تعليق: العالم ما بعد الوباء يحتاج لعولمة أفضل وليس أقل

2020-05-25 17:14:31|arabic.news.cn
Video PlayerClose

بكين 25 مايو 2020 (شينخوا) حتى في الوقت الذي يجتاح فيه وباء فيروس كورونا الجديد العالم، لا تزال لحوم البقر من نيوزيلندا والنبيذ الأحمر من تشيلي والمنظفات من ألمانيا، على بعد نقرة واحدة من المستهلكين الصينيين.

هذا يقدم لمحة عن الكيفية التي أدت بها العولمة إلى إنشاء شبكة عالمية متكاملة للغاية من الاعتماد المتبادل، وغيّرت طريقة العيش في أجزاء كثيرة من هذا المجتمع العالمي المترابط بشكل وثيق.

ولكن هذا الوباء المدمر قد أحدث هزة بسلاسل الإمداد العالمية وأوقف الكثير من الرحلات عبر الحدود. كما كشف مرة أخرى عن بعض أوجه القصور العميقة في العولمة، ودفع الكثيرين في الأوساط الأكاديمية والسياسية والإعلامية، إلى مناقشة ما إذا كان هذا يمثل بداية النهاية لهذه العملية التاريخية.

إنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها التشكيك في العولمة أو مهاجمتها، في أوقات الاضطراب. فبين الأزمة المالية العالمية لعام 2008 وهذا الوباء، سُمِع انتقاد حاد للعولمة، بفعل موجات متزايدة من الحمائية التجارية والقومية الاقتصادية.

ورغم ذلك، ولكونها عملية طبيعية مدفوعة بقوى مشتركة للاختراقات التكنولوجية، فضلا عن التدفق الحر للناس ورأس المال المتعطش للربح، فقد أدت العولمة إلى إسقاط الحدود أمام التجارة ونشاطاتها، وتقليل تكاليف الإنتاج، وتحفيز التعاون التكنولوجي، وتعزيز تكاملية الأسواق العالمية والأنظمة المالية فيها، وخلقت وظائف وثروات لا تقدر بثمن، ورفعت مستويات المعيشة في جميع أنحاء العالم على مر القرون منذ عصر الاكتشاف.

هذه المكاسب الناتجة عن العولمة لا غبار عليها، ولن تنمحي بمجرد أزمة عالمية واحدة. لقد قال أرجون أبادوراي، وهو خبير أمريكي بدراسات العولمة، في مقال رأي نشرته مجلة ((تايم)) مطلع هذا الشهر، بأن "العولمة موجودة لتبقى"، وأن جهود إزالة العولمة لا تعدو كونها "مجرّد أُمنيات".

لذلك، يتعين على المجتمع الدولي، بدلا من محاولة التحول نحو الداخل والانفصال عن بعضه البعض، أن يقترب أكثر ويجعل العولمة تعمل بشكل أفضل لصالح الجميع.

المهمة الأولى للدول في جميع أنحاء العالم ينبغي أن تكون لجعل سلاسل الإنتاج والإمداد العالمية أكثر مقاومة للمخاطر. فهذا الوباء لن يكون الأخير. ومن المحتمل ظهور مخاطر أخرى غير معروفة، وتحديات جديدة في المستقبل.

وبينما يتحدث بعض السياسيين في واشنطن عن إعادة إنتاج الإمدادات الطبية والتكنولوجية الهامة إلى الولايات المتحدة، قال آخرون، مثل شانون كي أونيل، وهو زميل أبحاث بارز في مجلس العلاقات الخارجية، إنه ينبغي على الحكومات ومجالس الإدارات، إضافة مزيد من الزخم إلى عمليات التصنيع العالمية.

لقد أعتُبرت تقنيات المعلومات أيضا أساسية لجعل سلاسل التوريد العالمية المستقبلية أكثر مرونة. واقترح المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) في مقال نشر على موقعه على الإنترنت الشهر الماضي، أنه ينبغي على الشركات والأعمال التوقف عن تسجيل البيانات، مثل شحنات السفن، على الورق، والبدء في رقمنة عمليات سلسلة التوريد الخاصة بها، لضمان أن المعلومات الهامة يمكن أن تكون متاحة دائما.

ومهما كانت المقترحات، سواء إعادة الموارد أو تعدد المصادر أو الرقمنة، ستبقى الصين، بمزاياها الصناعية الشاملة، جزءا هاما من أية سلاسل توريد عالمية في المستقبل.

قال موريس كوهين، البروفيسور في كلية وارتون، في حديث مع ((دويتشه فيله)) الألماني، الشهر الماضي "لا أعتقد أن دور الصين كمصدر رئيسي للصناعات التحويلية سيتم تهميشه. وسوف تستمر في ذلك".

المهمة الثانية هي أنه ينبغي للمجتمع الدولي أن يعزز بشكل مشترك الحوكمة الاقتصادية العالمية، وأن يزيد من دفع التجارة الحرة بالعالم.

في منتصف أبريل، توقع صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد العالمي في طريقه للانكماش بشكل حاد بنسبة 3% في عام 2020 بسبب وباء كوفيد-19، وربما يكون أسوأ ركود منذ الكساد الكبير في الثلاثينات من القرن الماضي.

ولتفادي مثل هذا السيناريو المرعب، ينبغي على الحكومات في الوقت الحالي تنسيق سياساتها الاقتصادية الكلية بشكل أفضل من أجل الحفاظ على استقرار السوق، ودعم التوظيف وفرص العمل، وإجراء محفزات تتناسب مع وضعية الوباء المستمرة، والعمل على استعادة النمو العالمي من خلال المنصات الاقتصادية المتعددة الأطراف مثل مجموعة العشرين.

