مقالة خاصة: التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط تتعزز رغم ظروف وباء كوفيد-19
بكين 27 يوليو 2021 (شينخوا) اندلع وباء كوفيد-19 في العام الماضي، تاركا أثرا خطيرا على اقتصاد العالم، ولكن صناعة البيع بالتجزئة عبر الإنترنت المدعومة بالتكنولوجيا الرقمية، شهدت تطورا سريعا خلال فترة الوقاية من الوباء ومكافحته. وشهدت منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها سوقا ناشئة للتجارة الالكترونية، أداء مرموقا.
وعلى ضوء مستوى التنمية الاقتصادية، والقدرة الاستهلاكية للسكان، ومعدل انتشار شبكة الإنترنت وعوامل أخرى، فهناك بلدان مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر، تتصدر في مستوى تنمية التجارة الالكترونية بين جميع الدول العربية.
وكان قطاع التجارة الإلكترونية في دول مجلس التعاون الخليجي قبل 5 أعوام، منصة صغيرة، وكان يمثل فقط 0.4 بالمائة (5 مليارات دولار أمريكي) من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة في 2015. ولكنه سيصل إلى 29 مليار دولار في عام 2021، و50 مليار دولار حتى نهاية عام 2025، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما أكبر اقتصادين في الشرق الأوسط، وفقا لبيانات من شركة الاستشارات العالمية ((كونيل)).
وقال عبد العزيز الشعباني، وهو صحفي سعودي وخبير بالشؤون الصينية، في مقابلة أجرتها معه مؤخرا وكالة أنباء ((شينخوا))، إن الاهتمام بالتجارة الالكترونية في السعودية تزايد في الأعوام الأخيرة ما دعا أهم المواقع العالمية المتخصصة (مثل أمازون) لفتح مكاتب لها في العاصمة السعودية الرياض، وجاء هذا الاهتمام تبعاً لإقبال السعوديين على التسوق الإلكتروني بشكل لا مثيل له.
وأضاف الشعباني أنه بالإضافة إلى ذلك، سياسات السعودية في دعم التجارة الإلكترونية جاءت بشكل مبكر خصوصاً في دعم الأفراد والتجار الصغار السعوديين، ومن ذلك إنشاء منصات معروفة، تؤهل الجهة الإلكترونية التي تسجل في المنصة في كسب ثقة المستهلك بكونها جهة موثوقة ومعروفة بشكل رسمي. ومن السياسات التفضيلية الواضحة في السعودية دعم التوطين في شركات التجارة الإلكترونية خصوصاً الكبرى منها.
وأشارت بيانات إلى أن عدد مواقع الانترنت للتجارة الإلكترونية في منطقة الخليج قد تضاعف ثلاث مرات في خمس سنوات، بمعدل نمو سنوي متوسط قدره 32 بالمائة.
ففي عام 2016، انضم الصندوق السيادي السعودي، صندوق الاستثمار العام (PIF)، إلى المستثمرين الإماراتيين لإنشاء منصة تجارة إلكترونية كبيرة، هي ((نون- Noon))، أصبحت الآن واحدة من أكثر العلامات التجارية انتشارا في المملكة العربية السعودية. وخلال تفشي مرض كوفيد-19، تطورت بسرعة منصات مثل مرسول (Mrsoul) في المملكة العربية السعودية، وسنونو(Snoonu) في قطر، وتوصيل(Tawsee) في الكويت، وإنستشوب(InstaShop) في الإمارات العربية المتحدة، وماركيت إكس(MarkeetEx) في عمان.
وقال الشعباني، إن تأثير الوباء كان واضحا على عمل التجارة الإلكترونية حيث خف الإقبال عليها بدواع صحية وخوفا من العدوى بسبب الطرود المستلمة، لكن ما لبثت تلك المخاوف أن تلاشت مع الوقت، مضيفا أن مستقبل التجارة الإلكترونية في السعودية زاهر وكبير.
وفي مصر، بدأت مواقع التسوق الكبيرة، وكذلك بعض المخابز ومحلات البقالة ومحلات الخضروات والفواكه، في البيع عبر الإنترنت على وسائل التواصل الاجتماعي، كما طورت محلات السوبر ماركت الكبيرة مثل ((كارفور)) تطبيقات الهاتف المحمول. أظهرت الأبحاث التي أجرتها شركة بطاقات الائتمان فيزا (Visa) أن المستهلكين المصريين الذين يختارون استخدام البطاقات المصرفية أو المحافظ الذكية بدلاً من النقد للتسوق عبر الإنترنت، قد زادوا بنسبة 20 بالمائة خلال الوباء.
منذ اندلاع وباء كوفيد-19 وتفشيه في العالم، اتخذت العديد من الدول إجراءات الإغلاق لكبح انتشار الفيروس، من حيث أضطر أغلب الناس إلى البقاء في بيوتهم وتغيير عاداتهم الشرائية. في هذا السياق، وجد بعض رجال الأعمال، وحتى الخريجين، فرصا سانحة وبادروا في بدء أعمالهم في التجارة الالكترونية، أي إنشاء متاجرهم أو محلاتهم عبر الانترنت.
