بقلم: شوي تشينغ قوه
بكين 18 مارس 2015 (شينخوا) "أنا متأكد أنك ستحب عُمان، وستكتشف بنفسك جمال هذا البلد العربي الصديق." هكذا قال لي صديقي الذي يشتغل في السفارة الصينية لدى مسقط عبر الهاتف، عندما عرف أني سأسافر إلى عُمان، ضمن وفد صيني للمشاركة في فعاليات مهرجان مسقط 2015.
اليوم، وبعد أن قضيت أسبوعا في مسقط العاصمة، عرفت أني أصبحت فعلا من المحبين لهذا البلد الجميل وشعبه الصديق، وعرفت أن أصدقائي أعضاء الوفد الصيني كلهم يشاركونني في هذا الشعور.
ستقترن ذكرياتي عن عُمان بمشاهداتي خلال هذا الأسبوع القصير: جامع السلطان قابوس الأكبر المتميز ببهائه وروعته، وتصميمه الفريد واحتوائه على مختلف الفنون المعمارية الإسلامية؛ ومتحف بيت الزبير الذي يضم مقتنيات تراثية عمانية غنية، ومعروضات فنية حديثة عربية وأجنبية، الأمر الذي جعله مثالا حيا على الاهتمام بالتراث الأصيل مع الانفتاح على العصر والعالم؛ وجامعة السلطان قابوس أحد أهم الصروح للإشعاع العلمي في السلطنة، والتي تعتبر بلا شك من بين أجمل وأحدث الجامعات في منطقة الشرق الأوسط، ولا تخلو قاعاتها ومراكزها من رواد العلم حتى في فترة الإجازة التي زرتها فيها؛ وسوق مطرح الذي يفوح بنكهة عُمانية خاصة، حيث تنتشر رائحة بخور اللبان في ممراته المتعرجة، وتعرض في دكاكينه أعمال حرف يدوية محلية وعربية وشرقية، أذكر منها خاصة التلسكوب والاسطرلاب ومختلف الأنواع من التوابل والبهارات والعقاقير الطبية، التي تذكرني بإسهامات العرب القدامى في تقدم الحضارة البشرية...
وفي لقاءات تجمع بين أعضاء الوفد الصيني والأصدقاء في السفارة الصينية وبعض الصينيين المقيمين في السلطنة، تطرق حديثنا مرارا إلى ماهية الصفات العُمانية، ويكاد يتفق الجميع على أن أبرز صفتين للسلطنة دولة وشعبا هما الانسجام والهدوء، اللذان نلمسهما جليا في كل شيء تقريبا وفي كل يوم تقريبا.
الانسجام بين الماضي والحاضر، بين الأصالة والحداثة، بين الإنسان والطبيعة، بين البيئة والمباني... كل شيء يشعرنا بأننا نعيش في بلد خليجي عربي إسلامي، ولكنه في الوقت نفسه يعانق العصر وينفتح على العالم. وكأن الإنسان العُماني، بحرصه الدؤوب على خلق الانسجام، نجح إلى حد كبير في تقديم تعريف حي لمعنى الهوية، تلك المسألة التي تشكل هاجسا كبيرا لجماعات وشعوب.
والهدوء هو صفة عُمانية أخرى: الشارع هادئ يخلو من صفارات السيارات أو أزيز الدراجات النارية؛ الإنسان هادئ بأحاديثه وتحركاته وتصرفاته؛ والبحر، نعم، حتى البحر يبدو أنه هادئ لا يبعث صخبا ولا هديرا، رغم أنني لا أعرف السبب في ذلك أو قد تكون ملاحظتى هذه خاطئة. ويتجلى الهدوء أيضا، كما قال صديقي الدبلوماسي الصيني، في السياسات العُمانية الداخلية والخارجية، حيث أن القرارات هنا لا تصدر عن انفعالات عاطفية أو شعارات صاخبة رنانة، ولا تنجرّ وراء أجندات أو أهداف أجنبية. ويتضح الصواب وبُعد النظر للسياسات الخارجية العُمانية مع مرور الوقت، سواء أكانت تتعلق بعمليات السلام في الشرق الأوسط، أو أحداث ما يسمى بـ "الربيع العربي" الذي اجتاح العديد من الدول العربية في السنوات الخمس الأخيرة، أو النزاعات بين دول عربية وإيران، أو تلك التي بين قوى وطوائف يمنية. صحيح أن عُمان ليست دولة كبيرة في الساحة الدولية، ولكنها دولة فاعلة في تحقيق السلام الإقليمي والعالمي، ودولة نموذجية في اعتماد الحوار كوسيلة لحل المشاكل الدولية.
