بقلم سـامى القمحـاوى (الصحفي من جريدة الأهرام)
"التقط كل ما تريد من صور قبل الدخول وأغلق الكاميرا والموبايل.. فالتصوير ممنوع فى الداخل".. بهذه الأوامر الحازمة نبهتنى مرشدتى السياحية، ابنة التبت التى تجيد لغتها إضافة إلى الصينية والإنجليزية، إلى أننا أمام مكان له مكانة خاصة عند التبتيين، ويطلبون من الزوار أيضا احترامه، والإبقاء على غموضه وهالة الاحترام المحيطة به.. إنه قصر بوتالا.
وسط العاصمة لاسا يقع القصر الضخم، المكون من مجموعة قصور، وهو أحد أشهر المناطق الأثرية والمزارات السياحية فى التبت، وقد اكتسب شهرته من أنه كانت مقرا للزعماء الروحيين للتبت، والملقبين بـ"الدالاى لاما"، وتحديدا منذ عهد الدالاى لاما الخامس "لوزانغ غياتسو 1617- 1682"، حتى الدالاى لاما الرابع عشر "تينزن غياتسو"، الذى يتخذ من الهند مقرا له منذ عام 1959، بعد محاولة فاشلة للانفصال عن الصين، والذى مازال يعيش فى المنفى حتى الآن.
وكان الدالاى لاما يحملون لقب ملك التبت وخليفة بوذا، فكلمة "الدالاى" تعنى فى اللغة المغولية "المحيط"، بينما تعنى "لاما" السيد الروحانى، وبالتالى فمعنى الدلاى لاما هو السيد الروحى محيط الحكمة.
القصر مشيد على قمة جبل هوانغشان، مما يجعله ظاهرا من كل مكان فى مدينة لاسا، وقد بدأ البناء به فى القرن السابع الميلادى، ويرتفع الجبل المشيد عليه القصر عن المنطقة المحيطة به بأكثر من 180 مترا، ويصل طوله من الشرق إلى الغرب لـ360 مترا، وعرضه من الجنوب إلى الشمال لـ 270 مترا، ويتكون المبنى الرئيسى فيه من 13 طابقا، ورغم ارتفاعه وضخامته فإن طريقة بناء قصر بوتالا لا تختلف عن غيره من البيوت التبتية، فهو مبنى من الأحجار والأخشاب.
وبه عدة أفنية، وكثير من الحجرات وقاعات الصلاة، والاجتماعات للرهبان، إضافة إلى مقابر "الدالاى لاما" من الخامس وحتى الثالث عشر، حيث إنه فى عهود الدالاى لاما من الأول إلى الرابع لم يكن قد تم بناء هذا القصر بعد، وتختلف كل واحدة من هذه المقابر عن الأخرى، من حيث الحجم وكمية الذهب المستخدمة فى تزيينها.
القصر من الخارج يبدو ضخما جدا، وينقسم إلى جزءين كبيرين، يضم الأول أماكن إقامة لدالاى لاما ونشاطاته السياسية، بينما يحتوى الجزء الثانى على أبراج قبور دالاى لاما السابقين، وأنواع مختلفة من القاعات البوذية، ومازالت حجرات الدالاى لاما محتفظة بكامل أثاثها، الذى كان يستخدمه.
الجزء الواحد من الداخل أقرب إلى المتاهة، ويصعب على زائريه للمرة الأولى الوصول إلى باب الخروج وحدهم دون مساعدة من المرشدين السياحيين، فالطرقات كثيرة ومتشابهه، والسلالم التى لا يسهل صعودها والهبوط منها منتشرة فى كل مكان، تماما مثل الشموع الموقدة دائما، وروائح البخور المتصاعدة.
الرهبان منتشرون فى القاعات ولهم أماكن جلوس فى الطرقات بجوار الأعمدة، ينشغل بعضهم بقراءة ترانيم لم تكن مفهومة لى لأنها باللغة التبتية، والبعض الآخر انشغل بهاتفه المحمول، وكلها بلا استثناء هواتف ذكية غالية الثمن.
الجزء الأبيض بدأ بناؤه عام 1645، واستغرق البناء 8 سنوات، وبه تقع قاعة كبيرة للعبادة، أما الجزء الثانى (الأحمر) فتم بناؤه عام 1690، ومازالت الصلوات تتم داخل القصر، ويقصده آلاف الزائرين، لدرجة وجعلت السلطات المحلية تحدد عدد الزوار لليوم الواحد، حتى لا يتأثر البناء أو تحدث مشكلات من التزاحم، وقد حددت السلطات هذا العدد بألفى زائر يوميا فى البداية، وبعد ترميم القصر ورفع كفاءته خلال السنوات القليلة الماضية تم رفع هذا العدد إلى الضعف.
القصر ملئ بالتماثيل، التى تمثل بوذا والدالاى لاما السابقين، وغيرهم من ملوك التبت التاريخيين، كميات كبيرة من الذهب تحملها هذه التماثيل، ويحمل الزائرون نقودا يضعونها فى كل مكان بالقصر، فأينما ذهبت ستجد هذه النقود، سواء داخل صناديق زجاجية، أو محشورة بين الأعمدة الخشبية، أو حتى ملقاة على الأرض.
وفى إحدى القاعات توجد "الماندالا" وهى عبارة عن طاولة دائرية كبيرة تمثل العالم فى المعتقد البوذى التبتي، وفوق هذه الطاولة ينقسم العالم إلى درجات ومستويات، وعلى طرفها يوجد الجحيم، الذى يكون مصير كل من يلفظه العالم، أو يقع فى الخطيئة.
المصدر: الأهرام