تعليق ((شينخوا)): هل يمكن لعشرين مليون حالة عدوى بالفيروس أن توقظ واشنطن؟
بكين 2 يناير 2021 (شينخوا) لا تزال الكرة البلورية المتلألئة تدور في ميدان التايمز في نيويورك كالمعتاد عشية رأس السنة الجديدة. ولكن هذه المرة كانت اللحظة الاحتفالية افتراضية فقط بسبب تفشي الوباء في الولايات المتحدة.
وبينما كانت العائلات تحتفل بعيد رأس السنة الجديدة بشكل غير معتاد يوم الجمعة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، كانت بداية عام 2021 علامة فارقة أخرى لتفش يبدو أنه خارج نطاق السيطرة في البلاد: 20 مليون إصابة، وفقا لآخر إحصائية صادرة عن جامعة جونز هوبكنز.
السؤال الصعب والمحتم هو: كم عدد الإصابات أو الوفيات اللازمة حتى يكون بإمكان الساسة في واشنطن أخيرا إحلال الفطرة السليمة والتعاطف والعمل الجاد، محل القسوة والفوضى والجهل، في معركة البلاد ضد الفيروس.
تتطلب الأزمة الصحية العامة بهذه النسبة غير المعقولة، استجابة سريعة وعقلانية وجماعية. هذا هو بالضبط ما كان مفقودا في الولايات المتحدة منذ البداية.
بمعنى آخر، كان الافتقار إلى استراتيجية حاسمة على الصعيد الوطني ضد هذا الفيروس المهلك، أكثر فتكا وأخطر بكثير من الفيروس نفسه.
في المرحلة المبكرة من تفشي الفيروس في الولايات المتحدة، أهدرت القيادة الفيدرالية وقتا كان من الممكن أن تستخدمه للاستعداد والتنظيم.
ومن أجل مصالح سياسية ذاتية، واصل بعض السياسيين في واشنطن، التقليل من شأن الوباء، ونشر الأكاذيب بين الناس ووصم البلدان الأخرى. حتى أنهم دفعوا من أجل إعادة فتح قبل أوانها للأعمال والمدارس، الأمر الذي لم يسفر عنه سوى تزايد عدد الحالات الجديدة والوفيات الواحدة تلو الأخرى.
عندما ضرب الكساد الكبير الولايات المتحدة بشدة في الثلاثينات، دأب الرئيس الأمريكي حينها فرانكلين دي روزفلت، على إلقاء "الحديث الودي" عبر الراديو بانتظام، بهدف بث الراحة والقوة لمواطني بلاده في وقت الأزمة الشاقة.
وقال في حديث أولي مشهور "دعونا نتحد في نبذ الخوف"، و"معا لا يمكن أن نفشل".
المأساة في أمريكا اليوم هي أن القيادة في واشنطن تبدو وكأنها تعمل ضد راحة الناس بالبلاد في وقت يكون الناس بأمسّ الحاجة إليها.
وهذا جزء من السبب الذي جعل الولايات المتحدة تستغرق أكثر من 9 أشهر لتسجيل الـ10 ملايين حالة إصابة الأولى فيها، في حين أن شهرين فقط كانت كافية لتسجيل الـ10 ملايين الثانية.
وكانت مناهضة العلم والعلماء علامة صارخة أخرى في استجابة الولايات المتحدة تجاه الفيروس.
وبعض السياسيين الأمريكيين اعتبروا الفيروس مجرد "إنفلونزا"، وقالوا للصحفيين إن الفيروس سيختفي في النهاية كالمعجزة.
وتم تسييس ارتداء الكمّامات والتباعد الاجتماعي والتدابير المؤكدة لاحتواء انتشار الفيروس، باعتبارها ورقة اختبار حقيقي وقضية خلاف سياسي نجم عنها انقسام أكبر في البلاد المنقسمة بشدة أصلا. لم يكن الأمر أن أولئك السياسيين لا يعرفون ما هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله. بالعكس، كانوا يعرفون، ولكن حساباتهم السياسية هي التي أعمت ضمائرهم.
