مقالة خاصة: مأساة مفتعلة -- وفيات كوفيد-19 في الولايات المتحدة تصل إلى حاجز المليون
واشنطن 12 مايو 2022 (شينخوا) في الأسابيع الأولى المربكة من عام 2020 عندما كان فيروس كورونا الجديد يظهر بالفعل علامات على اجتياح العالم بأسره، توقع البيت الأبيض في أبريل من ذلك العام أن الفيروس سيقتل ما لا يقل عن 100 ألف إلى 240 ألف أمريكي في أفضل السيناريوهات.
هذا السيناريو الأفضل لم يتحقق أبدا. بعد 27 شهرا من تأكيد أول حالة إصابة لديها بكوفيد-19، وصلت الولايات المتحدة إلى معلم يفطر القلب يوم الخميس، حيث تجاوز عدد الوفيات لديها مليون شخص، وفقا لبيان صادر عن البيت الأبيض في وقت مبكر من اليوم.
الرقم الكئيب أكبر من العدد الإجمالي للأمريكيين الذين قتلوا في ساحات المعارك في حربين عالميتين وحرب فيتنام وحرب الاستقلال الأمريكية مجتمعة، وجرى ذلك في فترة زمنية أقصر من أي من تلك الحروب وحدها.
-- فرط الثقة أمر مهلك
خلال حملته الانتخابية في عام 2020، أطلق المرشح الرئاسي للحزب الديمقراطي آنذاك جو بايدن العنان لهجمات لاذعة على إدارة الرئيس آنذاك دونالد ترامب للحملة ضد كوفيد-19.
من المؤكد أن ترامب كان مفرطا في الثقة بشكل ضار بأن المرض "سيختفي بأعجوبة". ولكن، كما علقت ((بوليتيكو))، فإن بايدن، مثل ترامب، "كان ورديا للغاية، فقط حتى يشهد انتشارا أوسع وارتفاعا في عدد الوفيات في عهده".
في اليوم الوطني للصلاة في أوائل مايو، أصدر بايدن بيانا حدد المرحلة الحالية بأنها "لحظة تجديد - لإنقاذ الأرواح، وخلق وظائف جديدة، وأمل جديد لإعادة بناء أمريكا".
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي ترسم فيها واشنطن صورة وردية تتعارض مع الواقع القاسي في معركتها ضد كوفيد-19.
في منتصف العام الماضي، عندما كان مئات الأمريكيين لا يزالون يموتون بسبب المرض كل يوم، وكان متغير أكثر عدوى من الفيروس، "دلتا"، يتفشى بسرعة في الداخل والخارج، سارعت واشنطن إلى حث الأمريكيين على الاحتفال بالرابع من يوليو و"الاستقلال" عن كوفيد-19.
وفي مقال يؤرخ لما حدث على مدى الأسابيع الأربعة التالية داخل أروقة الحكومة الأمريكية للحد من زيادة استشراء دلتا، ذكرت صحيفة ((واشنطن بوست)) أن زيادة حالات دلتا التي اجتاحت البلاد أجبرت بايدن وكبار مساعديه وأعضاء حكومته على إعادة النظر في ثقتهم المفرطة.
وخلص مقال الصحيفة إلى أن "الإدارة وجدت نفسها عاجزة عن الإتيان بأي رد فعل -- ثم استغرق الأمر منها أسابيع لسن خطة في محاولة لتدارك ما يحدث".
في أول مارس، في أول خطاب له عن حالة الاتحاد منذ توليه منصبه، ادعى الرئيس بايدن بفخر أنه "بفضل التقدم الذي أحرزناه في العام الماضي، لم يعد ثمة حاجة إلى التحكم في حياتنا لمواجهة كوفيد-19".
في الواقع، كان الفيروس القاتل يسلب حياة أكثر من 1900 أمريكي ويصيب ما يزيد عن 46000 آخرين خلال نفس اليوم الذي ألقى فيه الرئيس الخطاب. وكان ما أسماه بـ"التقدم المحرز العام الماضي" هو عبارة عن تسجيل 34.6 مليون إصابة وقرابة نصف مليون حالة وفاة، مع تصنيف كوفيد-19 كأحد ثلاثة أسباب رئيسية كامنة وراء الوفيات في البلاد.
