بغداد 27 مايو 2015 (شينخوا) تبادلت السلطات الأمريكية والعراقية الاتهامات حول سقوط مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار أكبر المحافظات العراقية، بيد تنظيم داعش الإرهابي، الأمر الذي يعكس فشل السياسة الأمريكية في تعاملها مع قضية الإرهاب العالمي.
وقد أثارت تصريحات وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر، التي وصف فيها القوات العراقية بأنها تفتقر إلى الإرادة القتالية في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي ردود فعل غاضبة من الجانب العراقي.
وقد عبر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن دهشته وصدمته من هذه التصريحات، مؤكدا أن كارتر حصل على معلومات خاطئة بهذا الصدد، متعهدا باستعادة مدينة الرمادي بأقرب وقت.
أما حاكم الزاملي رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي فقد وصف تصريحات وزير الدفاع الأمريكي بأنها غير واقعية، وقائلا "إن على الولايات المتحدة أن تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عن سقوط الرمادي لأنها لم توفر المعدات والأسلحة والأسناد الجوي الجيد والمطلوب للقوات الأمنية العراقية".
إلى ذلك قال أحمد الأسدي المتحدث باسم قوات الحشد الشعبي (المتطوعين الشيعة) في مؤتمر صحفي "إن الجيش العراقي الذي يصفه كارتر بأنه مسلوب الإرادة، والذي أشرف الأمريكان لمدة تسع سنوات على إعداده وتدريب تشكيلاته، هم من حاولوا من خلال سياستهم سلب الإرادة منه، وهذه التصريحات جزء من مسيرتهم لذلك"، مؤكدا أن الجيش العراقي مدعوم من قبل الحشد الشعبي.
وفي خطوة من الجانب الأمريكي لامتصاص الغضب العراقي أجرى جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي اتصالا هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، حيث أشاد بايدن بالقوات العراقية، لافتا إلى أنها قدمت تضحيات هائلة وأبدت شجاعة في قتالها لتنظيم داعش الإرهابي.
من جانبه, أرجع المحلل السياسي صباح الشيخ الفشل والانتكاسة في الرمادي تبادل الاتهامات بين الجانبين العراقي والأمريكي إلى المسؤولين الأمريكيين والعراقيين، كونهما فشلا في التوصل إلى منهاج عملي ومرن في التعامل مع تنظيم داعش وإيقاف توسعه في محافظة الأنبار.
وقال الشيخ لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إن النكسة التي حصلت في الأنبار تتحملها الولايات المتحدة لأن إستراتيجيتها فشلت في مواجهة تنظيم داعش، فضلا عن أن نظام المحاصصة الطائفية التي بنت واشنطن عليها العملية السياسية في العراق منذ عام 2003 قاد العراق من أزمة إلى أزمة، وهذه الأزمات تعيد نفسها حسب مصلحة السياسيين الطائفيين.
وأضاف الشيخ، أن "الأمريكيين أرادوا أن يرون المجندين من العرب السنة على أرض الواقع لكي يظهروا أنفسهم (الأمريكيين) بأنهم لا يقدمون الدعم للميليشيات الشيعية، بما في ذلك الميليشيات المدعومة من إيران، في المعارك الدائرة في قلب المنطقة السنية بمحافظة الأنبار لتجنب التوتر الطائفي، الذي هم زرعوه في العراق بعد احتلاله".
وأفاد الشيخ أن أبناء محافظة الأنبار يتخوفون من القوات الأمنية العراقية بسبب التعامل غير الجيد لهذه القوات سابقا معهم، لذلك فهم يتخوفون أيضا من مشاركة قوات الحشد الشعبي في المعارك بمناطقهم، وهذا ما أشار إليه الأمريكيون أيضا، لذلك فإن العبادي يحاول أن يمسك العصا من المنتصف بين الأمريكيين والأحزاب الشيعية الرئيسية التي تشارك في قوات الحشد الشعبي.
بدوره قال المحلل السياسي إبراهيم العامري لـ ((شينخوا)) إن تصريحات كارتر جاءت في توقيت خاطئ لكن العامري اعترف بأن الصعوبات والمشاكل التي يواجهها الجيش العراقي ليست وليدة الصدفة بل هي منذ فترة طويلة.
وأضاف أن "آخر ما نحتاج إليه في هذه المرحلة مثل هذه التصريحات من قبل كبار المسؤولين الأمريكيين (كارتر)، التي تعكس سياسة أمريكية مترددة وغير واضحة كون القوات العراقية تستعد لشن عمليات عسكرية لتحرير المناطق التي استولى عليها عناصر تنظيم داعش الإرهابي، وهي بحاجة إلى الدعم وليس إلى الانتقاص منها".
وأوضح العامري أن قوات الأمن العراقية لا تزال تواجه مشكلات حقيقية، بما في ذلك سوء القيادة والسيطرة، وانعدام التنسيق بينها، وعجز الاستخبارات العراقية في اختراق هذا التنظيم المتطرف، واصفا سياسة الإصلاح التي بدأها العبادي في القوات المسلحة بأنها بطيئة وتحتاج إلى مزيد من الوقت.
وتابع العامري "أن العبادي لا يوجد أمامه وسيلة أخرى غير الاعتماد على الميليشيات الشيعية التي تعتبر أفضل تنظيما ومقاتليها لديهم الإرادة والاستعداد للتضحية، على عكس الجنود الذين يعملون من أجل الحصول على الراتب فقط وهذا يعود إلى الأسس الخاطئة التي بنيت عليها القوات العراقية من قبل الإدارة الأمريكية".
وعزا العامري توسع تنظيم داعش وقوته المتزايدة إلى الاستراتيجيات الخاطئة التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية تجاه الأزمات في العراق والمنطقة والعالم، بما فيها الأعمال الإرهابية التي ينفذها تنظيم داعش في المنطقة.
وذكر العامري أن بعض المسؤولين العراقيين وجهوا اتهامات إلى الجانب الأمريكي، بتجاهل تحذيراتهم من خطورة تنظيم داعش، في بعض الأحيان، وتأخره (الجانب الأمريكي) بتزويد الجانب العراقي بالأسلحة والمعدات التي يحتاجها في حربه مع هذا التنظيم المتطرف، لأسباب سياسية أمريكية داخلية.
ومضى العامري يقول "إن العديد من العراقيين الذين يلقون اللوم على الآخرين نتيجة المأساة التي هم فيها واستمرار نزيف الدم، وتوسع تنظيم داعش الإرهابي في بلدهم والمنطقة، فإنهم بكل تأكيد يلقون باللوم على ما يسمونه سياسة رعاة البقر التي تتبناها الإدارة الأمريكية وتعاملها بطريقة غير مسؤولة مع القضايا العالمية".
ويرى المراقبون أن السياسة الخاطئة التي انتهجتها الولايات المتحدة عقب غزوها للعراق في عام 2003 أثارت الكراهية والانقسام بين العراقيين، بحيث أصبح العراق بعد أكثر من 12 سنة من التغيير مهددا في وحدته الوطنية واحتمالات تقسيمه إلى ثلاث دول شيعية وسنية وكردية قائمة.
ويعتقدون أن الاستراتيجيات الخاطئة وغير المسؤولة للولايات المتحدة التي تركز على مصالحها فقط، دفعت العراق والمنطقة إلى الدخول في نفق مظلم مليء بدماء لا تحصى لأبناء المنطقة، من شأنها أن تستمر لعقود إلى أن يسود منطق الحكمة والانصاف في النهاية.