تحقيق إخباري: شبح المجاعة يخيم على قطاع غزة في ظل إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات
غزة 26 أكتوبر 2024 (شينخوا) على بوابة أحد المخابز في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يتكدس مئات الفلسطينيين منذ ساعات الفجر في طوابير طويلة في محاولة للحصول على ربطة خبز لسد جوع عائلاتهم وأطفالهم في ظل استمرار شح الدقيق وعدم دخول مساعدات إلى القطاع الساحلي المحاصر.
ومن بين هؤلاء تمكن الشاب يوسف ماهر البالغ من العمر (32 عاما) بعد ساعات من الاصطفاف في الطابور من شراء ربطة خبز وسط فرحة غامرة اعتلت وجهه.
وقال ماهر لوكالة أنباء ((شينخوا)) "وصلت إلى المخبز مع الساعة الخامسة فجرا، وفوجئت بوجود أكثر من 70 شخصا أمامي ينتظرون فتح أبواب المخبز أملا في الحصول على الخبز".
وأضاف الشاب بينما العرق يتصبب من وجهه ويشير إلى ربطة الخبز "لقد استغرقت ثلاث ساعات من أجل أن أعود لأطفالي الصغار بالخبز حتى يأكلون".
ويوضح والد الأطفال الثلاثة "لقد نامت ابنتي الليلة الماضية، وهي تبكي من الجوع، ووعدتها بأن أجلب لها الخبز في الصباح، نحن أمام مجاعة تزيد من معاناتنا نحن النازحين إذا لم يتدخل العالم لمنع ذلك".
ومنذ عدة أسابيع، يعاني قطاع غزة من شح في الدقيق والمواد الغذائية بفعل استمرار إغلاق الجيش الإسرائيلي المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية، فيما فقدت معظم السلع الغذائية من الأسواق.
وبحسب ماهر، فإن كيس الدقيق زنة 25 كيلوجراما كان سعره في الوضع الطبيعي 25 شيقل إسرائيلي (7 دولارات) أما الآن فارتفع سعره إلى 150 شيقل أي حوالي (40 دولارا).
وفي الاتجاه المقابل للمخبز، وقف عدد من الشباب يحملون ربطات خبز يبيعونها للمارة بثلاثة أضعاف ثمنها الأصلي، الأمر الذي يثير حنق المواطنين، ومن بينهم صالح المصري الذي انتظر ساعات طويلة ولم يحصل على الخبز بسبب نفاد الطحين من المخبز.
وقال الرجل الأربعيني بلهجة حادة "لقد اشتريت ربطة خبز واحدة بثمن ثلاث ربطات من باعة (السوق السوداء)، حتى أطعم أبنائي الجائعين".
وصب المصري غضبه على التجار المحتكرين والجهات المسؤولة عن حماية قوافل المساعدات، والتي فشلت خلال الشهور الماضية في منع سرقات شاحنات المساعدات التي كانت تدخل إلى جنوب قطاع غزة، على حد تعبيره.
وانتشرت ظاهرة سرقة شاحنات المساعدات على يد مسلحين مجهولين على الطريق الذي يربط بين معبر كرم أبو سالم في رفح وباقي مناطق القطاع.
وفي وقت سابق قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن الأمم المتحدة مُنعت من التعامل مع الشرطة المدنية في غزة من أجل تأمين المساعدات الإنسانية.
فيما قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن الأنشطة الإجرامية ومخاطر السرقة حالت دون الوصول الإنساني إلى المواقع الحيوية.
وفي بيان نشر الجمعة، قال تجمع القبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية إن "الاحتلال يتحمل المسؤولية في إعاقة توصيل المساعدات من خلال الاعتداء على جهاز الشرطة الفلسطينية المدنية التي تؤمن المساعدات".
وتابع أنه "يتوجب على الأمم المتحدة فضح الانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال من خلال إعاقته واعتداءه على أفراد الشرطة، كما وتتحمل العشائر مسؤولية لجم بعض أبنائها الخارجين عن الصف الوطني".
وأكد البيان أن العشائر مستعدة للخروج مع الأمم المتحدة والشرطة الفلسطينية "لتأمين المساعدات حتى لا يموت أبناء شعبنا جوعا"، معتبرا أن "من يعترض طريق المساعدات هو خائن خارج عن الصف الوطني ومتساوق مع الاحتلال المجرم ومخططاته الفاشية تجاه أبناء شعبنا".
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة في بيان نشر يوم الثلاثاء الماضي إن الجيش الإسرائيلي منع إدخال أكثر من ربع مليون شاحنة مساعدات وبضائع منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023.
