مقالة خاصة: من الأهرامات إلى برج خليفة... إنعاش قطاع السياحة في الدول العربية بحذر وابتكار

2020-08-11 16:16:43|arabic.news.cn
Video PlayerClose

بكين 11 أغسطس 2020 (شينخوا) "هل الكائنات الفضائية هي من بنت الأهرامات الشهيرة؟" سؤال تردد صداه في أنحاء العالم خلال الأيام الماضية، ليجذب أنظار الباحثين والزائرين والمواطنين العاديين مجددا إلى هذه الآثار السياحية المصرية العريقة.

فقد قال إيلون ماسك رئيس شركة (سبيس إكس)، المتخصصة في تقنيات استكشاف الفضاء، في تغريدة على تويتر مؤخرا إن "كائنات فضائية شيدت الأهرامات"، وأعيد نشر التغريدة أكثر من 84 ألف مرة. لكن وزيرة التعاون الدولي المصرية رانيا المشاط نفت ذلك تماما، قائلة إن رؤية مقابر بناة الهرم ستكون الدليل على خطأ مقولة ماسك. ودعت مصر الملياردير الأمريكي إلى زيارة البلاد ليرى بنفسه أن الأهرامات لم يتم بناؤها من قبل كائنات فضائية.

وفي الحقيقة، من الأهرامات إلى برج خليفة، ثمة مؤشرات على أن التعافي يجري ببطء في قطاع السياحة في الدول العربية حيث يبذل صُناع السياسات جهودا حثيثة لتلبية الطلب المكبوت على السياحة الترفيهية.

-- تحديات شديدة وإنعاش حذر

في جميع أنحاء العالم، كان قطاع السياحة من أشد القطاعات تضررا من جائحة فيروس كورونا الجديد. فقد انخفض السفر الدولي بنسبة 80 في المائة على أساس سنوي في إبريل، وفقا لما ذكره اتحاد النقل الجوي الدولي، فيما توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تراجع عدد السياح الوافدين عالميا بما يتراوح بين 60 و80 في المائة في عام 2020. وتوقع صندوق النقد العربي أن تمتد فترة تعافي قطاع السياحة والسفر بالمنطقة العربية جراء أزمة كورونا ما بين 3 و6 سنوات.

ومع كل التحديات والصعوبات المشهودة في العام الجاري، يبدو أن الطلب المحتمل لا يزال قويا. فقد أعلن موقع السفر (تريبادفيسور) مؤخرا أن منصته شهدت زيادات ثابتة أسبوعيا في نشاط البحث منذ أوائل إبريل. وتستكشف البلدان حول العالم الشكل الذي قد تبدو عليه صناعة السفر بعد كوفيد-19.

فالسياحة تعد صناعة رئيسية في العديد من الاقتصادات الناشئة. وقد استهدفت غالبية حزم التحفيز هذا القطاع بشكل مباشر، أو وُضعت تدابير تعود بالفائدة على هذا القطاع مثل تقديم مساعدة اقتصادية للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.

وأشار تقرير صادر عن مجموعة (أكسفورد للأعمال) إلى أن مصر، التي يساهم قطاع السياحة فيها مساهمة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي، تعد مثالا على ذلك، لافتا إلى أن البنك المركزي المصري خصص 3 مليارات دولار في صورة قروض لدعم القطاع السياحي بفائدة منخفضة بحوالي 5 % لدفع رواتب العاملين وإيجارات الفنادق والأتوبيسات والسفن البحرية ووكالات السفر.

أما المغرب، فقد وضع خطة للفترة من 2020 إلى 2022، تتضمن مجموعة من التدابير الرامية الى إنعاش قطاعه السياحي المتضرر. وتتمحور التدابير حول الحفاظ على مناصب الشغل، والحفاظ على النسيج الاقتصادي، وتحفيز الطلب، ووضع أسس التحول البنيوي للقطاع؛ وستسمح هذه التدابير بتقليص القطاع غير المهيكل، وجلب الاستثمارات، وتحول وسائل الإنتاج، ووضع أسس التحول المستدام للقطاع.

كما أوضحت مجموعة (أكسفورد للأعمال) أن المراحل الأولى من إعادة الفتح التدريجي ركزت على السياحة المحلية. وبعد ذلك، تتطلع البلدان التي نجحت في احتواء الفيروس وتسطيح المنحنى إلى استعادة المسافرين الدوليين. وابتداء من يوم السبت، طلب مجلس الاتحاد الأوروبي من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي رفع القيود المفروضة على السفر تدريجيا بالنسبة للمقيمين في 11 دول عالمية، ومن بينها تونس.

