تعليق ((شينخوا)): دروس تفشل صحيفة ((وول ستريت جورنال)) في تعلمها من مكافحة الصين لكوفيد-19
بكين 14 مايو 2022 (شينخوا) في الوقت الذي تشدد فيه الصين إجراءات مكافحة كوفيد-19 لاحتواء المتحور أوميكرون شديد العدوى، استغلت صحيفة ((وول ستريت جورنال)) هذه اللحظة، ليس لتتعلم شيئا ذا مغزى من تجربة الصين، وإنما لإثارة ما يسمى بـ"المخاطر السياسية" لـ"عمليات الإغلاق".
في يوم الثلاثاء، أخذت افتتاحية ((وول ستريت جورنال))، التي دارت حول "الدروس المستفادة من عمليات الإغلاق في الصين"، تحث الشركات الأجنبية على "أن تقلل إلى أدنى حد تعرضها للتقلبات السياسية في الصين أو مخاطرتها بمواجهة مزيد من المتاعب التجارية في المستقبل".
بيد أن المستثمرين ذوي الرؤى الثاقبة يعرفون تماما أن الآفاق طويلة الأجل للصين كوجهة استثمارية رئيسية لم تتغير، وأن الحوكمة السياسية في الصين المصحوبة بتدابير علمية من المتوقع أن تعمل على تهيئة المزيد من الظروف اللازمة لتحقيق رخاء أكبر ومستدام.
ففي الوقت الذي تكافح فيه العديد من المدن الصينية، بما في ذلك المركز المالي شانغهاي، للتعامل مع عودة تفشي أوميكرون، فإن سياسة صفر-كوفيد الديناميكية، رغم أنها تُحدث بعض التأثيرات الفورية، ستساعد في المقابل على تعزيز الأساسيات الاقتصادية للصين على المدى الطويل.
ما يدعو للأسف هو أن الصحيفة، منذ تفشي الجائحة، فوتت على نفسها فرصة استقاء دروس مهمة من تجربة الصين القيمة في مكافحة الفيروس.
أولا وقبل كل شي، أي خسارة في الأرواح لا يمكن تعويضها -- ولهذا السبب تتمسك الصين بسياسة صفر-كوفيد الديناميكية؛ في حين أن الضغوط النزولية والتقلبات التي تواجه الاقتصاد مؤقتة، والتي، على الأقل حتى الآن، لا تشكل تهديدا حقيقيا للتنمية الاقتصادية الصينية التي بُنيت على مدى العقود الماضية.
وباعتبارها واحدة من أكثر الصحف المطبوعة قراءة في أمريكا، من المستحسن أن تهتم الصحيفة أولا بما يجري في بلادها، لا سيما بعد أن أحيا الرئيس جو بايدن ذكرى مليون أمريكي فقدوا حياتهم بسبب كوفيد-19.
فرغم ما وصفه بايدن بأنه "معلم مأساوي" في الولايات المتحدة، يبدو أن الصحيفة، بدلا من السعي لتحقيق العدالة لمليون روح أمريكية فُقدت وأكثر من 200 ألف طفل أمريكي صاروا يتامى أو شبه يتامى، مهتمة بالآفاق الاقتصادية أكثر من اهتمامها بالاستراتيجيات المنقذة للحياة وسط الجائحة.
لا عجب في أن الصحيفة اشتهرت بأنها "شيء نادر في وسائل الإعلام في القرن الـ21: صحيفة تجني المال. الكثير من المال"، وفقا لما ذكرته صحيفة ((نيويورك تايمز)). وعلى كل حال، لقد سُميت وول ستريت، وليس الناس.
علاوة على ذلك، يجب أن يستند أي استنتاج موثوق به إلى حقائق وأرقام -- هذا تذكير بسيط لبعض نخب الصحفيين الغربيين. فقبل أن يحذروا من "أي خطر اقتصادي" ناشئ عن الإجراءات الصينية المختلفة لمكافحة الجائحة، ينبغي أن يكونوا على دراية جيدة بالصحة العامة والوضع الاقتصادي في الصين.
