اسامة راضي وعمر العثماني
غزة أول أبريل 2015 (شينخوا) أصبح الفلسطينيون رسميا اليوم (الأربعاء)، أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، غير أن مقاضاة إسرائيل لن يكون بالأمر السهل بحسب ما يقول مسؤولون ومراقبون فلسطينيون.
وجرى اليوم احتفالا في مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في هولندا لمناسبة سريان عضوية فلسطين في المحكمة بشكل رسمي، لتصبح فلسطين الدولة الطرف رقم 123 فيها.
وأتيح انضمام فلسطين إلى عضوية المحكمة الجنائية الدولية في 29 نوفمبر عام 2012 بعد أن منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة فلسطين صفة "دولة مراقب غير عضو" بأغلبية قدرها 138 صوتا مؤيدا مقابل تسعة أصوات معارضة وامتناع 41 دولة عن التصويت.
وفي الثاني من يناير الماضي أودع الفلسطينيون صك انضمامهم إلى نظام روما الأساسي لدى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي قبل في 6 من الشهر ذاته طلب انضمام فلسطين إلى نظام روما.
"طلب العدالة"
ستبدأ الولاية الزمنية للعضوية الفلسطينية في المحكمة الجنائية الدولية ابتداء من 13 يونيو الماضي.
ويريد الفلسطينيون استغلال ذلك في إحالة ملفات ضد إسرائيل على خلفية هجومها العسكري الأخير ضد قطاع غزة في يوليو وأغسطس الماضيين الذي خلف مقتل أكثر من ألفين و140 فلسطينيا وجرح أكثر من 10 آلاف آخرين.
وإلى جانب ملفات "جرائم حرب" يتهم الفلسطينيون إسرائيل بارتكابها، فإنهم يريدون التركيز في تحركهم لدى المحكمة الجنائية الدولية على ملف البناء الاستيطاني على أراضيهم التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967.
ويقول عضو اللجنة الفلسطينية لمتابعة قضايا التوجه للمحكمة الجنائية الدولية عصام يونس لوكالة أنباء ((شينخوا))، إنه مع دخول عضوية فلسطين حيز النفاذ لدى المحكمة "ستتوفر فرصة حقيقية للفلسطينيين لطلب العدالة الدولية".
ويضيف يونس، أن الضحايا الفلسطينيين لعقود مضت لم يكن أمامهم سبيل لنيل العدالة ومقاضاة من ارتكب جرائم حرب بحقهم وهو ما أصبح يتوفر أخيرا من خلال العضوية في المحكمة الجنائية الدولية.
وإلى جانب طلب العدالة، فإن يونس يعتقد أن إحالة الفلسطينيين ملفات دعاوى ضد إسرائيل سيوفر لهم أخيرا حصانة وحماية "لأن إسرائيل ظلت دائما من دون حد أدنى من المحاسبة والمساءلة وهو ما يمكن أن ينتهي حاليا".
ويؤكد يونس، أن الإرادة السياسية متوفرة لدى القيادة الفلسطينية للمضي في خوض معركة المحكمة الجنائية الدولية "لكن الأهم هو مصداقية نظام العدالة الدولي الذي سيكون محل اختبار جدي خشية من خضوعه للتسيس".
وكانت الخطوة الفلسطينية بطلب الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية قوبلت بمعارضة حادة من كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
ومنذ إنشاء محكمة الجنايات عام 2002 ركزت على أسوأ انتهاكات للقانون الدولي مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وفتح مكتب المدعى العام للمحكمة تحقيقات في تسع حالات تتعلق جميعها بدول أفريقية.
"لا خطوات فورية"
وكان الفلسطينيون يعتقدون أن بإمكانهم رفع دعاوى ضد إسرائيل بالتزامن مع انضمامهم رسميا للمحكمة الجنائية الدولية، إلا أن المدعى العام للمحكمة فاتو بنسودا أعلنت منتصف يناير الماضي عن فتح دراسة أولية تسبق تحقيقا رسميا، حول جرائم حرب مفترضة ارتكبت منذ يونيو من العام الماضي في الأراضي الفلسطينية.
وتعني الدراسة الأولية عملية فحص المعلومات المتوفرة، بغية الوصول إلى قرار يستند إلى معلومات حقيقية حول ما إذا كان هناك سببا وجيها لإجراء تحقيقات رسمية، بموجب المعايير التي أسسها نظام روما الأساسي.