وأشاد الدكتور سعيد البطوطي، المستشار الاقتصادي لمنظمة السياحة العالمية، بالمحفزات الحكومية الأخيرة في إمارة دبي والتي شملت رد 50 في المائة من رسم مبيعات الفنادق ودرهم السياحة تعزيزاً للسيولة في القطاع الفندقي بما يسهم في دعم وتعزيز نمو القطاع السياحي في الإمارة.

وبالتوازي مع ذلك، تعمل المطارات وشركات الطيران على تطبيق عمليات للحد من المخاطر الصحية المرتبطة بالسفر بالطائرة. وتشمل الاستخدام الموسع للتكنولوجيا اللاتلامسية، ووضع المزيد من أكشاك الخدمة الذاتية والحواجز الواقية، وإجراء عمليات الفحص "بدون لمس".

وستصبح معايير النظافة أولوية قصوى للمسافرين في المستقبل سواء في العبور أو في وجهتهم النهائية، إذ سيمثل استخدام معقمات الأيدي والارتداء الإجباري للكمامات والتطهير المتكرر للأماكن العامة وفحص درجة حرارة الضيوف والعاملين جزءا من الإجراءات التي سيُطلب من الركاب والسلطات تنفيذها.

وقد أكدت مصر أن الفنادق والمنتجعات كثفت من عملية التطهير، علاوة على تطهير المواقع الأثرية وتنظيف الشواطئ. وفي مقطع فيديو جديد عرضت تونس مؤخرا الإجراءات الأمنية التي أدخلتها وبروتوكولات الوقاية الصحية الصارمة، ومن بينها تطهير كرات الغولف وارتداء عمال الفنادق والمطاعم الكمامات، مع حظر التزاحم على الشواطئ.

-- جهود مبتكرة وآمال كبيرة

من المتوقع زيادة الطلب على السفر الدولي مع تخفيف عمليات الوقاية. ولأن العديد من المسافرين يبحثون عن خيارات ميسورة التكلفة ويمكن الوصول إليها، فقد يقع اختيارهم على وجهات في تلك الاقتصادات الناشئة التي تكون قوانين العمل فيها أكثر مرونة وتكون أهمية السياحة في الناتج المحلي الإجمالي لديها قد أدت إلى بذل جهود شاملة لجعل الوجهات آمنة ومستعدة لاستقبال الزائرين الأجانب.

وقد برزت بعض العلامات المشجعة. فعلى سبيل المثال، أعلنت سلسلة فنادق راديسون مؤخرا أنها لا تعتزم إبطاء توسع نشاطها في إفريقيا، وتستهدف المغرب ومصر ونيجيريا وجنوب إفريقيا على وجه الخصوص. وتضم السلسلة حاليا أقل من 100 فندق في المنطقة، وهو رقم تهدف إلى زيادته إلى 150 في غضون خمس سنوات.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الأسواق الناشئة في وضع جيد للاستفادة من التحول المتوقع في المواقع المفضلة لدى المستهلكين. ففي أعقاب الجائحة، سيبحث المزيد من السائحين عن خيارات تمكنهم من الحفاظ على التباعد الاجتماعي. ومن المقرر أيضا أن تصبح المواقع الثقافية المفتوحة في الهواء الطلق الأكثر ارتيادا.

وفي هذا الإطار، ذكرت مجموعة (أوكسفورد للأعمال) أن مصر تسعى مرة أخرى للاستفادة من هذا: فقد دأبت مصر على الترويج للسفر إلى المواقع الأثرية في صعيد مصر، حيث تقدم خصومات على التذاكر وتخفيضا في رسوم التأشيرة للمسافرين الذين يسافرون إلى المنطقة مباشرة.

وحقق الفيلم الدعائي "رحلة سائح في مصر" نتائج إيجابية على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وسجل 80 مليون مشاهدة على الفيسبوك و4 ملايين مشاهدة على تويتر، بالتزامن مع استئناف حركة السياحة الوافدة إلى مصر. كما تم عرض هذا الفيلم على عدد من القنوات التليفزيونية العربية والدولية؛ مثل شبكة قنوات ((سي إن إن)) وقناة ((ديسكفري)).

