بكين 10 فبراير 2015 (شينخوا) بعد أقل من شهرين على بداية العام الجديد، تقرر إقامة ندوة دولية حول طريق الحرير البحري للقرن الـ21 يومي 11 و12 فبراير الحالي في مدينة تشيوانتشو الساحلية الصينية التي تعد من أوئل الأماكن التي استقر فيه المهاجرون العرب القدامى، وذلك بحضور أكثر من مائتين من المسئولين رفيعي المستوى والخبراء البارزين من أنحاء العالم.
ومن المتوقع أن يبحث المشاركون في الندوة، التي تقام تحت رعاية المكتب الإعلامي التابع لمجلس الدولة الصيني ووكالة أنباء ((شينخوا)) وأكاديمية الصين للعلوم الاجتماعية إلخ، ثلاثة موضوعات رئيسية ألا وهي "طريق الحرير البحري: مفاهيم القيم ومحتويات العصر" و"البناء والتنمية والازدهار المشترك" و"اغتنام الفرص التنموية الجديدة وفتح مجالات جديدة للتعاون"، وهو ما يبرهن على جهود الصين الحثيثة لوضع مبادرة الحزام والطريق موضع التنفيذ بوتيرة متسارعة في عام 2015.
يذكر أن مبادرة "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الـ21" قد طرحت من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ في نهاية عام 2013، بهدف تطوير علاقات الشراكة مع الدول على طول الحزام والطريق.
وبعد ذلك بعام واحد فقط قامت الصين بتأسيس صندوق خاص بقيمة 40 مليار دولار أمريكي لتمويل المشروعات ذات الصلة بمبادرة "الحزام والطريق"، كما أعرب البنك الآسيوي للاستثمار في البني التحتية المشكل حديثا عن عزمه دعم هذه المبادرة الطموحة.
وترتكز هذه الإستراتيجية التي تحمل في طياتها رؤى بعيدة على أساس الواقعية الثابتة، إذ تسعى لتحقيق الكسب المتكافئ بين الدول الواقعة على طول طريقي الحرير البري والبحري المشهودين عبر التاريخ، ومنها الدول في وسط وجنوب وغرب آسيا، وشمال وشرق أفريقيا، وشبه جزيرة العرب إلخ.
وإذا ما بحثنا وأمعنا النظر في أعماق تاريخ التبادلات الصينية-العربية التي تعود إلى أكثر من ألفي عام مضت، سيتضح أمامنا بجلا ء أن الأمتين العريقتين الصينية والعربية عرفتا بعضهما البعض عبر طريقي الحرير البري والبحري القديمين. وبعبارة أخرى يمكننا القول أن التفاعلات والتعاملات التي تجسدت بينهما في مجرى التاريخ شكلت هذين الطريقين، الأمر الذي ترك إرثا ثقافيا نفيسا للبشرية.
فعبر هذين الطريقين اللذين كانا بمثابة ممرين تجاريين آنذاك، نقل التجار الصينيون والعرب المخترعات الصينية الأربعة (صناعة الورق، والطباعة ، والبوصلة, والبارود) والخزف والحرير وغيرها من البضائع القيمةإ لى بلاد الشام، ومنها وصلت إلى قارتي أوروبا وأفريقيا. وفي الوقت ذاته، نقل التجار العرب والصينيون البضائع العربية المتميزة مثل الأحجار الكريمة والبهارات والتوابل إلى الصين.
والأهم من ذلك أنه أثناء عملية التبادلات هذه، استقر المقام ببعض التجار العرب على أرض الصين وأصبحوا هم أبناء قومية هوي، التي تعد إحدى الأقليات الرئيسية في الصين. وبرز من بين أبناء قومية هوي عدد لايحصى من الشخصيات البارزة في تاريخ الصين، كما أنهم علموا الصينيين علوم الطب والرياضيات والملاحة والفلك التي اشتهر بها العرب القدامى.
لذا يمكننا الإشارة إلى أن مبادرة الحزام والطريق تقوم على الأسس التاريخية الوطيدة للتبادلات الصينية ــ العربية، كما تلبي أهداف تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والشعبي في العصر الحديث.
ففي المرحلة الأولى، تتمثل الأولوية عند ترجمة مشروع الحزام والطريق على أرض الواقع في "الترابط"، أي الترابط بين الدول المشاركة في المشروع بشبكات متطورة من الطرق والملاحة البحرية والجوية ومرافق نقل واتصالات وتوليد كهرباء لتصبح بمثابة الأرضية الأساسية لإجراء تعاون اقتصادي سلس.
ومن جانبها تمتلك الصين قدرا وافرا من الخبرات والتقنيات في مجالات البني التحتية وتكنولوجيا الاتصالات وتوليد الكهرباء إلخ، فيما توجد لدى الدول العربية النامية حاجة ملحة إلى تشييد البنيات الأساسية الخاصة بها، ومن ثم فإن بناء مشروع "الحزام والطريق" يسعى وراء تحقيق تنمية مشتركة.
وبالإضافة لذلك تعكف الصين، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تملك نظاما متكاملا في قائمة أصناف القطاعات الصناعية التي حددتها الأمم المتحدة، تعكف الآن على تحويل منظومة القطاعات الصناعية نظرا للوضع الاقتصادي الصيني الجديد.
وفي ضوء ذلك تفتح أبواب فرص تاريخية سانحة على مصراعيها أمام البلدان النامية التي لم تكتمل فيها بعد عملية التصنيع ومن بينها الأقطار العربية، إذ يمكنها الاستعانة والاستفادة من خبرات الصين وصناعاتها ، ومن بينها الصناعات ذات التكنولوجيا الفائقة سواء فنيا أو هندسيا، بأسعار وسياسات تفضيلية في إطار مشروع "الحزام والطريق" وبمساعدة صندوق طريق الحرير والبنك الآسيوي للاستثمار في البني التحتية، ما يسهم في إرساء الأساس لتسريع عملية التصنيع في الدول العربية النامية المشاركة في المشروع لإنشاء نظام متكامل للصناعات وتخفيف عبء البطالة ورفع مستوى المعيشة.
وبكونها تقع عند نقطة إلتقاء طريقي الحرير البري والبحري في حقبتي الماضي والحاضر، يمكن أن تسهم الدول العربية بنصيب كبير في المضي قدما في تفعيل المشروع الذي يسمى أيضا بمشروع طريق الحرير الجديد، ليغدو بذلك جسرا متينا لتقوية الثقة السياسية الثنائية والتعاون الاقتصادي القائم على المنفعة المتبادلة وتعزيز التبادلات الشعبية بين الصين والعالم العربي.