مقالة خاصة: من قلب حقول ود الحليو .. حين تتحول الذرة الرفيعة إلى شهادة صمود

مقالة خاصة: من قلب حقول ود الحليو .. حين تتحول الذرة الرفيعة إلى شهادة صمود

2025-12-13 02:04:30|xhnews

الخرطوم 12 ديسمبر 2025 (شينخوا) مع بدء موسم حصاد الذرة الرفيعة بشرقي السودان، بدت ملامح الفرح واضحة على وجوه المزارعين في حقول منطقة ود الحليو، الذين أثقلت كاهلهم سنوات الصراع، لكنهم ظلوا متمسكين بخيط رفيع من الأمل.

لم يكن موسم حصاد الذرة الرفيعة هذا العام مجرد مناسبة زراعية عادية، بل كان إعلاناً عملياً بأن قدرة المجتمعات السودانية على النهوض ما تزال حاضرة، وأن الدعم الدولي حين يُدار بكفاءة يمكن أن يغيّر واقع آلاف الأسر.

وفي بلد يواجه تحديات غير مسبوقة، ظهر هذا الحصاد أشبه برسالة تبعث الطمأنينة في نفوس سكانه، وتؤكد أن الأرض السودانية قادرة على العطاء مهما اشتدت الأزمات.

-- من قلب الحقول: شهادات مزارعين

في أحد الحقول الممتدة على أطراف ود الحليو، وقف المزارع محمد علي موسى يتأمل سنابل الذرة الرفيعة التي ازدانت بلونها الذهبي.

تحدث بصوت يحمل مزيجاً من الفخر والارتياح قائلاً "إن هذا الموسم هو الأفضل منذ سنوات طويلة، لقد شهدنا ارتفاعاً واضحاً في الإنتاجية، ففي حقلي بلغ إنتاج الفدان الواحد هذا العام نحو 26 جوالاً، بينما بلغ الإنتاج العام الماضي نحو 18 جوالاً".

وأرجع موسى ذلك إلى عدة عوامل، وقال في تصريح لوكالة أنباء ((شينخوا)) "هناك عوامل عدة، أولها وصول البذور المحسّنة في وقت مبكر قبل بدء موسم الزراعة، وهو أمر لم نعهده كثيراً في السنوات الماضية، كما لعبت الأسمدة دوراً حاسماً في تحسين خصوبة التربة، بالإضافة إلى الزيارات الميدانية للمرشدين الزراعيين الذين قدموا لنا إرشادات دقيقة حول طرق تحضير الأرض، وتوقيت الزراعة، وكيفية التعامل مع التغيرات المناخية".

ويضيف موسى موضحاً أهمية الذرة الرفيعة لسكان المنطقة، قائلا "الذرة ليست مجرد محصول نقدي، بل هي الأساس الذي تقوم عليه موائد أهل السودان كافة تقريباً، من الذرة نصنع العصيدة والكسرة، وهما الغذاء الرئيس للأسر في المدن والريف على حد سواء، وعندما تكون الذرة وفيرة، نشعر أننا أكثر أمناً وقدرة على مواجهة الظروف الصعبة، لذلك فإن نجاح هذا الموسم له قيمة تتجاوز حدود الحقل نفسه".

وفي حقل قريب، تحدّثت المزارعة نجود مصطفى بسطور من الامتنان وهي تستعرض أكياس الذرة التي بدأت تتراكم، وقالت لـ((شينخوا)) "لقد كان هذا العام بمثابة عودة للحياة بالنسبة لنا، في وقت سابق كدنا نفقد قدرتنا على الزراعة بعد أن ارتفعت أسعار المدخلات وتراجعت الموارد، ولكن بعد حصولنا على البذور عالية الجودة والدعم الفني، استطعنا أن نعيد ترتيب أوضاعنا، وأن نبدأ عملية الإنتاج من جديد".

وأضافت "إن الذرة ليست مجرد محصول، إنها ضمان بأن أبناءنا سيجدون الغذاء".