وفي هذا الأسبوع، بدأت البلاد بطرح لقاحات كوفيد-19 على المستوى الوطني. ويحلم السياسيون في واشنطن بإنهاء الوباء باللقاحات والتطعيمات فقط. وهناك قضية أخرى تواجه البلاد أيضا، ألا وهي السعي المحموم لخزن اللقاح وامتلاكه. هؤلاء السياسيون بحاجة لمعرفة أن التعصب القومي للقاحات لن ينقذ الولايات المتحدة، بل سيطيل أمد الوباء ويزيد من تكاليف الحرب العالمية ضد هذا الفيروس المدمر.
لقد حذر أنتوني فاوتشي، كبير خبراء الأمراض المعدية في البلاد، مؤخرا، من أن توزيع لقاحات كوفيد-19 لا يعني أنه بإمكان الناس التخلي عن "إجراءات الصحة العامة العادية". وقال في مقابلة مع شبكة ((أم أس أن بي سي - MSNBC)) "إنها ليست البديل، بل هي مكملة لها".
وفي وقت تستمر فيه الإصابات والوفيات في التزايد في أقوى اقتصاد في العالم، فقد كشف هذا الوباء المستشري عن المشاكل العميقة الجذور التي تجتاح المجتمع الأمريكي المتشظي جدا.
وأدت الصراعات بين العقلاني واللاعقلاني، والفجوة بين الأغنياء والفقراء، وكذلك الانقسام الحزبي الذي لا يمكن تضييقه، أدت إلى تشتيت انتباه الناس، وتفاقم الوضع، وعرقلة جهود مكافحة الفيروس وكبحه في نهاية المطاف.
وتعمل العنصرية والتشكيك ونظريات المؤامرة على تأجيج هذه الخلافات والانقسامات، وتتواصل المناوشات الحزبية في كل مكان: من جلسات الاستماع بشأن فيروس كورونا إلى مفاوضات الإغاثة من الفيروس.
وفي وقت لا تبدو فيه نهاية للمناورات السياسية السامة واللامبالية، فقد أصبحت عامة الناس بالولايات المتحدة هي الضحية.
قال روبرت أندرسون من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في البلاد، إن الوفيات السنوية في الولايات المتحدة تضاعفت 3 ملايين لأول مرة وجعلت عام 2020 أكثر الأعوام هلاكا على الإطلاق، بينما انخفض متوسط العمر المتوقع بما يصل إلى 3 سنوات كاملة.
قال كينيث أم. جونسون، من جامعة نيو هامبشاير، إن الوباء سيتسبب في جعل عدد الوفيات يتجاوز عدد المواليد في أكثر من 50 في المائة من المقاطعات الأمريكية هذا العام، وهي المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، وفقا لتقرير صدر مؤخرا على صحيفة ((الغارديان)).
هناك حلقة مثيرة للتأمل في المسلسل التلفزيوني ((نيوز روم - Newsroom))، عندما سُئل المذيع ويل ماكافوي كيف أن أمريكا هي أعظم أمة على وجه الأرض. فقال ماكافوي للفتاة الجامعية التي طرحت السؤال: "الأمر ليس ...".
ربما اعتادت أن تكون. ولكن الفشل الأمريكي اليوم يظهر بطريقة واضحة.
جاء في مقال نشرته صحيفة ((اتلانتك)) "إن كارثة كوفيد-19، قد أثّرت وطالت أيضا تقريبا كل جانب من جوانب المجتمع الأمريكي: قيادته قصيرة النظر، وتجاهله للخبرات، وعدم المساواة العرقية فيه، وثقافة وسائل التواصل الاجتماعي فيه، وتمسكه بنوع خطير من الاهتمام بالفردية".
هناك أمل بأنه عندما تعود الكرة البلورية للدوران في المرة القادمة، يمكن للحشود المحتفلة أن تعانق بعضها البعض ثانية في ميدان التايمز، بدلا من مشاهدة التلفزيون في المنازل. ولكن لكي يتحقق ذلك، هناك حاجة ماسة لأن يعود أفضل ما في البلاد.