بوسي رزق، سيدة مصرية بأحد المحلات على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي حاصلة على شهادة بكلوريوس خدمة اجتماعية. بعد تخرجها في الجامعة، بدأت تعمل في مجموعة صيدليات، ثم اضطرت إلى ترك عملها بسبب ظروف جائحة كوفيد-19 وعمليات الإغلاق، متجهة إلى بدء عملها الجديد المتمثل في البيع أونلاين على صفحة فيسبوك.
وقالت في مقابلة مع ((شينخوا)) مؤخرا إنها رأت احتياجات الناس عموما، وما يحتاجونه أكثر وما تستطيع توفيره لهم، وبدأت تتعامل مع الناس عموما، ونجح العمل بعد وقت غير طويل، مضيفة أنه "طالما يكون هناك تطور في السوشيال ميديا، يكون الشغل جيدا."
وقال علي عباس، صاحب متجر بيع بالتجزئة عبر الإنترنت في العراق، "لقد ألهم نجاح هذه الأعمال العديد من الشباب في بغداد وغيرها من المحافظات، أن يحذوا حذوها... وبالتالي خلق فرص عمل للشباب".
وذكرت مريم قدري، وهي امرأة مصرية شغوفة بالتسوق الإلكتروني، إنه يمكن لأي فرد من شراء ما يرغب فيه في أي وقت وأي مكان وبالسعر المناسب له، مما يوفر للمستهلكين الوقت والطاقة للشراء في السوق. وأضافت إنه بالرغم من التأثير السلبي لفيروس كورونا الجديد على التجارة العالمية، لكن التجارة الإلكترونية حظيت باستفادة كبيرة من التزام عدد كبير من المواطنين بالحجر المنزلي، وتقضيتهم أغلب الوقت في تصفح الانترنت، لا سيما أن العديد من المتاجر طرحت تخفيضات كبيرة على أسعار المنتجات الخاصة بهم.
مع تطور التجارة الإلكترونية في العالم، يتطور قطاع البريد السريع، مما يقدم للمواطنين المزيد من فرص العمل في هذا المجال. تشير دراسة استقصائية أجرتها شركة ((ماكينزي)) للاستشارات إلى أن المستهلكين في الإمارات العربية المتحدة، الذين اختاروا التوصيل بالبريد السريع بعد التسوق عبر الانترنت زادوا بنسبة 31 في المائة عما كانوا عليه قبل جائحة كوفيد-19. وأشار 66 بالمائة من المستهلكين إلى أنهم سيستمرون في استخدام خدمات التوصيل بالبريد السريع بعد التسوق عبر الانترنت بعد الجائحة.
وأشار محمد السيد، وهو عامل في إحدى شركات البريد السريع في مصر، في مقابلة مع ((شينخوا))، إلى أن الدخل في قطاع البريد السريع جيد، من حيث أنه ينصح بعض أصحابه الكثيرين إلى أن يجدوا فرصة يتمنوها في هذا القطاع ويجعلوا حياتهم مستقرة إلى حد ما. وقال إن التسوق أونلاين في مصر ناجح جدا حتى الآن وهو واعد جدا بسبب ظروف فيروس كورونا الجديد، حيث أغلبية الناس تعمل من البيت وتفكر أكثر في موضوع التسوق أونلاين.
وذكر الشعباني أن الصين وبلدان الشرق الأوسط تواصل تعزيز التعاون في مجالات من قبيل التمويل الرقمي، والطب الرقمي، والتكنولوجيا الرقمية، والتعليم عن بعد، وإعداد المواهب الرقمية. وخلال فترة الوقاية من جائحة كوفيد-19 ومكافحتها، شاركت الشركات الصينية في مجال التجارة الالكترونية بنشاط في تبادل التكنولوجيا والخبرات مع بلدان الشرق الأوسط في مجالات بناء المنصات، والمدفوعات المتنقلة، وإدارة اللوجستيات، من أجل تقديم مساهمة إيجابية في إعادة إحيائها من حيث الأعمال والإنتاج.
وفي مارس من هذا العام، تم التوقيع رسمياً على مذكرة تفاهم للتعاون بين شركة ((تينسنت كلاود)) ولجنة التنمية الاقتصادية في البحرين، من أجل تعزيز التطوير الصناعي والتقني للحوسبة السحابية في مراكز البيانات المحلية.
ومع تميز دول الشرق الأوسط بوجود شريحة كبيرة من الشباب، وهو ما يعتبر مجموعة ضخمة من المستهلكين، إضافة إلى تزايد شعبية وتحسين البنية التحتية للانترنت، فإن هناك مساحة واسعة لتطورات مستقبلية في هذا المجال بعد انتهاء وباء كوفيد-19، والتي تعتبر اتجاها عاما للتنمية التجارية والاقتصادية في المستقبل.