ومع ذلك، كانت الإدارة الأمريكية عاقدة العزم على إقناع شعبها "بالمضي قدما". وأصدرت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها إرشادات جديدة لأقنعة الوجه قبل أيام قليلة من خطاب بايدن، مشيرة إلى أن معظم الأمريكيين ليسوا مطالبين بارتداء أقنعة الوجه.
إلا أن الجمهور يطرح وجهة نظر مختلفة. إذ وجد استطلاع للرأي أجرته صحيفة ((واشنطن بوست)) وشبكة ((إيه بي سي نيوز)) أنه بالرغم من الصورة المتوهجة التي رسمها السياسيون، فإن معظم الأمريكيين ما زالوا يعتقدون أن الفيروس لم تتم السيطرة عليه بالكامل بعد وأنه يجب الحفاظ على بعض القيود.
وقال غريغ غونسالفيس، خبير الأمراض المعدية في جامعة ييل، في مقابلة مع ((بوليتيكو)) إنه على الرغم من القلق العام، فإن المسؤولين الحكوميين "يحاولون إظهار هذه اللامبالاة وكأننا عدنا إلى الوضع الطبيعي".
وأضاف غونسالفيس أن "هذا يعطي انطباعا بأنهم لا يبالون وأن العدوى ليست مهمة... هذا كله يتعلق بالنفعية والمظاهر السياسية أكثر من أي شيء آخر، وهو أمر محبط تماما".
-- فجوات عرقية في الموت
لم يتوقع أحد أن تتدهور حالة ليوندر جيروم بهذه السرعة بعد إصابته بكوفيد-19. وتم وضع جيروم على آلات داعمة للحياة بسبب مضاعفات الالتهاب الرئوي بعد بضعة أسابيع فقط من الشعور بالتوعك.
ونصح الأطباء شقيقته بالبدء في وضع خطط لما بعد وفاته لأن شقيقها كان لديه فرصة نسبتها 3 بالمائة فقط للبقاء على قيد الحياة.
ولم يكن الأطباء يكذبون بشأن ذلك. ووفقا للبيانات الرسمية، فإن السكان السود مثل جيروم، ممن يواجهون نقصا في اللقاحات وقلة فرص الحصول على التأمين الصحي، يمثلون الغالبية العظمى من الوفيات في المنطقة التي يعيش فيها جيروم.
وما عايشه جيروم يلخص معركة أمريكا المروعة ضد الوباء: فجوة موت مذهلة بين الأغنياء والفقراء، البيض والسود.
وكانت وفيات كوفيد-19 بين أفراد الطبقة العاملة أعلى بخمس مرات من وفيات خريجي الجامعات. ولو أن كافة سكان الفئات العرقية والإثنية قد خبروا نفس معدلات الوفيات مثل البيض غير اللاتينيين المتعلمين في الجامعات، لكانت الأقليات العرقية والإثنية قد شهدت وفيات أقل بنسبة 71 في المائة.
وفقا لدراسة أجراها مركز مكافحة الأمراض، خلال موجة أوميكرون، تم إدخال بالغين سود إلى المستشفى بمعدل يقارب أربعة أضعاف نظرائهم البيض، مع وجود حالات طبية كامنة أو عدم إمكانية الحصول على الرعاية الصحية كأسباب رئيسية.
وقال رئيس لجنة الميزانية في مجلس النواب الأمريكي جون يارموث، ذات مرة في جلسة استماع حول أوجه عدم المساواة المتعلقة بالصحة والثروة في أمريكا، "لقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن الصدوع في أنظمتنا وكشفت عن أوجه عدم المساواة الأساسية الموجودة في الولايات المتحدة لأجيال - في نظام الرعاية الصحية لدينا، واقتصادنا، وفي التعليم، وفي أنظمة العدالة لدينا".