وخلال فترة توقف السياحة، قامت وزارة الآثار المصرية ببث مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي حول المواقع الأثرية المصرية، من بينها مواقع تقليدية وحديثة مثل كشف أثري يرجع للعصر البطلمي في جنوب العاصمة القاهرة، وافتتاح قصر البارون إمبان الأسطوري في حي مصر الجديدة بالقاهرة، بالإضافة إلى بناء متحف شرم الشيخ لعرض نحو 6 آلاف قطعة أثرية من الحضارات المصرية القديمة والرومانية والصينية مع بعض القطع الأثرية الحديثة للحياة الصحراوية في مصر.

وفي أول أيام بدء عودة حركة السياحة الوافدة إلى مصر، استقبلت مدينة الغردقة بمحافظة البحر الأحمر ومدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء في الأول من يوليو طائرتين قادمتين من العاصمة الأوكرانية كييف. وأفادت وزارة السياحة والآثار حينها بأنه من المقرر أن تستقبل مدينة الغردقة ومدينة شرم الشيخ خلال الأيام القليلة المقبلة العديد من الوفود السياحية من عدد من الدول منها أوكرانيا وسويسرا وبيلاروسيا، وذلك للاستمتاع بالشواطئ المصرية والجو المشمس والطبيعة الخلابة وممارسة الأنشطة البحرية المختلفة بالبحر الأحمر.

وبذلت الدول العربية جهودا متواصلة بطرقة مبتكرة لتحقيق الإنتعاش فيما بعد الجائحة. فقد ذكرت وزيرة السياحة والآثار الأردنية مجد شويكة في يوليو المنصرم أن الأردن يبدأ بتطبيق خطة السياحة العلاجية خلال يوليو عبر فتح منصة "سلامتك" لاستقبال طلبات الراغبين بالسفر إلى المملكة لتلقي العلاج من دول المنطقة والعالم، مشيرة إلى أن هناك العديد من الدول التي تعتمد على الأردن كوجهة للسياحة العلاجية، بما فيها دول الخليج وفلسطين والعراق والجزائر وقبرص.

أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، تجمع العمارة في مدنها بين النمطين التقليدي والحديث وتضم بعض المباني الأكثر شهرة وحداثة في العالم. وتعتمد مدن مثل الشارقة الآن على تراثها الثقافي العربي لتوسيع التجربة السياحية للزائر الأجنبي. ويتضح هذا من تشييدها للمتاحف والمؤسسات التراثية والمباني ذات السمات العربية والإسلامية، وهي منتجات سياحية تقدم مجتمعة تجارب أصيلة للسائح المتجه إلى الشرق الأوسط. ومع استئناف الرحلات الجوية الدولية، تستخدم مدينتا أبو ظبي ودبي بشكل متزايد تراثهما العربي في تسويق أنفسهما كمركزين عالميين للطيران والسياحة.

وفي هذا الصدد، اجتمع ممثلو مؤسسات بحثية وشركات متخصصة في المجال السياحي بكل من الصين والإمارات في يوليو للمشاركة في منتدى التعاون السياحي الصيني-الإماراتي على الإنترنت لمناقشة العلاقة بين التكنولوجيا الرقمية وتنمية السياحة الثقافية.

وفي الواقع، وقعت الحكومتان الصينية والإماراتية اتفاقية شاملة للإعفاء المتبادل من التأشيرة في عام 2016، وتجاوز عدد السائحين الصينيين القادمين إلى الإمارات مليون شخص في عام 2017، وفي عام 2019 وحده، تجاوز عدد السائحين الصينيين القادمين إلى دبي لقضاء ليلة 989 ألفا، وفقا للأرقام الصادرة عن وزارة الثقافة والسياحة الصينية.

وقال صندوق النقد العربي إن ناتج قطاع السياحة على مستوى الدول العربية ارتفع بنسبة 2.2 في المائة ليصل إلى 313.6 مليار دولار في 2019، مقابل 281.5 مليار دولار في العام السابق له. وترى منظمة السياحة العالمية أن الأزمة الحاليّة أثرت على قطاع السياحة في مختلف دول العالم بشكل غير مسبوق، لكن المرونة التي يمتلكها قطاع السياحة تمنحنا الأمل.

الصور

010020070790000000000000011100001392825571