الجبل العطري

الجبل العطري

2022-09-01 16:21:13|新华网

بقلم مي عاشور

تصوير مي عاشور

بكين أول سبتمبر 2022 (شينخوانت) زيارة طال تأجيلها،  ولكنها في وقت بعينه، وبدون تخطيط مسبق، تحققت. أتعجب حينما تحقق الأمنيات  في الفترات  التي تُنسى فيها،  أو في اللحظات  التي تغيب فيها عن بالنا بفعل صخب الحياة.
ذات يوم، تدفقت كلمات كثيرة لاطالما أردت كتابتها- تفتحت بداخلي متتالية كأزهار لمحت ضوء شمس،   لا يظهر لها دائماً- فدونت زيارتي للجبل العطري على ورقة، ووضعتها في مكان ما، ولكنها ضاعت لاحقاً. وبعد فترة طويلة، راودتني فكرة الكتابة مجدداً عن الجبل العطري، وأيقنت أن ما أود كتابته لا  يقترن بأي ورقة؛ لأنه تجربة وذكريات كامنة بداخلي.  
تربطني الصدف بالأماكن أحياناً،  بل وتحملني إليها؛  مثلاً  أكون في مكان ما فيفضي بي إلى  مكان آخر، طالما حلمت بالذهاب إليه. 
في خريف 2010، عندما ذهبت إلى بكين للمرة  الثانية، وجدت نفسي في مكان لا آلفه، ولكنه كان قريباً جداً من الجبل العطري. لا أنسى منظر الجبل العطري  الساحر المتسربل بأوراق  حمراء اللون. أردت الذهاب إلى هناك، ولكن حينذاك لم تكن هناك محطة مترو قريبة منه؛ ولأنني لم أكن أعرف ملامح بكين جيداً، تخليت عن الفكرة، وكأنني خشيت اجتياز خط ما، فسبقتني خطواتي عائدة.
في عام  2018، كانت  من أفضل الأعوام التي زرت فيها الصين، ربما ذلك بسبب تعدد التجارب والزيارات، وكذلك لمقابلة الكثير من الكتاب والأصدقاء. بإحدى محطات مترو بكين، لمحت على الخريطة الكبيرة المعلقة على الجدار، محطة موجودة بالقرب من الجبل العطري، فقررت التوجه إلى  شمال غرب بكين. وبعد  ساعة تقريباً   وصلت إلى واجهتي. 
كان علي أن أسير قليلاً لأصل إلى بوابة الجبل العطري، وفي طريقي إلى هناك، كان الشارع منقسماً إلى ضفتين من  المطاعم والدكاكين التي تبيع الهدايا التذكارية، والذي لفت نظري حينها أن معظم المتاجر كانت تبيع القبعات والشيلان والعصي...

قادتني خطواتي  إلى مدخل الجبل العطري، قطعت تذكرة ودخلت.  لم أتخيل سعة المكان الذي لا طالما رأيت صوره، كانت هناك  برك صغيرة ممتلئة بالأسماك البرتقالية اللون وأزهار اللوتس، ومعظم  هذه البرك  محاطة بمباني أو تعلوها جسور مبنية على طراز معماري صيني خالص. شعرت وكأنني وطأت ساحة من التاريخ الصيني.

أتذكر ما قراءته حول الجبل العطري:  هي حديقة يعود تاريخها إلى  أكثر من 800 سنة، تم تشييدها  عصر أسرة جين، وكانت المفضلة لدى عائلات الأسر الحاكمة. وما يميز الجبل العطري أن ملامحه تتغير بتباين الفصول، ولكن فصل الخريف يعد الفصل الذهبي له، حيث تتحول ألوان الأوراق إلى الأحمر والذهبي، فيصير منظره ساحر وخاطف للأنظار. كما أنني  بحثت  عن إجابة سؤال  شغلني: "ما   سبب تسمية  الجبل العطري بهذا الاسم؟"، فواحدة من الإجابات كانت: لأن قمم الجبل العطري غنية بأشجار  المشمش،  تفوح بعطر ساحر عند تفتحها. والإجابة الثانية كانت: بداخل الجبل صخور ضخمة، تشبه في شكلها المبخرة، وذلك وفقاً لما كُتب على معبد يونغ آن بداخل الجبل العطري. 

كانت هناك رائحة مغايرة للهواء،  وكأنما دخلت مكاناً منعزلاً عن العالم وصخبه. لمحت رجلاً مسناً يحمل كاميرا متخصصة، بدى وكأنه مصور، طلبت منه أن يلتقط لي صورة بكاميراتي، وبعدما تحدث  معه،  علمت أنه هاو للتصوير. 
بعد السير لمدة لا بأس بها،  أجد  طريق الصعود  للجبل، وحينها فهمت لماذا  كانت تباع العصي والقبعات، والشيلان، فهي ببساطة من لوازم التسلق. أخطو صوب المرتفع، وأظن أنني سأصل إلى القمة فوراً. ولكن أليس كل صعود إلى القمة يحتاج إلى وقت وجهد؟،  وكأن تلك اللافتات التي لمحتها على مسافات متباعدة، والتي كُتب عليها الزمن المتبقي للوصول إلى قمة الجبل، قد أخبرتني بذلك.  في طريقي، أصادف سيدة صينية بصحبة أطفالها، تبتستم لي، وكأنها تفسح  لي المجال لأسألها: كيف يبدو المنظر من قمة الجبل؟،  فتجيبني بكل دفء. يداهمني الشعور بالتعب، أنسحب من طريق الصعود، لأجلس في  زاوية ما بجانب السور، وأتأمل المنظر الرائع  من ذلك المرتفع،  تتوالى النسائم مجتازة أوراق الأشجار وفروعها، متحدة مع أجنحة الطيور، فتدفعها لتحلق  إلى أعلى، وتماماً في هذه اللحظة، تلتمع تلك الكلمات في ذاكرتي: 

 " إنه أنتَ،إنها الزهرة ، إنه الحلم، قد مروا من هنا، 
فكأن الرياح حركتني في هذه اللحظة". 

وهي كلمات من قصيدة "إلهام"، التي  كتبتها الكاتبة  والمعمارية الصينية المرموقة لين خوي يين. فجأة تنبهت  أنها سكنت مكان ما  في الجبل العطري، للتعافي من مرضها. 

تخليت عن فكرة مواصلة تسلق الجبل العطري؛ لأبحث عن المكان الذي سكنته لين خوي يين، ولكنني تذكرت أنني مرتبطة  بموعد ما، ونظراً لضيق الوقت اضطررت مغادرة المكان. 
تجمدت خطواتي، والتفت متأملة المكان. فالنظرات التي تسبق الفراق هي الأصعب دائماً. وجالت بداخلي هذه الكلمات: 

ذات يوم..... سأعود إلى كل الأماكن التي أحببتها.

الصور