مقالة خاصة: زيت الزيتون .. سردية متجذرة بوجدان الأردنيين لا تفارق موائدهم

مقالة خاصة: زيت الزيتون .. سردية متجذرة بوجدان الأردنيين لا تفارق موائدهم

2025-12-09 17:30:30|xhnews

عمان 9 ديسمبر 2025 (شينخوا) يعد زيت الزيتون بالنسبة للأردنيين، أحد أهم الموروثات الشعبية التي ارتبطت بوجدانهم وحافظت على حضورها لتشكل رابطا حيا بين الأجيال ما زال قائما على موائدهم، في حالة تؤكد قيمة هذه السلعة الاستراتيجية التي لا تغيب عن بيوت المواطنين، على اختلاف شرائحهم.

قصة زيت الزيتون هي رواية كل أردني، كونه يحتل حيزا أساسيا على مائدتهم ويدخل كمكون أصيل في الأطباق اليومية من وجبات الزيت مع الزعتر والزيتون ومشروب الشاي الساخن، إلى المعجنات والسلطات والأطباق التقليدية، ما يجعله نمطا في ثقافة الطعام الشعبية.

في الأردن يتحول زيت الزيتون من منتج غذائي إلى حكاية متجذرة في الأرض، وإلى موروث ثقافي يعكس علاقة خاصة بين الإنسان الأردني وأشجاره التي صارت رمزاً للجذور والعطاء، وذاكرة تستعاد مع كل موسم عصر.

وبفعل شح محصول زيت الزيتون للموسم الحالي بالأردن جراء قلة الأمطار والجفاف، ارتفعت أسعار شرائه إلى ما يقارب 200 دولار للعبوة وزن 16 كغم، وهو رقم يسجل لأول مرة بتاريخ البلاد، ما دفع السلطات المحلية لفتح باب الاستيراد من الخارج.

وقالت وزارة الزراعة الأردنية، ردا على استفسارات لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن الترجيحات تشير إلى أن انتاج المملكة من زيت الزيتون للموسم الحالي لن يزيد على 18 الف طن، بينما يصل معدل استهلاك البلاد السنوي إلى 25 ألف طن.

-- ركيزة بالموروث الغذائي الأردني

"الخبز والزيت سبعين في البيت"،" الزيت عمود البيت "، تقول الستينية هيا خلف هذه المقولات التي كان يرددها الأجداد والآباء وهم يحتفلون بموسم الزيت، قبل أن تسترسل في شرح علاقة الأردنيين بزيت الزيتون، تلك العلاقة التي تتجاوز حدود المطبخ إلى معنى أعمق يرتبط بالأمان والاستقرار والبركة، و"مونة البيت".

وتشير السيدة خلف لـ ((شينخوا))، إلى أن موسم قطف الزيتون كان أشبه بعرس ريفي سنوي، تتشارك فيه العائلة السلال والجرار والضحكات، وتتصاعد منه رائحة الأرض المبتلة بالعطاء، وكنا نستناه (ننتظره) يوم بيوم"، موضحة أن لحظة خروج أول تنكة (عبوة) زيت من المعصرة كانت كفيلة بأن تبعث الطمأنينة داخل كل بيت.

وأكدت أن زيت الزيتون ركيزة في الموروث الغذائي الأردني، يدخل في معظم الأطباق التقليدية، من الفطور الذي تبدأ به العائلة يومها، إلى الأكلات الشعبية التي تتناقلها الأجيال، مبينة أن هناك أكلات تقليدية مرتبطة بزيت الزيتون كالمكمورة التي تعد طبقا شعبيا لبلدات في شمال الأردن.

وترى السيدة خلف أن وجود زيت الزيتون في كل منزل ليس ترفا، بل ضرورة مرتبطة بثقافة الحرص والاعتماد على الذات، حيث يحرص رب الأسرة على توفير مخزون يكفي للعام، "لأنه مصدر خير… وبركة ما تنقطع".

-- ذاكرة وطنية ممتدة بالجذور

وأكد المواطن محمد جميل أن زيت الزيتون لا يعد عند الأردنيين مجرد غذاء يتصدر مائدة الطعام للأسر في وجبتي الفطور والعشاء على الغالب، لكنه ذاكرة وطنية ممتدة في جذورنا كما تمتد جذور شجرة الزيتون بالأرض.

وقال جميل لـ((شينخوا)) "زيت الزيتون هو حضور يومي يشبه حضور الدفء في البيوت القديمة، ورائحة تعبّق بها فصولنا من بداية القطاف وحتى عصره، حيث تتحول المعاصر إلى طقوس اجتماعية يتسامر الفلاحون والمشترون والعمال فيها، أنه موسم سنوي يجمع أهل القرية والمدينة على حدّ سواء".

وأضاف "زيت الزيتون يمثل لآف الأسر الأردنية اقتصاد صغير في كل بيت، و"مونة" تُطمئن العائلة طوال العام، ودليل على الكرم حين تُهدى قارورته في المناسبات، ... وهو أيضاً ثقافة… تروي كيف عاش أهل الأردن وكيف حافظوا على أرضهم وكيف بقيت شجرة الزيتون شاهدة على ذكريات الأجداد وتاريخهم".

