مقالة خاصة: رغم الدمار وقلة الإمكانيات.. طلاب جامعيون يستعيدون تعليمهم الوجاهي في غزة

غزة 11 ديسمبر 2025 (شينخوا) بين الركام الذي يملأ الساحات الخارجية للجامعة الإسلامية في مدينة غزة، كان الطالب أحمد طوطح، يسير بخطوات مترددة نحو قاعته الدراسية الأولى، محاولاً استيعاب أن حلمه بالتعليم الجامعي بدأ يتحقق أخيراً رغم كل ما مرّت به المدينة من دمار وقصف وفقدان.
ويقول طوطح البالغ من العمر (19 عاما)، والذي لا يزال يحمل حقيبته الجديدة بإحكام، لوكالة أنباء ((شينخوا)) "لم أكن أتخيل أن هذه اللحظة ستأتي بهذه السرعة، خاصة بعد عامين من الحرب والدمار وانهيار الحياة بشكل كامل في القطاع".
وتخرج طوطح، من الثانوية العامة في يوليو الماضي بمعدل 93 في المائة، وهو إنجاز لم يكن يتوقعه بعد عامين من الانقطاع والنوم ليالٍ طويلة على أصوات الطائرات، والدراسة على ضوء الهاتف أو الشموع.
ويستذكر الطالب الفلسطيني قائلا "كنت أدرس وأنا أشعر أن كل شيء حولي منهار.. لم أكن واثقاً أنني سأستطيع الاستمرار، لكني كنت أقول لنفسي كل ليلة: يمكن أن نخسر كل شيء، لكن لا يجب أن نخسر التعليم".
ورغم فرحته بنتيجته، ظل يخشى ألا يتمكن من دخول الجامعة بسبب توقف التعليم الوجاهي وتدمير معظم المباني الجامعية وساحات الطلاب.
ويضيف "عندما ظهرت النتيجة، لم أفرح كما توقعت.. كان الخوف أكبر من الفرح. كنت أشعر أن الجامعة أصبحت بعيدة جداً، وأن حلم كلية تكنولوجيا المعلومات يتلاشى في ظل هذا الدمار. كنت أسأل نفسي: هل سأدرس فعلاً؟ أم سأبقى أنتظر عاماً آخر؟".
لكن طوطح نجح في النهاية في الالتحاق بالكلية التي طالما حلم بها. ومع ذلك، فإن طريقه إلى الصف لم يكن سهلا. إذ يصف سيره بين المباني المتصدعة وبقايا النوافذ المحطمة، قائلا "عندما دخلت بوابة الجامعة وشاهدت حجم الخراب، شعرت أنني أبدأ من نقطة صفر جديدة فعلاً.. كأنني أمشي داخل ذكرى منتهية. كل خطوة كانت تقول لي: أنت تعود من تحت الركام، لا من باب الجامعة".
ورغم هذا المشهد القاسي، تمسك طوطح بالأمل، ويقول بابتسامة خفيفة "قد لا تشبه الجامعة ما عرفناه سابقاً، لكنها بالنسبة لي اليوم المكان الوحيد الذي يشعرني بأن المستقبل لم يمت بعد. فقط أن أجلس على مقعد جامعي.. هذا وحده يمنحني طاقة لمواصلة الطريق".
ولا يختلف الوضع كثيرا بالنسبة للطالبة هبة أبو ندى، البالغة من العمر (21 عاما)، التي استعادت دراستها الجامعية بعد عامين من التوقف.
وتخرجت هبة من الثانوية العامة في 2023، والتحقت بالجامعة، لكنها لم تتمكن من الدراسة الوجاهية بسبب الحرب، فاعتمدت على التعليم الإلكتروني خلال هذه الفترة.
وتدرس هبة في كلية الآداب قسم التاريخ، وتقول ل((شينخوا)) إنها كانت تخشى أن تنهي سنواتها الجامعية دون أن تخوض تجربة الحضور الوجاهي.
وتضيف "كنت أخاف أن أنهي دراستي، وأجد أن كل شيء حدث من حولي قد أبعدني عن الجامعة وعن أحلامي. عامان من الدراسة عبر الإنترنت جعلاني أشعر أن الطريق الجامعي الفعلي قد اختفى، وأن سنوات الانتظار ربما كانت بلا جدوى".
وتوضح أن دخولها القاعة لأول مرة بعد هذه الفترة كان بالنسبة لها "لحظة رمزية" تؤكد استمرار إمكانية التعليم رغم الظروف.
وتستذكر هبة أبو ندى هذه التجربة، قائلة "عندما دخلت القاعة شعرت بأنني أعيش تجربة لم أتخيلها أبداً بعد كل هذه الفترة. كنت أنظر حولي إلى المقاعد الفارغة والجدران المتضررة، وأدركت أن العودة هنا ليست مجرد دراسة، بل رسالة بأن المستقبل لم ينتهِ، وأننا قادرون على إعادة بناء حياتنا التعليمية".
