تحقيق إخباري: فقدان عمال اليومية المهاجرين في ليبيا لعملهم بسبب قيود "كوفيد-19"
في الصورة الملتقطة يوم 8 سبتمبر 2020، رجل يدعى "حسين على" في طرابلس، ليبيا. يعاني العمال المهاجرون في ليبيا من تداعيات مرض فيروس كورونا الجديد "كوفيد-19".
طرابلس 9 سبتمبر 2020 (شينخوا) لم يكن علي محمد الذي وصل إلى ليبيا قبل ثلاث سنوات، يتوقع أن يشهد يوما قيود صارمة بفعل جائحة "كوفيد-19" والتي تسببت في فقدانه لعمله ومصدر دخله الوحيد، الذي يؤمن حياة 6 من أفراد عائلته في بلده الأصلي النيجر.
يواظب حسين على القدوم إلى جزيرة العمال الشهيرة في العاصمة طرابلس، هنا يأتي الليبيون للبحث عن عمال اليومية، للقيام بأعمال النظافة أو أعمال البناء بمختلف أشكالها، مقابل يومية تتراوح بين 10 إلى 15 دولاراً.
يجلس حسين علي (27 عاما) وهو مهاجر غير شرعي على حافة الرصيف ويقضي وقته في الحديث إلى العشرات من المهاجرين، الذين ضربتهم بطالة حادة، وكلهم أمل في انتظار من يأتي ليقوم بمنحهم عمل قصير يؤمنون بمقابله الزهيد قوت يومهم وعائلاتهم الفقيرة في بلادهم الأم.
وقال حسين في حديثه لوكالة أنباء (شينخوا) من داخل منزل متواضع يقطنه هو و5 من المهاجرين، "وصلت إلى ليبيا منذ ثلاث سنوات وكان العمل يسير معي بشكل جيد، لكن حاليا لا يوجد لي عمل بسبب مرض كورونا، الذي تسببت فجأة في إغلاق معظم الأنشطة والأعمال ، ماذا أفعل كل أمري بيد الله".
وأضاف وهو يقوم بطهي وجبة غدائه المتواضعة، "حاليا اتحصل على أعمال في بعض المنازل بشكل نادر، الأمر الذي أثر سلبا على دخلي الشهري الذي انخفض كثيرا في الأشهر الخمسة الماضية، وأحيانا لا اتحصل على شيء لأيام لأدفع ثمن طعامي".
وختم قائلا " إلى جانب ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء بشكل مخيف، لم أعد أتمكن من تحويل أي مبلغ مالي إلى أسرتي في النيجر منذ 3 أشهر(...)، كورونا أوقف كل شيء في ليبيا، وماذا نفعل سوى الصبر والانتظار، ربما تتغير الأمور نحو الأحسن المدة المقبلة".
أما خديجة محمود المهاجرة من السودان، ترى أن "كوفيد-19" قضى على أحلامها في مغادرة ليبيا في الفترة القريبة.
وحول أسباب ذلك، قالت خديجة في تصريحها لوكالة أنباء (شينخوا) "لقد كنت أعمل أربعة أيام في الأسبوع في شركة خاصة بطرابلس، حيث أقوم بأعمال النظافة والمقهى (....)، حاليا الشركة مغلقة ولم اتحصل على راتبي منذ أربعة أشهر".
وتابعت "كل يوم اتحصل على وعود من مسؤول بالشركة بأنهم قريبا سيعودون للعمل، ولا يوجد شيء واضح حتى الأن".
وأشارت المهاجرة السودانية التي قدمت إلى ليبيا قبل نحو عامين بطريقة غير شرعية، بأن حلمها بالهجرة إلى أوروبا تلاشى.
وفسـّرت بالقول "عندما قدمت إلى ليبيا بصورة غير شرعية، دفعت إلى المهربين مبلغ 2000 دولار، وكان هناك مبلغ متبقي بقيمة 3 آلاف، قمت برهن بيت أهلي في السودان، والأن لا أستطيع دفع قيمة الرهن ولا أستطيع السفر إلى إيطاليا، لأن عملي ودخلي اليومي توقف تماما، وأقوم بصرف مدخراتي التي قاربت على الانتهاء".
وختمت " أفكر بالعودة واقتراض مبلغ من المال وتسديد الدين للمهربين لكي يقوموا بفك رهن منزل عائلتي (...)، أحلامي دمرت تماما بعدما كنت قريبة منها" تنهي حديثها وهي تمسح دموعها بثوبها.
