تغطية ميدانية: غزة تتصدى للتجويع بحملة أهلية لتأمين المساعدات
غزة 26 يونيو 2025 (شينخوا) وسط أزمة إنسانية غير مسبوقة يفرضها الحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، يقود التجمع الوطني للقبائل والعائلات الفلسطينية في القطاع مبادرة أهلية لتأمين قوافل المساعدات الإنسانية.
وتواجه المبادرة تحديات متصاعدة تشمل عمليات نهب وسرقة من قبل قطاع طرق ولصوص، وسط إتهامات لإسرائيل بـ"هندسة الفوضى"، وتحول مراكز توزيع المساعدات إلى "مصائد موت".
وقال مسؤولون محليون وعشائر إن الجهود تهدف إلى ضمان توزيع عادل للمساعدات الإغاثية والإنسانية لـ2.4 مليون شخص في قطاع غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، في ظل سياسات تجويع متعمدة.
خلفية الحملة ودور المجتمع المحلي
منذ تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي المشدد وسياسات منع إدخال المساعدات، تولت العشائر والعائلات الفلسطينية زمام المبادرة لحماية قوافل المساعدات من الفوضى والسرقة.
وانطلقت الحملة في منتصف يونيو 2025، بهدف ضمان وصول الإغاثة إلى مستحقيها، خاصة في المناطق الشمالية التي تعاني من شح حاد في المواد الغذائية والطبية.
وقال سلمان المغني أحد وجهاء شمال غزة "نقاوم التجويع كما نقاوم الاحتلال والمساعدات ليست هبة، بل حق مشروع لشعبنا المحاصر" في قطاع غزة.
وصول أول شحنة مساعدات إلى مراكز التوزيع
نجحت العشائر والعائلات الفلسطينية في شمال قطاع غزة يوم أمس (الأربعاء) بتأمين وتسهيل دخول 145 شاحنة عبر معبر زيكيم الخاضع للسيطرة الإسرائيلية شمال القطاع.
وحملت الشاحنات التي اعتلاها عدد من المسلحين الملثمين فور دخولها وسط انتشار أخرين في على طول خط سيرها إلى مراكز التوزيع الدقيق ومعونات إنسانية، بينما كانت سابقا يتم اعتراضها وسرقة حمولتها.
وفي أعقاب دخول الشاحنات اتهمت إسرائيل في بيان مشترك صدر الليلة الماضية عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالسيطرة على المساعدات.
وقال البيان "في أعقاب معلومات تم تلقيها تفيد بأن حماس تعاود السيطرة على المساعدات التي تدخل إلى شمال قطاع غزة، مشيرا إلى أن نتنياهو وكاتس أوعزا للجيش بتقديم خطة خلال 48 ساعة تهدف إلى منع سيطرة حماس على تلك المساعدات".
في المقابل، نفى المكتب الإعلامي الحكومي في غزة تلك الاتهامات، مؤكدا أن العشائر والعائلات هي التي تتولى تأمين القوافل دون تدخل حكومي أو فصائلي، واصفاً الاتهامات بـ"الأكاذيب الرخيصة" التي تهدف إلى "شرعنة استمرار الحصار والتجويع ومنع دخول الإغاثة".
بدء توزيع المساعدات
شرعت الجهات المسؤولة عن التوزيع منذ الليلة الماضية بإرسال رسائل نصية على هواتف الفلسطينيين الأكثر حاجة بالتوجه إلى مراكز التوزيع لاستلام طرد غذائي.
واصطف عشرات الآلاف الأشخاص من كلا الجنسين منذ ساعات صباح اليوم قبالة مراكز توزيع أقيمت في شمال القطاع إيذانا ببدء توزيع المساعدات وسط فرحة عارمة على وجههم.
وقال مسعود حوسو بينما يحمل كيس دقيق يزن 50 كجم على كتفه "أشكر القبائل والعشائر التي عملت على تأمين وتسهيل دخول المساعدات ووصولها إلى مستحقيها بسلام".
وأضاف حوسو الذي يعيل 10 أطفال "أطالب كافة الغيورين بضرورة تأمين المساعدات وانتظام دخولها وعدم اعتراضها حتى نستطيع اطعام أطفالنا".
وتتعاون العشائر مع مؤسسات دولية مثل برنامج الأغذية العالمي وشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية في تنظيم الحملة لضمان شفافية ونزاهة توزيع المساعدات.
ويقتصر دور العشائر على تأمين الشاحنات وحمايتها من النهب، بينما تتولى المؤسسات الدولية عملية التوزيع بناءً على قوائم المستحقين.
وقال عاكف المصري المفوض العام لهيئة شؤون العشائر في قطاع غزة "نرفض التدخل في التوزيع لتجنب أي استغلال ومهمتنا حماية المساعدات وإيصالها إلى مخازن المنظمات بأمان".