لقد تعافى جيروم أخيرا بعد ثلاثة أشهر من تلقي العلاج في مستشفيات مختلفة، وهو أمر وصفه الأطباء بأنه "معجزة".
ومع ذلك، لا تحدث المعجزات في كثير من الأحيان. خلال الأشهر الثلاثة التي قضاها جيروم في المستشفى، فقد عشرات الآلاف من الأمريكيين السود حياتهم.
وقال الباحث في جامعة أوهايو، بيركلي فرانز، بعد دراسة العلاقة بين العنصرية البنيوية والفصل السكني والتفاوتات العرقية/الإثنية في وفيات كوفيد-19 في الولايات المتحدة، إن "العرق لا يظهر بقوة في حالات إصابة أي فرد بكوفيد-19.. لكن العرق يظهر مع مدى شدة المرض وما إذا كنت ستموت بسببه".
وأضاف فرانز أن "التفاوتات العرقية يجري تشكيلها في المؤسسات الأمريكية".
-- حصيلة أقل من الواقع
بعد أن جمع شتات نفسه عقب وفاة زوجته بسبب مضاعفات ناتجة عن لقاح كوفيد-19، قيل لستان توماس إنه غير مؤهل للتقدم بطلب لتلقي إعانات حكومية للمساعدة في تكاليف الدفن لأن شهادة وفاتها لم تدرج كوفيد-19 كسبب للوفاة.
وتوضح محنة توماس بجلاء كيف تم نسيان الوفيات المتفرعة عن المرض.
ووجدت الأبحاث أن العدد الفعلي للوفيات الناجمة عن الوباء في الولايات المتحدة صاعق أكثر.
وكشفت دراسة أجرتها جامعة بوسطن أنه مقابل كل 100 حالة وفاة تُعزى مباشرة إلى كوفيد-19، هناك 20 حالة وفاة أخرى لا تُعزى إلى المرض، ما يعني أن حصيلة الوفيات الأمريكية بسبب الوباء قد جرى التقليل منها بنسبة 20 في المائة على الأقل.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة أندرو ستوكس، وهو الأستاذ المساعد في كلية الصحة العامة بجامعة بوسطن، إن "النتائج التي توصلنا إليها تشير إلى أن تأثير جائحة كوفيد-19 على الوفيات قد تم التقليل منه بصورة كبيرة في العديد من المجتمعات في عموم الولايات المتحدة".
وفي مكان آخر، وجد علماء أوبئة من جامعة جورج تاون أنه بين 3 يناير 2020 و26 سبتمبر 2021، فإن إجمالي الوفيات المفرطة المتصلة بكوفيد-19 بلغ 895693 وفاة؛ وفي الفترة نفسها، سجلت الحكومة الأمريكية 710999 حالة وفاة بكوفيد-19.
وذكر البحث أنه "بعبارة أخرى، خلال هذه الفترة، شهدت الولايات المتحدة وفيات ناجمة عن كوفيد-19 أكثر بنسبة 26 في المائة مما تم الإبلاغ عنه على هذا النحو".
كما قدرت منظمة الصحة العالمية في تقرير صدر في وقت سابق من هذا الشهر أنه في عامي 2020 و2021، سجلت الولايات المتحدة أكثر من 930 ألف حالة وفاة مفرطة، بينما تم تسجيل 820 ألف حالة وفاة فقط جراء كوفيد-19 رسميا خلال نفس الفترة.
وأقر كبير مستشاري الولايات المتحدة في مجال الوباء أنتوني فاوتشي بذلك ذات مرة، قائلا "أعتقد أنه ليس هناك شك.. بأننا كنا وما زلنا نقدم أرقاما أقل من الواقع".
وهناك تباين كبير في العوامل التي تؤدي إلى تقديم أرقام أقل من الواقع.
ووفقا لستوكس، من المرجح أن تقلل بعض المقاطعات في الجنوب والغرب من الإبلاغ عن الوفيات الناجمة عن الوباء. كما لا يتم تسجيل وفيات في بعض الأحيان بسبب انهيار في النظام الصحي ونقص الاختبارات وانخفاض فرص الحصول على تأمين صحي، وقد يكون لبعض العوامل دوافع سياسية.