واتهم البيان الجيش الإسرائيلي بمواصلة تعزيز "سياسة التجويع"، واستخدامها كسلاح حرب ضد المدنيين والأطفال، خصوصاً من خلال منع إدخال الغذاء وحليب الأطفال والمكملات الغذائية.
ووفق البيان، فإن الجيش الإسرائيلي يواصل إغلاق آخر معبر في قطاع غزة منذ 169 يوما، ويمنع إدخال المساعدات والبضائع لمناطق جنوب قطاع غزة التي تتكدس بالنازحين.
وفي سوق الظهرة في مدينة خانيونس جنوب القطاع يسير النازح علي أبو جمعة بين البسطات أملا في أن يعود بأي طعام لأطفاله الذين يتضورون جوعا.
وقال الرجل الثلاثيني بوجه عابس "لا يوجد سلع في السوق، وإذا وجدت فأن أسعارها فلكية".
وأضاف أبو جمعة، وهو والد لطفلين نزح من مدينة غزة "أن معظم الدقيق الموجود في السوق صلاحيته منتهية وسعره ارتفع 4 أضعاف، والسلع الغذائية شحيحة ومرتفعة السعر بشكل جنوني لا تستطيع إلا قلة قليلة شراءها".
وأوضح أن غالبية المواد الغذائية المتواجدة في الأسواق الآن هي المعلبات والتي ارتفع سعرها أيضا بشكل كبير.
ويعتمد معظم النازحين والمواطنين في جنوب قطاع غزة على المساعدات التي تقدمها المؤسسات الدولية والإغاثية مع دخول الحرب عامها الثاني، دون وجود أي أفق لنهايتها في المستقبل القريب.
وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في تغريدة عبر منصة ((إكس)) إن الجميع في قطاع غزة يواجهون خطر المجاعة بسبب القصف المستمر وتضرر الأراضي الزراعية، مطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة.
من جهته، ذكر مكتب (أوتشا) في بيان أن وصول المساعدات الإنسانية إلى الجيب الساحلي يواجه "عراقيل جمة"، وأنه من أصل 423 حركة مساعدات إنسانية تم التنسيق لها مع إسرائيل في الفترة من مطلع أكتوبر إلى 20 أكتوبر الجاري تم فقط تسهيل 151 حركة ورفض 189 وتعطيل البقية.
أما في شمال قطاع غزة فأنه تم تسهيل 4 حركات فقط من أصل 66 حركة، وفق البيان.
وسيطرت إسرائيل على معبر رفح البري مع مصر وأغلقته بعد هجومها على المدينة الحدودية منذ مايو 2024، وفرضت قيودا مشددة على معبر كرم أبو سالم التجاري الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، وهو المعبر الوحيد الذي سمحت بتدفق المساعدات من خلاله لمناطق جنوب القطاع.
ووفق مؤسسات فلسطينية حقوقية وإغاثية دولية، فأن معدل دخول الشاحنات إلى قطاع غزة قبل الحرب كان 600 شاحنة يوميا محملة بأصناف متنوعة من السلع والبضائع، في حين أنه معدل دخول الشاحنات إلى قطاع غزة خلال الحرب لا يزيد عن 40 شاحنة يوميا.
وقال الناطق باسم وزارة الزراعة الفلسطينية في قطاع غزة محمد أبو عودة لـ((شينخوا)) إن الحرب تسببت في "دمار واسع النطاق للقطاع الزراعي في قطاع غزة، مما أثر سلبا على الأمن الغذائي".
وأضاف أن نسبة الاكتفاء الذاتي من الخضروات والفواكه انخفضت إلى 20% و15%، فيما بلغت الخسائر في الإنتاج الزراعي نسبة 85 بالمائة في قطاع الخضروات.
واتهم أبو عودة الجيش الإسرائيلي بتدمير 95 بالمائة من مزارع اللحوم والحليب والبيض، مما أدى إلى ندرة شديدة في المواد المعروضة وارتفاع حاد في الأسعار وصل إلى أكثر من 80 ضعف في بعض المناطق.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حربا واسعة النطاق ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة أسفرت عن مقتل أكثر من 42 ألف فلسطيني، وخلفت أزمة إنسانية ودمارا كبيرا في المنازل والبنية التحتية، وذلك بعد أن شنت حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل أودى، وفق السلطات الإسرائيلية، بحياة أكثر من 1200 إسرائيلي، إضافة إلى احتجاز رهائن.