تحقيق إخباري: نساء سوريات يعدن الألق لـ"فجة الخرق" عبر تدوير الألبسة في السويداء
السويداءـ سوريا 20 أغسطس 2022 (شينخوا) ليس من السهل على المرء في سوريا وبهذه الظروف المعيشية الصعبة أن يفكر بمشروع إعادة تدوير الأقمشة لإحياء مشروع تراثي، هو نسج البسط المصنعة من الخرق أو الألبسة التالفة وبقايا الأقمشة، أو ما يعرف باللهجة المحلية بـ"فجة الخرق" في محافظة السويداء (جنوب سوريا)، لكن شغف هؤلاء النساء لهذه المهنة التراثية دفعهن لإحيائها بالرغم من الصعوبات التي تواجههن.
وبخطى متأنية تتنقل السيدة خلود هنيدي الخمسينية بالعمر بين المشغولات التراثية التي أنجزت قبل وقت قصير وتتلمس القطب الموجودة على النول الخشبي الذي تم تصنيعه مؤخرا، والذي شكل نقلة نوعية في عمل المشغل في فترة لاحقة، لتؤكد أن هذا المكان يحمل الكثير من القصص والحكايا، وكان مصدرا لإعادة إحياء هذا الموروث المهدد بالانقراض.
وفي هذا المكان الدافئ المليء بالقصص والأعمال الفنية المشغولة بإتقان كبير، والذي تفوح منه رائحة الأجداد، كانت البسط والأعمال اليدوية المعلقة على جدرانه تجذب الناظر للغوص في تفاصيل حياكتها التي تأخذ منهن جهدا ووقتا كبيرين، ولكن في النهاية نحن أمام تحفة فنية مزركشة رائعة.
وقالت خلود هنيدي المتخصصة في المعالجة النفسية، وصاحبة المشروع - أثناء وجودها في مشغلها في أحد ضواحي مدينة السويداء (جنوب سوريا) المشيد من الحجر البازالتي القديم - لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "فكرة المشروع لمعت في بداية عام 2017 وجاءت من حبي وشغفي لهذا الشيء وإصراري على إحياء هذا التراث المهدد بالانقراض، وتقديمه للأجيال القادمة التي لا تعرف عنه شيئا أو ربما لا تتذكره".
وتابعت خلود هنيدي تقول والفرحة تترسم على معالم وجهها "هذا الشعور وهذا الهاجس كان يسيطر على تفكيري، وكنت اسأل نفسي ماذا علي أن أفعل كي أنقل هذا الهاجس للناس"، مؤكدة أن هناك العدد من الأشخاص لديهم هذا الهاجس وهذا الحب لتلك المهنة، والذين يحاولون إعادة إحياء هذه المهنة التراثية إلى الواجهة من جديد.
وروت خلود هنيدي بكثير من الحب أن هناك الكثير لديهم ذلك الشغف ويختزنون بذاكراتهم أشياء جميلة عن هذه الصنعة أو ما يسمى "فجة الخرق"، ولايزال صوت النول يحفر بوجدانهم ويرغبون في نقل تلك الذاكرة إلى الأجيال، لافتة إلى أن العمل يحتاج إلى صبر وجهد كبيرين.
وأشارت خلود إلى أن اسم المشروع "فجة خرق" جاء من اسم المنتج نفسه الذي كانت الجدات تفرشن به بيوتهن سابقا، ويتقنن في صنعته بطريقة بسيطة ليصبح بعد فترة لوحة فنية رائعة بأسلوب بسيط، مبينة أن صناعته في السابق كانت تتم من الألبسة التالفة.
وقالت " أنا لم اخترع هذا النول، وإنما حاولت أن أعيد الألق لهذا النول وهذه المهنة التراثية القديمة وأذكر الناس بأهميته".
وبينت أن العمل في مشغل "فجة خرق" بدأ في بداية الأمر بخمس نساء من مختلف المناطق في سوريا واللواتي أتين إلى محافظة السويداء هربا من الحرب التي اندلعت في سوريا في مارس 2011 ليكون هذا المشغل هو البيت الدافئ لهن، واستطعن من خلاله أن يروين قصصهن وحكاياتهن عبر أعمال فنية رائعة لتشكل فيما بعد معرضا فنيا يحمل اسم " قصاقيص".
وقالت "بدأنا العمل في المشغل كخمس نساء، ليصبحن بعد فترة وجيزة 10، وخلال عملهن كانت كل واحدة تعرف عن نفسها عبر رواية قصتها أو ما حدث معها خلال الحرب، أو قبل الحرب، ولكن قصص الحرب وما حملته من مأسي على السوريين كانت هي الأشد إيلاما بذاكرتهن".
وأوضحت أن أغلب الناس تشتري هذه الفجج لجانبها الجمالي، ولكونها تذكرهم بحقبة من الزمان، لافتة إلى أن هناك بعض الأشخاص يطلبون منا صناعة سجادة مصنوعة من الخرق.
وتابعت تقول "أشعر بالفخر بهذا المشروع، لأنه استطاع أن ينجز نقلة نوعية لدى الناس أولا، ولدى السيدات العاملات هنا بدءا من طريقة تفكيرهن"، مشيرة إلى أن هذا المشغل أو الأعمال المقدمة لاقت قبولا لدى الناس.
وقالت حنان رضوان ، شريكة خلود هنيدي في المشروع أيضا، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن تمكين المرأة ودعمها من الأمور الحاسمة لبناء مجتمع أفضل، قائلة إن المشروع مهم للغاية لكل من شارك فيه.
وأضافت أنه من الجيد جدا أن تكون المرأة قادرة على فعل شيء بدلا من مجرد البقاء في المنزل والاعتماد على شخص آخر للحصول على المساعدة.
وبدورها أبدت الشابة سماح رعد (34 عاما) إعجابها بهذه المشغولات المصنوعة من الأقمشة ذات الألوان المتناسقة، مؤكدة أنها لم تكن تعرف عن هذه الصنعة أي شيء.
وقالت سماح لـ ((شينخوا)) "بالصدفة كنت أتابع أحد الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي فشاهدت هذه الأعمال، ولفتت نظري"، مشيرة إلى أنها اشترت عددا من القطع لتزين بها بيتها كتحف فنية اعتبرتها نادرة.
وأوضحت أن "فجة الخرق" كما تسمى لم تكن تعرف عنها شيئا، معربة عن سعادتها بالتعرف على الصنعة التي انتقلت إلينا عبر هؤلاء الناس الذين يهتمون ين بالتراث.