-- أسر تنتظر موسم القطاف والعصر

وأكد الخبير بقطاع الزيتون الدكتور سلام أيوب، أن هناك شريحة واسعة من المزارعين والأسر الأردنية تنتظر قطاف الزيتون وعصره، حيث تبرمج خططها الاقتصادية، وفقا لموسمه السنوي الذي يبدأ غاليا منتصف شهر أكتوبر من كل عام للاستفادة من عوائده، كما يشكل مصدرا لدخل أفراد وعائلات يعملون في جني الثمار مقابل أجر.

وبين أن الأردن يعد من أقدم مناطق زراعة الزيتون في العالم استنادا إلى تقارير محلية وعالمية مدعمة في اكتشافات أثرية دولية في قرية "هضيب الريح" في منطقة وادي رم جنوب الأردن، عن طريق تحليل الرماد في ثلاثة مواقد في القرية يعود تاريخها إلى العصر النحاسي (نحو 5400 قبل الميلاد).

وقال أيوب لـ((شينخوا)) إن الأردن يعتبر أحد المواطن الطبيعية لزراعة الزيتون في منطقة شرق المتوسط، مدللا على ذلك وجود بعض المعاصر الحجرية وأشجار الزيتون الرومانية القديمة بعدة مناطق بالمملكة، حيث خضعت البلاد تحت حكم الإمبراطورية الرومانية في عام 63 قبل الميلاد.

وأوضح أن زيت الزيتون الأردني يتواجد اليوم على رفوف أشهر المراكز التجارية بالعالم لمواصفاته وجودته العالية، جراء عمليات التحديث المستمرة ومواكبة التكنولوجيا الحديثة بعمليات الانتاج والتصنيع وتطبيق المواصفات ومعايير الجودة العالمية، مؤكدا أن المملكة حققت الاكتفاء الذاتي من زيت الزيتون منذ العام 2000.

-- مكانة مركزية على المائدة الأردنية

وقال مدير عام اتحاد المزارعين الأردنيين المهندس محمود العوران لـ((شينخوا)) إن زيت الزيتون يمثل أحد أهم الموروثات الوطنية في الأردن، وجزء أصيل من هوية المجتمع الأردني وثقافته الممتدة لآلاف السنين.

وأضاف أن شجرة الزيتون المزروعة في مناطق شمال وجنوب المملكة تعتبر رمزاً للتراث الزراعي الأردني، ويقدر عمر بعض الأشجار بأكثر من ألف ومائة عام.

وأكد العوران أن زيت الزيتون يحتل مكانة مركزية على المائدة الأردنية، حيث يدخل في معظم الأطباق اليومية من وجبات الزيت والزيتون مع الزعتر إلى المعجنات والسلطات والأطباق التقليدية، ما يجعله جزءا أساسيا من نمط الاستهلاك الأردني وثقافة الطعام المحلية، منوها بأن قطاع زيت الزيتون يشكل مصدرا مهما للدخل للأسرة الريفية الأردنية خلال موسم القطاف والعصر.

-- عنصر أساسي بالمطبخ الأردني

وقال المستثمر في قطاع زيت الزيتون المهندس نضال السماعين "إن شجرة الزيتون تمثل إحدى الركائز الأساسية للفرد الأردني، وارتبطت بحياة الإنسان على هذه الأرض منذ آلاف السنين، وهو ما تؤكده الدلائل الأثرية"، مبينا أن زيت الزيتون يعد جزءا من الهوية والثقافة والذاكرة للأردنيين.

وأكد أن زيت الزيتون الأردني رسخ مكانته على الساحة العالمية من خلال مشاركته في مسابقات دولية في لندن وبرلين وأمستردام ونيويورك، محققاً مراكز متقدمة وجوائز تعكس جودة الأصناف المحلية وقيمتها الغذائية العالية.

وقال السماعين لـ((شينخوا)) "إن زيت الزيتون يمثل عنصراً أساسياً في المطبخ الأردني وموائد العائلات، فهو يستخدم في معظم الأطباق اليومية، من السلطات والمقبلات إلى الأطباق الرئيسة والحلويات التقليدي".

وأضاف "الأردنيون يحرصون على تخزين الزيت في عبوات الصفيح التقليدية لضمان توفره طوال العام، ويشكل رمزاً للكرم والضيافة على مائدة الأسرة الأردنية، كما يعكس ارتباط الطعام بالهوية والثقافة المحلية، مثل باقي دول حوض البحر الأبيض المتوسط".

وتابع "أن موسم قطاف الزيتون يشكل مناسبة اجتماعية تتجدد فيها العونة (المساعدة)، والتعاون بين الأسر، وتترافق مع الأهازيج والطقوس المتوارثة جيلاً بعد جيل، ما يرسخ الزيت منتجا اقتصاديا وثقافيا في آن واحد ويؤكد قيمته الوطنية والإجتماعية والاقتصادية".

وحسب السماعين الذي يشغل أيضا منصب رئيس الجمعية الأردنية للتذوق الحسي للأغذية، يصل عدد أشجار الزيتون في الأردن إلى ما يقارب 20 مليون شجرة، يتركز نحو 67 في المائة منها في شمال البلاد، فيما تتوزع النسبة المتبقية بين الوسط والجنوب. 

الصور