وإذا شئت أن أضيف صفات أخرى على الصفتين المذكورتين أعلاه، فسأقول: البساطة، الأناقة، التواضع، الكرم، الإخلاص... إن هذه الصفات الحميدة وغيرها، إضافة إلى القيادة الحكيمة لجلالةالسلطان قابوس القائد العظيم، قد جعلت عُمان تنعم بالأمن والطمأنينة والرفاهية والسعادة، بل جعلتها واحة للسلام والتقدم في منطقة عانت وتعاني من ويلات الاضطرابات والحروب.
ترجع العلاقات الصينية العُمانية إلى القرن السادس الميلادي، حيث ربط طريق الحرير البحري بين صحار وظفار من ناحية، وبين مدن قوانغتشو وتشوانتشو وهانغتشو الصينية من ناحية أخرى. واستمرت هذه العلاقات المبنية على التبادل التجاري والمكسب المشترك حتى العصر الحديث، إلى أن أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1978. أما اليوم، فقد بلغت هذه العلاقات مستوى جديدا في كافة المجالات، ففي المجال السياسي، تتشابه السياسات الداخلية والخارجية للبلدين إلى حد كبير، مما يمكّنهما من إيجاد أرضيات مشتركة للتفاهم والتنسيق والتعاون. وفي المجال الاقتصادي والتجاري، فقد أصبحت الصين أكبر مستورد للنفط العُماني وصارت عُمان ثالث أكبر دولة مصدّرة للنفط إلى الصين، وبلغ الحجم التجاري في السنة الماضية 26 مليار دولار أمريكي، كما أن التعاون بين البلدين قد تجاوز القطاع النفطي ليشمل الاستثمارات ومشاريع صناعية ومنشآت البنية التحتية وغيرها. أما في المجال الثقافي، فليست المشاركة الصينية في مهرجان مسقط 2015 إلا حدثا جديدا ضمن سلسلة من فعاليات التبادل الثقافي التي بدأت تتكثف في السنوات الأخيرة. وتتمثل أهمية المشاركة الصينية هذه المرة، كما هو الحال في فعاليات ثقافية أخرى، في أنه بقدرما قدمت الصين ثقافتها وصورتها إلى الشعب العُماني، تعلم واستفاد المشاركون الصينيون، وعن طريقهم عموم الشعب الصيني، من المحاسن الكثيرة في الثقافة العُمانية والعربية.
والجدير بالذكر أن العلاقات الصينية العُمانية مقبلة على طفرة كبيرة في المستقبل القريب، حيث أن المبادرة الصينية الطموحة لبناء "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" و"طريق الحرير البحري في القرن الواحد والعشرين" تلتقي مع الخطة التنموية العُمانية البعيدة المدى. ولا شك أن تعزيز التبادل والتعاون بين الصين والعالم العربي بشكل عام، وبينها وبين عُمان بشكل خاص، سيخدم المصلحة المشتركة للدول المعنية، ذلك لأن طريق التبادل الصيني العربي، والتبادل الصيني العُماني، لم يكن أبدا طريقا ملطخا بالنار والدماء، بل كان ومازال وسيظل، طريقا ناعما كالحرير.
* شوي تشينغ قوه (بسام): عميد كلية الدراسات العربية في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين