تحقيق إخباري: "عندي أسرة في الصين وأخرى في تونس"... مهندس صيني يواجه الجائحة بعزيمة وإصرار وأمل
بكين 10 فبراير 2021 (شينخوا) على أريكة في مسكنه بتونس جلس تشاو شوى هونغ والصمت يسود المكان ولا يكسره سوى صوت أبواق سيارات تمرّ في الحي الذي يقطنه من حين لآخر، وتدور في مخيلته صورة لأجواء الفرحة التي يُفترض أن يكون عليها في نفس اللحظة منزله بالصين ابتهاجا بقدوم عيد الربيع الصيني التقليدي، الذي يوافق 12 فبراير من هذا العام، بنكهته المميزة وما يتخللها من صدى صوت الدردشات والضحكات وبكاء ابنته الوليدة.
ووسط هذه الأجواء الهادئة المحيطة به والبخار يتصاعد من قدح الشاي على الطاولة أمامه، جالت في خاطره كل الأحداث التي عاشها في السنة الماضية، فهي سنة لا نظير بالنسبة إليه والعالم بأسره.
تشاو شوى هونغ، هو مدير مشروع بناء الأكاديمية الدبلوماسية بتونس، إذ أوفدته الشركة الصينية للهندسة المدنية مع مجموعة من الموظفين إلى تونس لتنفيذ الأعمال الخاصة بالمشروع، الذي يعد ضمن سلسلة من مشاريع التعاون الدولي المقامة في هذا البلد الإفريقي في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، كما يعتبر سادس مشروع يتولى تشاو مهمة الإشراف عليه. وقد أنطلقت أعمال المشروع في مايو 2019 واكتمل حفر الأساس في ديسمبر من نفس العام.
سارت الأمور على ما يرام حتى عودته إلى الصين من تونس في رحلة عمل خاصة بالمشروع في نهاية عام 2019.
"كنت اعتزم في الأصل العودة إلى تونس في شهر فبراير التالي"، هكذا قال تشاو شوى هونغ. غير أن خطة عمله بل وكل شيء تغير مع تفشى جائحة فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) في مطلع عام 2020، حيث أضطر للبقاء في بلاده.
وآنذاك، مزح معه زملاؤه في تونس قائلين له إنه سيستمتع بشكل استثنائي بعطلة طويلة، لكن تشاو لم يشعر أبدا بالإطمئنان خلال هذا "التباعد"، فقد كان يتصل يوميا بمكتب إدارة المشروع في تونس للتعرف على سير العمل. "وفي كل اتصال، كان الزملاء يذكرونني دائما بضرورة الاعتناء بنفسي والاهتمام بالوقاية"، حسبما قال تشاو.
لكن الفيروس لا يعرف الحدود. ففي 2 مارس 2020، أبلغت تونس عن أول حالة إصابة مؤكدة بكوفيد-19 وبالتالي أعلنت الحكومة التونسية سياسات الإغلاق وحظر التجوال لاحقا. وبسبب الجائحة، تم تعليق أعمال المشروع.
في ذلك الوقت، بدأ تشاو يقلق على صحة زملائه في تونس وعلى المشروع أيضا، وكانت سلامتهم ووقايتهم من المرض هي شاغله الأكبر. كانت عقارب الساعة تسير ببطء وهو في انتظار العودة إلى تونس بمجرد إعادة استئناف حركة الرحلات الدولية.
وفي نفس الوقت، ثمة سبب أيضا كان يدعوه للبقاء -- فخلال هذه العطلة الخاصة، حملت زوجته، كانت في أمس الحاجة للرعاية. واختلطت المشاعر بداخله وهو يشعر بمدى صعوبة ترك أسرته وحدها رغم أنه حجز تذكرة طيران بعد إعادة فتح الرحلات الجوية إلى تونس.
"ولكن، عندي أسرة أخرى، أكثر من 60 زميلا مازالوا مثابرين على العمل في موقع المشروع ولم يكن لديهم فرصة البقاء مع أسرهم داخل الصين في هذا الوقت الصعب. أكيف أبقى في الصين وأنا المدير؟"، هكذا عبر تشاو مستشعرا حجم المسؤولية التي يحملها على عاتقه.
وعندما وصل تشاو إلى تونس في أغسطس، كان العمل قد أستؤنف بالمشروع، لكن موعد الانتهاء من مراحله تأثر بشدة مع استمرار تفشي الجائحة. وعن هذه الفترة قال "سأظل متذكرا لتلك الأيام الصعبة ما حييت لأنها شهدت تكاتف الجميع وترابطهم. فلم تتوان الشركة عن تقديم الإرشادات الخاصة بتنسيق الأعمال الميدانية للبناء، وأخذ الجميع يلتزم بدقة بلوائح وإجراءات الوقاية المحلية، وزارت البعثة الطبية الصينية في تونس موقع المشروع عدة مرات لتقديم الخدمات الطبية والاستشارات النفسية للموظفين، بل وأرسلت لهم ما يلزم من أدوية وإمدادات طبية.
وما بين الإحساس بالمسؤولية تجاه العمل والأسرة لم يتوقف عقل تشاو عن التفكير، وشعر بحدة الضغوط حتى 12 أكتوبر عندما جاءت ابنته إلى الحياة. وظل تشاو مستيقظا طوال الليل وهو ينظر إلى وجهي زوجته المتعبة وطفلته الصغيرة على شاشة الهاتف المحمول. وفي 30 أكتوبر، تم الانتهاء من تغطية أسقف الأكاديمية الدبلوماسية. وبهذا يكون تشاو قد تلقى في نفس الشهر هديتين.
وبفضل الجهود المبذولة، لم يُصب أي من الموظفين الصينيين والتونسيين في المشروع بالمرض، ومن المتوقع الانتهاء من الإنجاز الكلي له في أكتوبر 2021 وفقا للخطة الأخيرة.
صحيح أن مسكنه في تونس هادئ بعض الشيء، ولكن في غضون الأيام القليلة القادمة، يستعد تشاو وأفراد أسرته الكبيرة المثابرين على العمل في موقع المشروع للاحتفال بعيد الربيع واستقبال رأس السنة القمرية الصينية الجديدة في تونس على مسافة بعيدة عن أحبائهم في الصين الذين تفصلهم عنهم جبال وبحار.
ويأمل تشاو أن يحتضن ابنته الصغيرة عما قريب في العام الجديد، ويحكي لها قصصا عن الأكاديمية، وأخرى عن صفات الإخلاص والمثابرة والإصرار والعزيمة التي أبدتها كل النماذج الصينية المشرفة أمثال أبيها خلال الجائحة.