مقالة خاصة: قصص مروعة لناجين من العاصفة دانيال في ليبيا

مقالة خاصة: قصص مروعة لناجين من العاصفة دانيال في ليبيا

2023-09-15 06:20:15|xhnews

درنة 14 سبتمبر 2023 (شينخوا) "حاصرت المياه عائلتي كليا، وفقدت الاتصال بها، وأنا على مطلع درج المنزل قبل أن أتمكن من الفرار للدور العلوي والنجاة بنفسي"، هكذا قال ميد عبد القادر عمران الذي نجا بأعجوبة من الفيضانات الناجمة عن العاصفة المدارية ((دانيال)) التي ضربت سواحل شرق ليبيا.

وميد عبد القادر هو الناجي الوحيد من بين أفراد أسرته الخمسة من هذه الكارثة المأساوية التي تسببت في مقتل وفقدان الآلاف وخصوصا في مدينة درنة الساحلية الأكثر تضررا من العاصفة.

وروى الرجل الأربعيني لوكالة أنباء ((شينخوا)) اللحظات المؤلمة التي عاشها منذ ضرب الإعصار يوم الأحد الماضي مناطق شاسعة من شرق ليبيا، مما أدى إلى فيضانات عارمة تسببت في مقتل وفقدان الآلاف.

وقال ميد عبد القادر إن مياه الوادي بدأت تتحرك قبل الساعة الثالثة من صباح ذلك اليوم، لتضرب جدار المنزل الخارجي بقوة قبل أن ينفجر السد الذي يقسم الوادي في درنة، ويرتفع منسوب المياه عشرات الأمتار.

واندفعت مياه الفيضانات من جهة السد باتجاه الوادي وجرفت معها كل ما يقف في طريقها.

ووادي درنة الذي يقسم المدينة التي يسكنها 300 ألف شخص، إلى نصفين، توجد به سدان هما سيدي أبو منصور والبلاد، والأخير هو الأكبر والأقرب جغرافياً إلى المدينة.

وبسبب انهيار السدين في الوادي الذي يعد المكان الوحيد الذي تجتمع فيه المياه المنحدرة من كافة وديان الجبل الأخضر الليبي شرقي البلاد، سجلت درنة عددا كبيرا من القتلى، بحسب رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد ومصادر طبية.

وتسببت الفيضانات العارمة في مقتل أكثر من 5500 شخص وإصابة أكثر من 7000 آخرين وتشريد أكثر من 30 ألف شخص، بحسب الناطق الرسمي باسم جهاز الإسعاف والطوارئ الليبي أسامة علي.

وأعلنت الحكومة المنبثقة عن البرلمان درنة مدينة منكوبة، فيما تتواصل عمليات البحث تحت الأنقاض وفي البحر.

وقال ميد عبد القادر إن أفراد عائلته كانوا مجتمعين قبل أن تدخل المياه بسرعة إلى الدور الأرضي للمنزل لتحاصرهم في الداخل بعد انفجار السد.

وأضاف أنه فر إلى الأدوار العلوية وقفز على شجرة ومنها إلى الجبل قبل أن يفقد الوعي وينهض بعدها مسرعا إلى أقاربه للإبلاغ عن فقدان الأسرة.

ولا تزال جهود الإنقاذ جارية بمشاركة العديد من الدول التي قدمت أطنانا من المساعدات، حيث تنتشل الفرق الجثث التي رماها السيل فى البحر بعد أن جرف الجسور الخمسة التي تربط شرق المدينة بغربها.

وجرفت السيول أكثر من ربع درنة كون معظم مباني المدينة كانت مبنية في مجرى الوادي الذي يمتد من السد المنهار إلى البحر، وفقا لمراسل وكالة أنباء ((شينخوا)).

وبني سد وادي درنة الكبير عام 1961، وتمت صيانته خلال عامي 1977 و1986. وفي المرة الأخيرة، أضيف إليه سد صغير لزيادة قوة تحمله لكن مع مرور الوقت، تهالكت بنيته التحتية، وخصوصاً بالوعات التصريف التي من المفترض أن تسرب فائض السد.