ونقلت صحيفة ((نيويورك تايمز)) عن سميرة أسماء، المديرة العامة المساعدة لشعبة البيانات والدراسات التحليلية والتنفيذ لتحقيق الأثر لدى منظمة الصحة العالمية، قولها "عندما نقلل من تقدير الأعداد، فقد نقلل من الاستثمار"، مبينة "عندما نقلل من تقدير الأعداد، فقد نفتقد استهداف التدخلات حيث تشتد الحاجة إليها".
-- دروس مؤلمة
يجب على الولايات المتحدة أن تستخلص الدروس من هذه المأساة الأمريكية المفتعلة في المقام الأول.
أولا وقبل كل شيء، ينبغي النظر إلى العلم على أنه المفتاح للفوز في المعركة الصعبة هذه ضد كوفيد-19. ومنذ تفشي الوباء، لعب العلماء دورا أساسيا في مكافحة الفيروس الذي لم يكن معروفا من قبل.
فالسماح للسياسة بتجاوز العلم، وخاصة في المرحلة المبكرة من الوباء، أدى إلى حدوث المأساة في الولايات المتحدة، وهي البلد الذي يمتلك أحدث التقنيات الطبية في العالم والنظام الصحي المجهز تجهيزا جيدا.
ويتطلب دحر الوباء تعاونا عالميا، لكن واشنطن لا تزال تدور في حلقة مفرغة -- وذلك على حساب أرواح الأمريكيين.
وقال جون بي.مور، وهو أستاذ علم الأحياء الدقيقة والمناعة في كلية وايل كورنيل للطب في جامعة كورنيل، في مقال رأي نشر في صحيفة ((واشنطن بوست))، "لقد جعلت الحكومة الأمريكية العلوم الدولية أكثر صعوبة في لحظة تشتد الحاجة إليها".
وذكر أن "الحكومة الأمريكية وضعت عراقيل من شأنها أن تجعل التعاون مع باحثين من دول أخرى متسما بمتاعب بيروقراطية"، مشددا كذلك أن الوقت قد حان لكي يعمل العالم "معا لإنهاء جائحة كوفيد-19 -- ومنع الوباء التالي".
ويكمن وراء جهل واشنطن بالعلم تجاهل متأصل لحياة البشر.
وهذا ما يفسر لماذا تعتقد واشنطن أن لديها مكانة أخلاقية عالية لتوجيه اتهامات لا أساس لها ضد نهج الدول الأخرى ضد كوفيد-19، حتى في وقت تتجاوز فيه وفيات كوفيد-19 في الولايات المتحدة معلما مروعا تلو الآخر.
وعلاوة على ذلك، فإن الفشل الذريع لحملة الولايات المتحدة لمكافحة كوفيد-19 يقدم درسا آخر: فقط الحكومات التي "تضع حياة الناس في المقام الأول" هي وحدها القادرة على كسب دعم الجمهور.
ووجد تقرير حديث صادر عن مركز "بيو" للأبحاث أن 60 بالمائة من الأمريكيين يصفون عمل البيت الأبيض فيما يتعلق بالاستجابة للوباء بأنه "مقبول أو سيء" فقط، مما يؤكد أن معظم الأمريكيين غير راضين عن إستراتيجية واشنطن غير الفعالة ضد كوفيد-19.
وخلص التقرير إلى أنه "بعد قرابة عامين من تفشي كوفيد-19 في الولايات المتحدة، ينتقد الأمريكيون بشكل متزايد استجابة المسؤولين المفوضين ومسؤولي الصحة العامة لكوفيد-19".
وكم هو محزن، أنه على الرغم من تسجيل مليون حالة وفاة والعداد مستمر، فمن غير المرجح أن يحاسب أحد على سوء تعامل واشنطن مع الجائحة، وفشلها في إنقاذ الأرواح. ويبدو أن الأمريكيين لا خيار آخر أمامهم سوى تعلم التعايش مع الفيروس، فضلا عن مقدار الألم والمعاناة الذي سيتكبدونه عقب ذلك.