تحليل إخباري: تواضع الهجوم على إيران يحفظ ماء الوجه الإسرائيلي ويدفع طهران إلى عدم التصعيد
القاهرة 27 أكتوبر 2024 (شينخوا) شنت إسرائيل أمس (السبت) هجوما استهدف القدرات الجوية وعدة مراكز عسكرية في إيران، التي اعتبرت الهجوم انتهاكا واضحا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وبينما أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إفيخاي أدرعي في بيان أن أهداف الهجوم تحققت ورسالته واضحة بأن من يهدد إسرائيل سيدفع ثمنا باهظا، شددت إيران على أن الأضرار التي سببتها الضربات الإسرائيلية محدودة، وأنها تحتفظ بحق الرد "بشكل قانوني ومشروع".
وجاء الهجوم الإسرائيلي بعد ترقب دام 25 يوما لرد الفعل الإسرائيلي على إطلاق إيران عشرات الصواريخ الباليستية على الأراضي الإسرائيلية، انتقاما لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية بطهران، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، والقيادي في الحرس الثوري عباس نيلفروشان.
وأكد محللون سياسيون، أن الهجوم الإسرائيلي على إيران "متواضع وفي أدنى مستوياته"، ويستهدف فقط حفظ ماء الوجه بالنسبة لإسرائيل.
وأوضح المحللون أن الولايات المتحدة الأمريكية مارست الضغوط على إسرائيل لضبط الهجوم، بحيث لا يدفع إيران إلى التصعيد، وذلك مع اقتراب انتخابات الرئاسة الأمريكية.
-- هجوم متواضع
واعتبر الدكتور مختار غباشي الأمين العام لمركز الفارابي للدراسات في مصر، أن الهجوم الإسرائيلي على إيران هو "هجوم في أدنى مستوياته".
وقال غباشي لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه "من الواضح أن إسرائيل قامت بهذا الرد وهي داخل بيت الطاعة الأمريكي، حيث لا ترغب الولايات المتحدة في فتح أبواب جهنم على المنطقة باستهداف إسرائيل للمفاعل النووي الإيراني أو خطوط إنتاج النفط، لذلك جاء هذا الهجوم لحفظ ماء الوجه الإسرائيلي فقط".
وأضاف أن حجم الخسائر التي تسبب فيها الهجوم الإسرائيلي على إيران "محدود للغاية"، وأشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك أنه من المستحيل بالنسبة لإسرائيل منفردة أن توجه ضربة للمفاعل النووي دون معاونة واشنطن.
وشاطره الرأي الدكتور طارق فهمي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة بقوله إن الهجوم الإسرائيلي على إيران "لم يكن متوقعا بهذه الصورة لكن كانت هناك ضغوطا أمريكية من أجل إخراجه بهذه الصورة، حتى الداخل الإسرائيلي لديه تحفظات عديدة على طبيعة الهجوم، حيث لم يتم توسيع خريطة الاستهداف لتشمل المنشآت النووية والنفطية".
وتابع فهمي، في تصريح لـ ((شينخوا))، أن "الهجوم الإسرائيلي تم في إطار منضبط، وواضح أن الولايات المتحدة ضغطت في هذا الاتجاه لاعتبارات عديدة متعلقة بالداخل الأمريكي واقتراب موعد إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية".
من جهته، قال السفير عزت سعد مدير المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن "التقارير الواردة من واشنطن تشير إلى أن الولايات المتحدة استهدفت ضبط التصعيد من جانب إسرائيل ضد إيران، بحيث يتم تجنب الضربات ضد المنشآت النووية والنفطية، وإدارة جو بايدن الرئيس الأمريكي أشارت إلى هذا في أكثر من تصريح، والأمر له علاقة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية التي سوف تجري بعد عدة أيام، وبالتالي إدارة جو بايدن استثمرت كثيرا في ضبط هذا الهجوم بحيث لا يؤدي إلى تصعيد من جانب إيران".
-- خيارات إيران
وقال غباشي، "اعتقد أن الصراع الإسرائيلي الإيراني سوف يستمر أما عبر الوكلاء والأجنحة أو بشكل مباشر، إسرائيل تتكبد خسائر فادحة بشرية وعسكرية خصوصا في الساحة اللبنانية بعد أن تعافى حزب الله من المباغتة التي تمت من قبل إسرائيل باغتيال الأمين العام حسن نصر الله وبعض قيادات الحزب، حيث وجه حزب الله ضربات حقيقية للداخل الإسرائيلي، وهناك شواهد كثيرة جدا على ذلك أبرزها وصول طائرة مسيرة إلى منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شخصيا، وهذا تطور كبير جدا في آليات الصراع الإسرائيلي الإيراني".
وأردف "أتوقع أن ترد إيران على الهجوم الإسرائيلي، لكن السؤال: هل سترد بشكل مباشر أم عبر حزب الله والحوثيين؟".
