
بعقوبة، العراق 13 مايو 2020 (شينخوا) في أحد الأحياء الشعبية في منطقة التحرير جنوبي مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى شرقي العراق، كان الشرطي أحمد حسن، يجول على متن سيارة دورية أمنية في الشوارع ليس لحفظ الأمن كالمعتاد فقط، ولكن لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور في شهر رمضان، في إجراء أمني استثنائي لتفادي تفشي مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) في البلاد.
ويجلس الشرطي حسن كل ليلة في مقدمة سيارة دورية النجدة ذات اللون الأسود، وهي تسير ببطء شديد بين الأزقة والأحياء، ممسكا بمكبر صوت لينادي "سحور، سحور، سحور"، ثم يصمت قليلا قبل أن يكرر نداءه ثم يختمه قائلا "سحور يرحمكم الله".
لكنه سرعان ما يستخدم مكبر الصوت في توجيه الناس بعدم التجمهر، قبل أن يلقي التحية على بعض الأطفال، قائلا لهم وهو يبتسم "إذهبوا إلى النوم، كورونا في الشارع".
دور حسن الجديد فرضته الإجراءات الوقائية المشددة لمواجهة تفشي مرض فيروس كورونا الجديد خلال شهر رمضان في محافظة ديالى شرقي العراق، إذ بات بديلا للمسحراتي التقليدي ضمن تغييرات جوهرية في تقاليد الشهر الفضيل.
والمسحراتي، هو رجل يجوب الشوارع والأزقة، خاصة في المناطق الشعبية، حاملا طبلة يطرق عليها بقوة بشكل متزن، وهو ينادي "سحور سحور" في ليالي شهر رمضان لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور.
ويقول مدير إعلام شرطة محافظة ديالى العميد نهاد المهداوي، لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إن المسحراتي من التقاليد الشعبية التي ترافق شهر رمضان الكريم وأحد صوره المميزة وهو مستمر في أغلب مناطق ديالى دون استثناء".
ويضيف المهداوي أن" أزمة مرض فيروس كورونا والمخاوف من أن يؤدي تجوال المسحراتي وتجمع الناس حوله كما جرت العادة إلى انتقال المرض دفعنا إلى استبدال المسحراتي بدوريات أمنية متنقلة لتنبيه الناس بموعد السحور".
ويشير إلى أن "شرطة المسحراتي هي عبارة عن دوريات لشرطة النجدة تقوم بإيصال رسالة حول موعد السحور في إجراء استثنائي لتفادي انتقال فيروس كورونا ودفع الجميع إلى الالتزام بإجراءات الحظر الصحي".
وتفرض السلطات العراقية حظرا للتجوال في عموم البلاد حتى 22 مايو الجاري ضمن إجراءات وقائية لمواجهة مرض فيروس كورونا الجديد.
ويبدأ الحظر في الخامسة عصرا وينتهي في الساعة الخامسة فجرا، (14:00 : 02:00 بتوقيت غرينتش) خلال شهر رمضان باستثناء يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع إذ يشملهما "حظر شامل تام".
وفي ظل ظروف الحظر، تم تطبيق تجربة "شرطة المسحراتي" في عدد من المناطق الشعبية بمدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى، في خطوة لاقت استحسانا وتفاعلا شعبيا كبيرا، بحسب المهداوي.
ويثني العراقي خالد عدوان، الذي عمل سابقا، كمسحراتي، على تجربة دخول الشرطة في مجال عمل المسحراتي.
ويقول عدوان لـ((شينخوا)) إنها "تجربة رائعة تشير إلى قرب هذه المؤسسة من حاجات الناس ومتطلباتهم، وهي تقدم خدمتين في وقت واحد، إذ توقظ الناس لتناول وجبة السحور، وتنبه من خرق إجراءات حظر التجوال المفروض بسبب تفشي مرض كورونا".
ويضيف أن "المسحراتي تقليد شعبي يرافق الشهر الكريم وهو عمل تطوعي يتم بدون أجر ويضفي نكهة خاصة على شهر رمضان، بما يرافقه من أجواء تشمل تجمع الشبان والأطفال حول المسحراتي وتقديم الطعام والهدايا له تقديرا لجهده اليومي".
ويعد قيام دوريات الشرطة بدور المسحراتي "الحل الأمثل" لحين تجاوز أزمة كورونا، بحسب عدوان.
وتبدي العراقية أم إبراهيم، وهي موظفة متقاعدة في العقد السابع من العمر، إعجابها بهذه التجربة، قائلة "لم أسمع بحياتي دوريات نجدة تجوب الأحياء والأزقة، وهي تنادي على السحور".
وتضيف المرأة المسنة "إنها تجربة مميزة تفاعلت معها، لكن يبقى للمسحراتي، ذلك الرجل الذي يشق هدوء وسكينة الليل بصوت الطبلة نكهة تبعث في الأنفس ذكريات عقود مضت".
لكنها أكدت أن "من المهم اليوم هو المحافظة على الصحة والسلامة والالتزام بإجراءات الحظر لتفادي انتقال مرض فيروس كورونا".
وسجلت محافظة ديالى 25 إصابة بمرض فيروس كورونا منذ ظهوره في العراق، بينها 15 حالة شفاء وأربع وفيات وستة مصابين مازالوا يتلقون العلاج في مركز الحجر الصحي في المحافظة وحالتهم مستقرة، بحسب عضو خلية الأزمة في محافظة ديالى عبدالله الحيالي.
ويقول الحيالي إن "ممارسة دوريات الشرطة لدور المسحراتي تجربة ربما هي الأولى من نوعها في العراق، ولكنها جاءت كحل استثنائي بسبب إجراءات حظر التجوال ولتفادي التجمعات البشرية" لمنع تفشي كورونا.
وتستغرق هذه المهمة لدى الشرطي العراقي أحمد حسن، ما بين 40 دقيقة إلى ساعة بصحبة سائق وسيارة شرطة ثانية.
ويقول حسن، لـ((شينخوا)) بعدما نادى بمكبر الصوت للسحور في أحد الأحياء الشعبية بمنطقة التحرير جنوبي مدينة بعقوبة "أنا مسحراتي ببزة أمنية وهدفي إنساني بحت".
وغالبا ما يشكر الناس حسن لدى مروره ويستوقفه بعضهم لالتقاط صور تذكارية، حسب ما يقول.
ويضيف الشرطي العراقي "لم أفكر يوما أن أتحول إلى مسحراتي يجوب الأحياء والأزقة السكنية في بعقوبة، لكنها بالفعل مهمة جميلة تقدم خدمة للناس في شهر رمضان الفضيل وأرى في عيونهم رسائل محبة وإمتنان لما نقوم به".