وشاهد مراسل ((شينخوا)) أبنية بأكملها تتكون من أكثر من طابق أزيحت من مكانها ولم يبق أي أثر منها على الأرض.

وقال نزار الهنيد، وهو فنان وممثل ليبي من مدينة درنة فقد زوجته وابنيه اللذين رزق بهما بعد 13 عاما من زواجه، إنه "يتألم من الداخل والخارج" كونه فقد أسرته وتعرض لرضوض في مختلف أجزاء جسمه.

وأوضح أنه لحظة انطلاق العاصفة وامتلاء مجرى الوادي كان يراقب هو ونجلاه التوأم المجرى إلى أن ارتفع منسوبه ليفر بهما إلى البيت ويصعد إلى الدور العلوي في المبنى المكون من أربعة طوابق.

وبمرارة وحزن بالغ، يقول الهنيد "في لحظة فقدت أسرتي ووجدت نفسي على سطح أحد المنازل بعد أربعة شوارع من بيتي بجانب شخص مصري الجنسية وطفل ناج على جزء من جهاز تكييف خارجي".

وتابع "هي لحظات وكان كل شيء قد انتهى بهذا المأساة والكارثة".

وبعد أربعة أيام من الكارثة، باتت إمكانية العثور على ناجين شبه مستحيلة فيما تواصل الفرق جهودها لانتشال الجثث من تحت الأنقاض.

وقال الشاب خليل بوشيحة، وهو على سريره في أحد المستشفيات، إن "الوضع كارثي ومهما قلت لن أستطيع أن أصف ما حدث... لقد نجوت وأسرتي بأعجوبة في بيتنا المكون من ثلاثة طوابق والذي غمرته المياه بكامله قبل أن أتمكن من الفرار".

وأضاف بوشيحة، والألم يعتصره وعيناه تدمعان، "بيتنا مرتفع نسبيا .. وحينما انقطعت الكهرباء قبل انهيار السد، ذهبت لوالدتي المسنة والمريضة في الدور الأرضي، لمحاولة إقناعها للصعود إلى الدور العلوي لكنها أبت إلا أن يأتي أخي ويبيت ليلته معها".

في تلك الأثناء دخلت المياه إلى البيت وبدأت تغمره وخرج بوشيحة وأمه إلى الشارع وسط صرخات شديدة من الجيران، لترمي بهما السيول في منزل مهجور يبعد عن البيت نحو 200 متر.

وحمل بوشيحة والدته التي تعاني من مشاكل صحية في رجلها، إلى الدور الرابع لحين نزح المياه.

وقال الشاب الثلاثيني "تركتها في ذلك المكان ورجعت وسط المياه التي وصل منسوبها إلى أكتافي، ووجدت جثة طفل وضعتها على إحدى السيارات المركونة، وتوجهت إلى منزل جارتنا الوحيدة فعثرت عليها جثة طافية على المياه".

وبوجه يملؤه الحزن، قال بوشيحة "نجوت وأسرتي بأعجوبة لكننا فقدنا الكثير من الأهل والأقارب والجيران، ونطالب الجميع الوقوف مع درنة في هذه المحنة التي لم تمر على البلد منذ زلزال مدينة المرج في ستينيات القرن الماضي".

وبعد العاصفة، بدت المدينة وكأنها مدينة أشباح رغم الكم الهائل من البشر الذين يعملون على المساعدات والإغاثة.

وفي ظل المخاوف من تحلل الجثث، حذرت السلطات الطبية من استخدام مصادر الماء في المدينة ودعت إلى الاعتماد على تلك المعلبة تفاديا للأمراض والأوبئة.

ومع انقسام المدينة بسبب انهيار الجسور الرابطة بين ضفتي الوادي، باتت هناك صعوبة في إيصال الماء والغذاء والملابس والأدوية لكل سكان المدينة، لتبدو الظروف الإنسانية بالغة القسوة.

الصور