أما المزارع إبراهيم حسن، فقد أوضح كيف غيّر الدعم الدولي طريقة المزارعين في التعامل مع الأرض، وقال لـ((شينخوا)) "لقد تعلمنا خلال هذا الموسم أهمية الممارسات الزراعية المتكيفة مع المناخ، كنا في الماضي نعتمد على الطرق التقليدية، لكن الإرشاد الذي تلقيناه ساعدنا في تحسين كفاءة استخدام المياه ومعالجة التربة بطريقة أفضل، وهو ما انعكس بشكل مباشر على الإنتاج، ما نراه اليوم من محصول وفير هو نتيجة واضحة لهذا التغيير".

-- مشروع "ثبات": دعم أعاد للدورة الزراعية حياتها

هذه الشهادات ليست سوى جزء من صورة أوسع، تقودها مبادرة برنامج الأغذية العالمي ضمن مشروع "ثبات"، الذي ينفذه بالشراكة مع البنك الدولي وبتمويل من صندوق دعم الانتقال والتعافي متعدد المانحين (STARS).

وقدم المشروع دعماً كبيراً خلال موسم صيف 2025، شمل: دعم 16 ألف مزارع في عدة ولايات، توزيع 125 طناً مترياً من بذور الذرة الرفيعة، توفير 2700 طن متري من سماد اليوريا، تجهيز وزراعة 44 ألف فدان (نحو 18500 هكتار) ودعم غير مباشر لما يقرب من 200 ألف شخص.

وساهم هذا الدعم في استعادة جزء كبير من الإنتاج الزراعي الذي انهار نتيجة النزاع، وفتح الطريق أمام مواسم جديدة أكثر استقراراً.

-- إحياء سلاسل القيمة .. وتمويل مشاريع

لم يقتصر المشروع على الزراعة فقط، بل امتد إلى تعزيز سلاسل القيمة من خلال دعم لا يقل عن 80 مشروعاً صغيراً ومتوسطاً بتمويل بلغ 100 ألف دولار، شمل أنشطة مرتبطة بالتخزين، والتجهيز، وتسويق المنتجات الغذائية بأسعار مناسبة.

وأكدت رئيسة الشراكات ببرنامج الأغذية العالمي آنا ترول ليندغرين، في بيان صحفي، أهمية هذا التقدم قائلة "بالنسبة للعديد من المزارعين، يمثل هذا الحصاد دليلاً على أن الاستقرار ممكن حتى في ظل الظروف الأكثر صعوبة".

وأضافت "من خلال مشروع ثبات، لا تقتصر الجهود على استعادة الإنتاج فقط، بل تشمل إعادة بناء سلاسل القيمة وإنعاش الأسواق المحلية التي تأثرت بسبب النزاع".

وكان السودان قد انضم في يونيو الماضي إلى مبادرة "بلد واحد، منتج واحد ذو أولوية" التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، ليصبح العضو الخامس والتسعين فيها، وتم اختيار الذرة الرفيعة باعتبارها المحصول الوطني ذا الأولوية، لما تمثله من أهمية غذائية واقتصادية للملايين في البلاد.

-- أزمة غذائية حادة .. وجهود للحدّ من آثارها

ويواجه السودان اليوم واحدة من أكبر أزمات الغذاء على مستوى العالم، إذ تشير تقديرات الفاو إلى أن أكثر من 24.6 مليون شخص يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي، بينما تواجه 27 منطقة خطر المجاعة نتيجة النزاع وارتفاع الأسعار والنزوح.

ويشكل نجاح موسم الذرة الرفيعة خطوة مهمة نحو تعزيز الإنتاج المحلي وتوفير غذاء مستدام للمجتمعات الأكثر هشاشة.

ويأتي هذا الموسم المبشر في شرقي السودان، وهي من المناطق الرئيسة لزراعة الذرة الرفيعة، متناغماً مع تحسن أوسع شهدته البلاد في إنتاج محاصيل الحبوب خلال موسم 2024.

فبحسب تقديرات وزارة الزراعة السودانية، بلغ إنتاج السودان من الذرة الرفيعة في العام 2024 نحو 5.4 مليون طن، مسجلاً زيادة نسبتها 77 % مقارنة بالعام 2023، وهو ارتفاع غير مسبوق منذ بداية الأزمة.

كما شمل التحسن أيضاً إنتاج الدخن، الأمر الذي يعكس استجابة إيجابية للمزارعين عندما تتوفر المدخلات الزراعية في وقتها وتُدار المواسم بصورة أكثر انتظاماً.

الصور