وعليها أيضا أن تقدم دعما أقوى لنظام التجارة متعدد الأطراف القائم على القواعد، على أن تكون منظمة التجارة العالمية في جوهره. في الوقت الحالي، وبسبب العرقلة المتعمدة من واشنطن، تعاني هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية، والتي ظلت تحكم في النزاعات التجارية الدولية على مدى ربع قرن مضى، لضمان الإنصاف في التعاملات التجارية، تعاني من الشلل نتيجة عدم اكتمال نصابها.

ذكرت صحيفة ((فاينانشيال تايمز)) البريطانية في مقال افتتاحي مؤخرا، أن منظمة التجارة العالمية مطلوبة أكثر من أي وقت مضى حتى تتمكن من "دعم الاقتصاد العالمي المفتوح الذي نحتاجه جميعا على الجانب الآخر من الوباء".

ينبغي على الإدارة الأمريكية كبح دوافعها الحمائية، وأن تدعم بنشاط وبشكل كامل نظام الحوكمة الاقتصادية العالمية القائم حاليا.

والمهمة الثالثة ينبغي أن تكون تعزيز التعاون الدولي حتى تتمكن الدول بجميع أنحاء العالم من الاستجابة بشكل أفضل لتحدياتها الأمنية غير التقليدية المشتركة مثل هذا الوباء.

العولمة حاليا هي أكثر بكثير من مجرد التكامل الاقتصادي. ولأن العالم الذي أضحى يُعرف بالقرية العالمية، قد أصبح أكثر وأعمق ترابطا، يحتاج الجنس البشري إلى تكثيف التعاون عبر الحدود، وليس تقليله، وذلك من أجل التعامل بشكل مشترك مع التحديات المشتركة مثل العدوى الفتاكة، وتغير المناخ، والإرهاب، والهجمات السيبرانية، والمشاكل التي لا يمكن لأي بلد معالجتها بمفرده.

أما المهمة الأكثر إلحاحا الآن فينبغي أن تكون في تعزيز التعاون العالمي ضد وباء كوفيد-19، وتعزيز الدور الأساسي الذي تلعبه منظمة الصحة العالمية في تنسيق المساعي العالمية للتغلب على هذا العدو المشترك للبشرية.

المهمة الرابعة هي جعل العولمة أكثر شمولا للجميع. لقد كشف الوباء أيضا عن أن العولمة لم تتحول إلى مد متزايد يمكنه رفع جميع القوارب، وأنها يمكن أن توسع الفجوة العالمية بين الأغنياء والفقراء.

في تقرير بحثي صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في وقت سابق من هذا الشهر، يركز على أوبئة مثل H1N1 في عام 2009، وMERS في عام 2012، وZika في عام 2016، ويتابع آثارها التوزيعية في السنوات الخمس التالية لكل حدث منها، ارتفع معامل جيني، وهو مؤشر شائع الاستخدام حول عدم المساواة، ارتفع بنسبة 1.5% بالمعدل.

وفي الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، تسبب الركود الاقتصادي الناجم عن وباء كوفيد-19، في فقدان الملايين من الأمريكيين الأكثر ضعفاً اقتصادياً، لوظائفهم، في حين يواجه الكثيرون خيارا صعبا بين حماية صحتهم أو فرص عملهم. وهناك أيضا العديد من مجموعات الأقليات العرقية تعاني بشكل كبير غير متناسب، جراء تعرضها أكثر من غيرها لعدوى الفيروس والوفيات الناجمة عنه في البلاد، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تردي ظروف معيشتها وعملها، وكذلك عدم الحصول على الرعاية الصحية. في ولاية ويسكونسن وحدها، وهي ولاية أمريكية يمثل السود 6% من سكانها، يمثل الأمريكيون من أصل أفريقي حوالي نصف حالات الوفيات الناجمة عن كوفيد-19، وفقا لتقرير نشرته مؤخرا صحيفة ((واشنطن بوست)).

إن هذا الوباء يتيح لصانعي القرار في جميع أنحاء العالم، فرصة للعمل لسد تلك الفجوات في الثروات والخدمات الصحية، من خلال إعادة تشكيل السياسات مثل إعادة ترتيب القوانين الضريبية، وإدخال تغطية الرعاية الصحية الشاملة، وتعزيز التنمية المشتركة من خلال التعاون الدولي في مناطق مثل أفريقيا والشرق الأوسط، للتأكد من أن فوائد العولمة يمكن أن يتشاطرها جميع سكان كوكبنا الذي أصبح قرية عالمية.

بعد انهيار أسواق الرهون العقارية عالية المخاطر في الولايات المتحدة في عام 2007، اجتاحت موجات الصدمة القطاعات المالية في جميع أنحاء العالم، وتسببت بأشد كارثة تسونامي مالية منذ الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي. وقد واجهت العولمة حينها انتكاسة كبيرة. ولكن، رغم كل التخمينات حولها في ذلك الوقت، فقد ارتقت الدول في جميع أنحاء العالم إلى مستوى الحدث، وتشاركت بقيادة الاقتصاد العالمي، عبر تلك المياه المجهولة، وأعادته إلى مسار الانتعاش.

قال كلاوس شواب، مؤسس ومدير المنتدى الاقتصادي العالمي، ذات مرة "إن عالمنا المُشتت يحتاج إلى حوكمة حصيفة وعولمة أكثر ذكاءً".

إن العالم لن يكون أبدا كما كان عليه عندما ينتهي هذا الوباء، وكذلك عملية العولمة لن تتوقف أبدا. وأمام الجنس البشري كافة المبررات لتكرار ما فعله في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، والعمل معا لمساعدة هذا الاتجاه الذي لا يمكن وقفه، على اتخاذ منعطف نحو الأفضل.

الصور

010020070790000000000000011100001390863751