يبلغ عدد سكان الصين 1.4 مليار نسمة، ويقطنها 267 مليون مسن وأكثر من 250 مليون قاصر، وهم عرضة للإصابة بالفيروس. وقد ذكرت دراسة نُشرت يوم الثلاثاء في مجلة ((ناتشر ميديسن)) أنه إذا تخلت الصين عن استراتيجيتها الحالية لمكافحة كوفيد، فإن ذروة الطلب على وحدة العناية المركزة ستكون 15.6 ضعف السعة الحالية، ما سيتسبب في أكثر من 1.5 مليون حالة وفاة. لهذه الأسباب، يجب على الصين، وهي دولة تضع الناس دائما في المقام الأول، ألا تترك الفيروس طليقا.
وعلى الرغم من تأثير الجائحة على المدى القريب على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، إلا أن ما تفعله الصين يذكرنا بالمشهد الذي حدث في عام 2020، عندما تغلبت إلى حد كبير على صدمة كوفيد-19 وأصبحت الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي توسع بنمو سنوي قدره 2.2 في المائة. وفي العام الماضي، سجل الناتج المحلي الإجمالي للصين نموا ملحوظا بلغ 8.1 في المائة على أساس سنوي.
بالنظر إلى المرونة القوية للاقتصاد الصيني، يتفق الاقتصاديون على أن العوامل الرئيسية التي تدعم النمو الاقتصادي للصين، مثل مبيعات التجزئة للسلع الاستهلاكية والقيمة المضافة الصناعية، لم تتغير، ولا تزال البلاد جاذبة للاستثمار الأجنبي.
فعلى سبيل المثال، أعلن بنك ستاندرد تشارترد في فبراير عزمه ضخ استثمارات بقيمة 300 مليون دولار أمريكي في الأعمال التجارية المتعلقة بالصين في السنوات الثلاث المقبلة. وقالت جيري تشانغ، الرئيسة التنفيذية لبنك ستاندرد تشارترد (الصين)، لوكالة أنباء ((شينخوا)) مؤخرا "كلما زادت معرفة الشركات متعددة الجنسيات بالاقتصاد الصيني ودمجت عملياتها فيه، زادت ثقتها في نمو الصين وازدهارها على المدى الطويل".
وعلى الرغم من أن الصحيفة لخصت العديد من "الدروس" المتعلقة بالصين، إلا أن العديد منها لا علاقة له برؤى حقيقية حول الاقتصاد الصيني أو جوانب أخرى من البلاد، بل ولا تعمل سوى على إذكاء مخاوف لا أساس لها من الصحة.
إن "أساليب التخويف" هذه، التي تستند إلى وجهات نظر متحيزة ومنطق خاطئ وأدلة ملفقة، من المستحيل أن تبعد المستثمرين والشركات عن السوق الصينية.
في منتصف الأزمة المالية العالمية لعام 2008، نشرت الصحيفة مقال رأي يتأمل في "الدروس المستقاة من 30 عاما من الإصلاح الصيني"، حاولت فيه إثارة "حالة من عدم اليقين" بشأن البيئة الاقتصادية في البلاد.
على النقيض من ذلك، توسع الاقتصاد الصيني منذ ذلك الحين بواقع ثلاثة أضعاف. على مدى العقد الماضي، حافظت الصين على زخم قوي للنمو، وحققت معلما تلو الآخر: في عام 2010، أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وفي عام 2019، تجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين 10 آلاف دولار؛ وفي عام 2020، تفوقت الصين على الولايات المتحدة لتصبح أكبر متلق عالمي للاستثمار الأجنبي المباشر.
لقد أثبت التاريخ أن مثل هذا التشويه اليومي لصورة الصين لا يمكن أن يعيق تنميتها، لأنها استندت إلى فلسفة تتمحور حول الشعب، وهو بالضبط أهم درس على الصحيفة أن تتعلمه.