وطوطح وأبو ندى من بين آلاف الطلاب الجامعيين في غزة الذين عادوا إلى حياتهم الجامعية، في ظل سعي الجامعة الإسلامية، التي تكبدت دماراً واسعاً شمل معظم مبانيها وقاعاتها ومختبراتها، إلى استعادة التعليم الوجاهي بشكل تدريجي بعد توقف دام عامين.
وقبل الحرب، كان قطاع غزة يضم سبع جامعات و11 كلية، منها مؤسسات تعليم عالي عامة وخاصة، وحكومية، بالإضافة إلى كليات تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
ومع ذلك، فقد أدى الصراع إلى سقوط خسائر بشرية كبيرة بين الطلاب والكوادر الأكاديمية. إذ أعلنت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية في يونيو 2025 أن عدد الطلاب الجامعيين الذين قتلوا في غزة بلغ 1111 طالبا.
فيما أظهرت تقارير مكتب الإعلام الحكومي في غزة في أغسطس 2025 مقتل 193 أكاديميا وأستاذا جامعيا على الأقل منذ أكتوبر 2023، بينهم عمداء وأساتذة بارزون مثل رئيس الجامعة الإسلامية سفيان تايه.
ورغم حجم الأضرار، قررت الجامعة السماح للطلبة الجدد بالعودة إلى بعض الكليات الأساسية التي تحتاج إلى تدريب عملي، بحسب نائب رئيس الشؤون الأكاديمية بسام السقا.
ويضيف السقا ل((شينخوا)) أن الجامعة أعادت فتح أبوابها للمستوى الأول في كليات الطب والهندسة والعلوم والعلوم الصحية والتمريض وتكنولوجيا المعلومات، إلى جانب كلية الشريعة والقانون.
ويشير إلى أن هذه الخطوة "تأتي ضمن خطة مرحلية تهدف إلى إعادة الحياة الأكاديمية تدريجياً، مع التركيز على المساقات التي لا يمكن تدريسها إلكترونيا".
ومع ذلك، تواجه الجامعة صعوبات كبيرة، خاصة بعد تعرضها لدمار شبه كامل طال المباني والبنية التحتية الأكاديمية، بما يشمل المختبرات وشبكات الإنترنت والكهرباء.
ويؤكد السقا أن المواد الخام الضرورية لإعادة ترميم الأبنية غير متوفرة في السوق المحلية، مما يعرقل إعادة تشغيل المختبرات وقاعات الدروس.
وفي الوقت الذي تستعيد فيه الجامعة الإسلامية جزءا من نشاطها، تعمل جامعة الأزهر في غزة على تنفيذ خطة مشابهة تهدف إلى إعادة التعليم الوجاهي بشكل تدريجي، بدءا بالكليات العلمية التي تحتاج إلى مختبرات وتجارب عملية.
وتعد كليتا الطب، وطب الأسنان أولى الكليات التي استقبلت الطلبة بعد تجهيز عدد محدود من المختبرات والعيادات بقدرات تشغيلية بسيطة.
ويقول نائب رئيس جامعة الأزهر محمد شبير، ل((شينخوا)) إن الجامعة اتخذت قرار العودة الوجاهية انطلاقاً من رؤية سياسية ووطنية بهدف تحقيق حلم الطلبة في العودة إلى مقاعد الدراسة.
ويضيف أن الجامعة بدأت بفتح أبوابها لنحو ألف طالب فقط من أصل أكثر من 13 ألف طالب، بينما يواصل البقية الدراسة إلكترونياً.
ويشير إلى أن نسبة الحضور الوجاهي قد تصل إلى ربع عدد الطلبة في بعض الكليات خلال الفترة المقبلة، لكن ذلك يعتمد بشكل رئيسي على توفر الدعم وإعادة تأهيل الأبنية والمختبرات.
وتقلص الطاقم الأكاديمي المتاح بالجامعة بشكل كبير مقارنة بما قبل الحرب، إذ لم يعد متاحاً سوى عدد محدود من المحاضرين، خاصة في الكليات العلمية، وفق شبير.
ولم تتوان الطالبة فرح ديب البالغة من العمر (22 عاما) عن استئناف دراستها في كلية الطب، وتقول إن العودة إلى الجامعة "كانت أمراً غير متوقع" في ظل حجم الدمار.
وتضيف أن مجرد رؤية أبواب الكلية تفتح من جديد شعور يشبه "الحلم"، مشيرة إلى أنها تشعر بسعادة كبيرة لعودة الدراسة، لكنها تحمل في الوقت نفسه حزناً لفقدان أصدقاء وأقارب كانوا جزءاً من حياتها اليومية.
وتقول إن العودة تمثل بالنسبة لها ولزميلاتها خطوة مهمة نحو استعادة ما تبقى من تفاصيل حياتهن الأكاديمية.
وتشير ديب إلى أن الطلبة يتعاملون مع واقع جديد داخل الجامعة، حيث تتم الدروس العملية والتجارب داخل مختبرات أعيد تشغيلها بشكل محدود، معتبرة أن استمرار العملية التعليمية رغم كل الصعوبات يمثل بداية لإعادة بناء المسار الأكاديمي في غزة.