وتابع "أتصور أن الهجوم الإسرائيلي لن يمر مرور الكرام، وإيران تدرك أن إسرائيل في حالة إجهاد رهيب بحكم الحرب على مدار أكثر من عام على قطاع غزة والضفة الغربية ثم الساحة اللبنانية".
ورأى الخبير المصري أن "انزلاق المنطقة إلي حرب إقليمية ليس بعيدا، رغم أن المنطقة ليست مهيئة لذلك، وهناك صعوبة كبيرة في انغماس دول كثيرة من المنطقة في هذا الأمر".
في المقابل، رأى الدكتور طارق فهمي أنه لا توجد تداعيات مباشرة للهجوم الإسرائيلي على إيران، في ظل استمرار التوتر والمواجهة والتصعيد العسكري.
وتوقع أنه "لن يكون هناك رد إيراني على الهجوم الإسرائيلي، الإيرانيون اكتفوا بهذا، وإسرائيل سجلت موقفها، وبالتالي حسم الأمر في هذا السياق، ولا أظن أن إيران سوف تدخل في أي مواجهة جديدة، والاحتفاظ بقدرة الردع والردع المقابل تمت، ولا أعتقد أنه سيكون هناك أية ردود من أي طرف، لكن بطبيعة الحال سوف تبقي هناك حالة من عدم الاستقرار قائمة في الإقليم بأكمله".
ومع ذلك، أشار فهمي إلى أن "كل السيناريوهات واردة بشأن انزلاق المنطقة إلي حرب إقليمية، رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تبقى في الصورة أنها تسيطر على الأوضاع، وتحاول كبح جماح القوة الإسرائيلية لكن استخدام هذه القوة المفرطة من قبل إسرائيل أمر يدعو للقلق تجاه ما سيجري في الإقليم، ومازالت المخاطر قائمة".
بينما قال السفير عزت سعد "اعتقد أن أبرز تداعيات هذا الهجوم هو استمرار حالة التوتر الإقليمي، رغم تواضع الرد الإسرائيلي".
وتابع سعد، أنه "من الطبيعي والمنطقي أن تؤكد إيران دائما حقها في الرد، والمشكلة هنا أن إسرائيل تواصل جرائمها في غزة وجنوب لبنان، أيضا بدعم أمريكي مباشر، وبالتالي فإن فرص التصعيد سوف تظل دائما قائمة طالما استمر التصعيد الإسرائيلي في ظل تكثيف الحضور العسكري الأمريكي، واستمرار الخلل في الموقف الغربي الذي كثيرا ما يلوم إيران على هذا، بينما في واقع الأمر إسرائيل دائما هي من تبدأ الهجوم".
وأضاف "اعتقد أن القيادة الإيرانية في هذه المرحلة بصدد تقييم آثار الهجوم الإسرائيلي، وطهران لا تستعجل الرد وتأخد في الاعتبار المصالح الحيوية الإيرانية".
وأشار إلى الاتصالات التي تجريها بعض الدول مثل مصر وقطر مع إيران لتهدئة الأوضاع في المنطقة والعمل على تجنب التصعيد وضبط النفس وتجنب حرب إقليمية شاملة.
واستطرد سعد، أن "المشكلة أننا بصدد ائتلاف حكومي إسرائيلي عنصري يفعل ما يحلو له، وستظل مسؤولية منع التصعيد كما لاحظنا في الأشهر الماضية على عاتق الجانب الأمريكي نفسه الذي يزود إسرائيل بالسلاح".
-- سياسة أمريكية فاشلة
وأكد غباشي أن الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولة بشكل مباشر عما تفعله إسرائيل في المنطقة، وهي تقف خلف إسرائيل وتدعمها بلا حدود.
وأضاف أن "إسرائيل بدون المساعدة الأمريكية مستحيل أن تصمد في هذا الصراع لمدة عام، في ظل الخسائر التي تتعرض لها، وأمريكا هي المسؤولة بشكل مطلق عما تفعله إسرائيل".
أما السفير عزت سعد، فقد اعتبر الهجوم الإسرائيلي على إيران "هجوما إسرائيليا بدعم أمريكي واضح ومشاركة مباشرة" من قبل واشنطن.
وواصل "اعتقد أن المنطقة انزلقت بالفعل إلى نوع من الحرب الإقليمية، وإن كانت حربا محكومة أو تحت السيطرة إلى حد ما، والسبب في هذا الانزلاق هو السياسة الأمريكية الفاشلة في المنطقة، التي تتمحور حول إيران وتحميلها مسؤولية حالة عدم الاستقرار والتوتر المتواصل في المنطقة، بينما الواقع أن إسرائيل هي من تتحمل هذا، ومن قبلها الولايات المتحدة".