ويقول السفير الفلسطيني لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إبراهيم خريشة ل((شينخوا)) من جنيف، إن إجراء المدعي العام للمحكمة الجنائية "اتخذ بعد تقديم طلب العضوية الفلسطينية للمحكمة عبر التوقيع على ميثاق روما وهو أمر طبيعي".
ويضاف خريشة، أنه " عند التأكد من وجود عناصر تشير إلى وقوع جرائم عبر الدراسة الأولية سيتم تحويل القضايا إلى الدائرة الابتدائية ونتوقع أن يقود ذلك إلى بدء التحقيقات الرسمية".
ويتابع أنه بناء على ذلك "سنكون بانتظار إعلان المدعية العامة للمحكمة إنهاء دراستها ونتائجها لبدء التحرك".
ويضيف خريشة "نعتبر عضويتنا في المحكمة الجنائية الدولية تحركا في مسار قانوني مهم لكنه سيأخذ فترة من الوقت ولن تكون له نتائج سريعة كونه يحتاج إلى عمل كبير من المدعى العام للمحكمة لدراسة الحالات المحالة لها ومدى انطباقها والتكاملية الموجودة في نصوص ميثاق روما".
ويشير إلى أن الفلسطينيين سيتمتعون بمكانة كاملة في المحكمة الجنائية الدولية كباقي الدول الموقعة على ميثاق روما بما في ذلك حضور اجتماعات الجمعية العمومية السنوية للميثاق في روما.
ويقلل خريشة، من الخشية من تدخلات خارجية ستؤثر على مسار التحرك الفلسطيني لدى المحكمة الجنائية الدولية "إذ أنه لا سلطة لأي كان على المحكمة إلا جمعيتها العمومية ونحن من حقنا الكامل إحالة الملفات المناسبة للمحكمة".
وحول وجود تهديدات للفلسطينيين بإحالة ملفات قضائية ضدهم لدى المحكمة الجنائية الدولية من منظمات إسرائيلية يقول خريشة "لا توجد مشكلة لدينا ونحن مستعدون لتحمل مسؤولياتنا القانونية وعليهم (الإسرائيليون) تحمل مسؤولياتهم القانونية".
ومعروف أن إسرائيل ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية ومن ثم فإنها غير ملزمة بالتعاون معها حتى إذا وقعت تحت ضغط دولي للقيام بذلك وهو ما يثير مخاوف فلسطينية من بطء آليات تحركهم لدى المحكمة.
"مصير عملية السلام"
جاء توقيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 31 من ديسمبر الماضي على وثائق للانضمام إلى 20 منظمة دولية أبرزها ميثاق روما الخاص بالانضمام للمحكمة الجنائية الدولية ردا على فشل مشروع قرار فلسطيني عربي قدم إلى مجلس الأمن الدولي في نيل تأييد التسعة أصوات اللازمة.
واستهدف مشروع القرار في حينه طلب تحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لإقامة الدولة الفلسطينية في ضوء التعثر المتكرر لمفاوضات السلام الثنائية بين الفلسطينيين وإسرائيل.
وآخر مفاوضات للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل توقفت نهاية مارس من العام الماضي بعد تسعة أشهر من المحادثات برعاية أمريكية دون أن تفضي إلى أي تقدم لإنهاء الصراع الممتد منذ عدة عقود.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة (بيرزيت) في رام الله أحمد رفيق عوض ل((شينخوا))، أن التحرك الفلسطيني في المحكمة الجنائية الدولية يقوي الموقف الفلسطيني في عملية السلام المتعثرة.
ويوضح عوض، أن "الانضمام الفلسطيني للمحكمة الجنائية الدولية يخدم مفاوضات السلام كونه يقوي موقف الفلسطينيين بمطالبتهم بإخراج عملية السلام من مسارها الثنائي وفرض الشروط الإسرائيلية عليها".
ويشير إلى أن "العضوية الفلسطينية في المحكمة الجنائية الدولية تمنح أخلاقية شرعية وقانونية للموقف الفلسطيني، فيما تقطع على إسرائيل مساعيها المستمرة منع تدويل القضية الفلسطينية".
غير أن عوض يرى أن السلطة الفلسطينية تبالغ حاليا في رفع إنجازات الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية بغرض تسويقه داخليا كبديل عن خطوات أخرى يمكن أن تكون ذات كلفة أعلى مثل وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل.
وبهذا الصدد يقول عوض، إن المحكمة الجنائية "هي في النهاية مؤسسة دولية يمكن التشويش على عملها أو تعطيله، وبالتالي فإن طريق الفلسطينيين فيها لن تكون مفروشة بالورود".