من جهتها، ترى حكومة الوفاق الوطني، بأن المهاجرين المتواجدين في ليبيا جلهم دخلوا بطريقة غير شرعية، وبالتالي لا يخضعون للقوانين واللوائح النظامية، التي تنظم عملهم وتسمح لهم بالحصول على دعم أو إعانات في حال تعثر أو فقدان وظائفهم أو عملهم.
وأشار محمد خلف الله، المسؤول بوزارة الشؤون الاجتماعية، "المهاجرين غير الشرعيين غير مقيدين في وزارة العمل وليسوا ضمن القوة العمومية سواء في القطاع الحكومي أو الخاص".
وأضاف " بالرغم أنهم ليسوا من صميم مهام عمل الوازرة، إلا أننا ندعو باستمرار بتسوية أوضاع المهاجرين، وهي بالأساس في صالحه ولضمان حقوقه، لكن ملف الهجرة غير الشرعية يعرفه الجميع، بأنه ملف متشابك ومتداخل ويحتاج إرادة دولية قبل أن تكون ليبية لحله".
وعن الإعانات المقدمة، أجاب "معظم المساعدات تقدمها المنظمات الدولية الإغاثية أو أصحاب الخير ورجال الأعمال، لكن لا يوجد أي برنامج حكومي محدد يقدم لهم الرعاية خارج مراكز الإيواء الحكومية".
ويوجد داخل مراكز الإيواء الحكومية ثلاثة آلاف مهاجر مقيدين رسميا، وتقدم لهم خدمات المبيت والإعاشة، فيما يتواجد على الأراضي الليبية أكثر من 600 ألف مهاجر لا يملكون أوراق رسمية ودخلوا بطريقة غير شرعية، وهم يعلمون بالأجرة اليومية لتأمين حياتهم، بحسب الأمم المتحدة.
وتؤكد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة، بأن أكثر من 60% من المهاجرين في ليبيا فقدوا عملهم خلال الأشهر الماضية.
وأوضحت المفوضية السامية في بيان تلقت وكالة أنباء (شينخوا) نسخة منه، بأن "أغلب اللاجئين والمهاجرين في ليبيا يتدبرون أمرهم بأنفسهم من خلال العمل اليومي، والذي توقف بسبب حظر التجول والقيود الأخرى المتعلقة بانتشار جائحة "كوفيد-19"، فقدوا أعمالهم بنسبة تصل إلى 62% من إجمالي المهاجرين".
وأكدت المفوضية، بأن أسعار المواد الغذائية في معظم المدن في ليبيا، ارتفعت بعد فترة وجيزة من تنفيذ تدابير الإغلاق.
أما المنظمة الدولية للهجرة، فقد أكدت أن أكثر من نصف مليون مهاجر موجودين على الأراضي الليبية أغلبهم يعتمدون على أجرة العمل اليومية، تأثروا بإجراءات الحجر المفروضة بسبب تفشي فيروس كورونا.
وتمثل الجنسيات المهيمنة على المراكز الخمسة الأولى، 21% من جنسيات نيجيرية تليها مصر بنسبة 16% معظمهم استقروا في ليبيا كجزء من هجرة العمالة، وتأتي تشاد والسودان في المرتبتين الثالثة والرابعة بنسبة 16% و13% على التوالي، تليها نيجيريا 8%، بحسب أرقام المنظمة.
وبلغ إجمالي المصابين بـ "كوفيد-19" في ليبيا منذ تسجيل أول إصابة في مارس الماضي قد بلغ 19583 مصابا، شُفي من بينهم 2247 شخصا وسجل وفاة 314.
وتعاني ليبيا من فوضى أمنية وصراع على السلطة بين الحكومة في طرابلس المعترف بها من المجتمع الدولي، وحكومة موازية في شرق البلاد يدعمها مجلس النواب وقوات "الجيش الوطني" بقيادة حفتر، منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في العام 2011.
في الصورة الملتقطة يوم 8 سبتمبر 2020، حسين على (إلى اليمين) يتحدث مع عمال مهاجرين آخرين في طرابلس، ليبيا. يعاني العمال المهاجرون في ليبيا من تداعيات مرض فيروس كورونا الجديد "كوفيد-19".