ونظم التجمع الوطني للقبائل فعاليات وطنية لتعزيز الوحدة، يوم أمس (الأربعاء) عند أقرب نقطة لدخول المساعدات شمال القطاع، حيث دعا شيوخ العشائر والوجهاء لارتداء الزي الفلسطيني التقليدي كرمز للهوية الوطنية.
وقال يزن أحمد ناشط شاب من مخيم الشاطئ للاجئين غرب غزة وشارك في الحملة إن "التجمعات ليست مجرد فعاليات، بل رسالة للاحتلال بأن شعبنا موحد في مواجهة التجويع".
تحديات قاسية وخسائر بشرية
تواجه الحملة عقبات كبيرة، أبرزها السرقة المنظمة لقوافل المساعدات حيث تعرضت 70 شاحنة للنهب من قبل مجموعات مجهولة في مدينة خان يونس جنوب القطاع، مما دفع التجمع إلى وصف هذه الأفعال بـ"الجريمة المخزية".
وفي خطوة غاضبة، أمهل التجمع في بيان المتورطين 48 ساعة لإعادة المساعدات وإلا سيتم كشف أسمائهم علنا، وقال ناهض شحبير، رجل إصلاح، في غزة "من يسرق المساعدات يسرق لقمة الجائعين، وهذا خيانة للشعب".
بموزاة ذلك، يتعرض المدنيين الفلسطينيين الباحثين عن لقمة العيش إلى استهداف من قبل الجيش الإسرائيلي عند مراكز توزيع المساعدات الأمريكية التي بدأت عملها في وسط وجنوب القطاع في 27 مايو الماضي.
ووثق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة مقتل 549 مدنياً وإصابة 4066 آخرين خلال محاولتهم الحصول على مساعدات من تلك المراكز ووصفها ب"مصائد الموت"، حيث تُستخدم لاستهداف المدنيين الجائعين.
معاناة يومية .. شهادات من الأرض
تحدث مراسلو وكالة أنباء ((شينخوا)) إلى العديد من سكان القطاع الساحلي الذين عبروا عن غضبهم من الوضع الإنساني المتدهور.
وقالت أم محمد من حي الرمال غرب غزة وهي ناجية من إحدى هذه الحوادث "ذهبت لأحصل على طعام لأطفالي، لكننا واجهنا الرصاص بدلاً من الخبز وفقدت ابني البالغ من العمر 12 عاماً".
بدورها، قالت سميرة عوض وهي أم لخمسة أطفال في مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع "لم نر سوى عدة كيلو جرامات من الطحين منذ شهرين وأطفالي ينامون جوعى والمساعدات التي تصل تُسرق أو تُوزع بشكل غير عادل".
وأعربت منظمات محلية عن قلقها من تصاعد ظاهرة السوق السوداء، حيث تباع المساعدات المسروقة بأسعار باهظة، وقال سكان محليون "البعض يبيع كيس الطحين بـ200 دولار، وهذا يعني أن الفقراء لا يحصلون على شيء".
إجراءات ردع صلبة
أعلن التجمع الوطني للقبائل موقفاً صلباً، للتصدي للسرقة، معتبراً أي سطو على المساعدات "جريمة" ضد الشعب الفلسطيني تُعادل "التعاون مع الاحتلال".
وأغلقت وحدات ميدانية تابعة للعشائرعدة أسواق محلية في القطاع بقوة السلاح لمنع تجارة المساعدات المسروقة، مع اقتراحات لمصادرة البضائع وتوزيعها مجاناً على العائلات المحتاجة.
كما أطلقت وحدات تطلق على نفسها "السهم الثاقب" التابعة للفصائل الفلسطينية المسلحة محاكم ثورية لمحاسبة "اللصوص والمتعاونين مع الاحتلال".
واقع المساعدات: أزمة متفاقمة
وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي، لم يدخل غزة سوى 9000 طن متري من المساعدات منذ 19 مايو 2025، وهي كمية بالكاد تكفي لتلبية احتياجات السكان في القطاع من الجوع الحاد.
وقال مسؤولون أمميون إن "الوضع كارثي والمساعدات التي تصل هي قطرة في محيط الحاجة، ودون وقف إطلاق نار، ستستمر المأساة"، مشيرين إلى أن إسرائيل تعرقل وصول المساعدات عبر تأخير التصاريح أو رفضها، مما يفاقم الأزمة.
وفي السياق ذاته، أشار تقرير لمنظمة "أطباء بلا حدود" إلى أن 70 % من سكان غزة يعانون من سوء التغذية، مع ارتفاع حالات الأمراض المرتبطة بالجوع، خاصة بين الأطفال وكبار السن.
وأضاف التقرير أن انهيار البنية التحتية الصحية يجعل علاج هذه الحالات شبه مستحيل.








