بقلم / حمادة الحطاب، واسامة راضي
غزة 17 يونيو 2015 (شينخوا) ينغص استمرار الإقامة داخل مدرسة تديرها الأمم المتحدة لإيواء النازحين في غزة ، على المسنة الفلسطينية صبرية لبش مظاهر البهجة باستقبال شهر رمضان الكريم لهذا العام.
وقبل ساعات من بدء الشهر الفضيل ، بدت لبش (57 عاما) وأولادها الثمانية غير مكترثين بالمناسبة وتوفير احتياجاتها بقدر تفكيرهم بمصيرهم بعد 11 شهرا من الإقامة كنازحين داخل فصل دراسي مكتظ بهم.
ودمر منزل هذه العائلة الواقع في حي "التفاح" شرقي مدينة غزة خلال الهجوم الإسرائيلي على القطاع صيف العام الماضي، وذهبت عشرات الوعود التي تلقتها بإعادة بنائه أو حتى توفير مكان بديل بالإيجار لهم أدراج الرياح.
وتقول المسنة لبش لوكالة أنباء ((شينخوا))، إنها لم تتوقع أن يحل عليهم شهر رمضان هذا العام وهم مازالوا يعيشون داخل المدرسة بعد ان انتقلوا إليها في شهر رمضان من العام الماضي عندما دمر منزلهم.
وتضيف لبش، "مازلنا نعيش في العراء تقريبا ولا نجد مأوى يسترنا وكل ما نحصل عليه لإعادة إعمار منزلنا مجرد وعود طال أمدها".
وكان الهجوم الإسرائيلي على غزة بدأ في اليوم العاشر من شهر رمضان للعام الماضي وتسبب بتهجير عائلة لبش كما آلاف مثلها إلى مدارس تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وعندما توقف الهجوم الإسرائيلي لم تجد المسنة لبش سوى ركام منزلها بانتظارها لتعود أدراجها إلى مدرسة النازحين.
وتقول اليوم، إنها "لا ترى قبس نور في النفق المظلم الذي دخلت فيه حياتهم منذ تلك الحادثة".
وتضيف أنها تحزن كثيرا وهي تفكر أن شهر رمضان سيحل مجددا وهم في نفس وضعية النزوح بما تحمله من مشاعر إعياء وتشتت لتضاف إليها تحمل الجوع والعطش في صيام الشهر الفضيل.
وبالنسبة إلى المسنة لبش، فإنها تشعر أنها مشردة من دون أدنى مقومات الحياة، مشتكية من قلة المساعدات وعدم صرف الأموال اللازمة التي تعينها وغيرها من النازحين في تدبير أمورهم في ظل وضعهم غير الطبيعي.
وشنت إسرائيل عملية عسكرية أطلقت عليها اسم (الجرف الصامد) ضد قطاع غزة في الفترة من 8 يوليو وحتى 26 أغسطس الماضيين ردا على إطلاق الصواريخ من القطاع تجاه إسرائيل ولتدمير الأنفاق الممتدة من القطاع إلى الأراضي الإسرائيلية.
وانتهت العملية العسكرية بإعلان مصر اتفاقا لوقف إطلاق النار بعد أن خلفت مقتل أكثر من 2140 فلسطينيا وجرح 10 آلاف آخرين عدا عن هدم آلاف المنازل السكنية وإحداث دمار هائل في البني التحتية.
وبعد شهرين من انتهاء الهجوم الإسرائيلي تعهدت الدول المانحة بجمع مبلغ 5.4 مليار دولار للفلسطينيين يخصص نصفه لإعادة إعمار قطاع غزة غير أن جهات فلسطينية ودولية تقول إن ذلك يتم ببطء شديد لأسباب مختلفة بينها شح التمويل.
وبينما يواصل نحو سبعة آلاف شخص الإقامة داخل مدارس للأمم المتحدة خصصت كمراكز إيواء، فإن عشرات آلاف آخرين جرى توزيع كرفانات حديدية عليهم كملجأ مؤقت للإقامة فيه بجانب أنقاض منازلهم المدمرة.
وتترك الإقامة داخل الكرفان الذي لا تتجاوز مساحته 35 مترا مربعا ، آثارها السلبية على عائلة أم خلف حبيب المكونة من تسعة أفراد عشية حلول شهر رمضان خاصة أنه يتوسط فصل الصيف لهذا لعام.
وتصف أم خلف ، وهى في نهاية الأربعينات من عمرها ، لـ ((شينخوا)) أوضاعهم، بالبائسة والصعبة، مشيرة إلى أنها تشفق على نفسها وأطفالها قضاء نهار رمضان في ظل ارتفاع درجات الحرارة تحت صفيح ساخن.
وتردد بنبرات يائسة "بعد أن فقدنا منزلنا تم تركنا هنا نواجه الطبيعة باللحم الحي (...) لا يمكن أن نشعر بأي فرحة بقدوم شهر رمضان سوى داخل منزلنا كما بقية البشر .. وليش في كرفان من حديد".
وعلى ذلك يبدو شهر رمضان لعائلة أم خلف، بحسب ما تقول، مجرد "نقمة" على وضعهم الراهن، واستعادة لذكريات أليمة لعام مضي فقدت فيها منزلهم وقتل 12 من أقاربهم من دون أن يتم تعويضهم حتى الآن.
وترك تعثر إعادة إعمار قطاع غزة واستمرار الحصار الإسرائيلي عليه تداعياته السلبية على مجمل استعدادات سكان القطاع الذين يتجاوز عددهم مليونا و750 ألف نسمة لشهر رمضان.
وطغت أجواء الركود على المشهد في سوق (الزاوية) القديم في مدينة غزة والذي عمد التجار فيه إلى الإعلان عن حملات لتخفيض الأسعار أملا في جذب المتسوقين.
وقال صاحب محل تجاري يدعى أبو هيثم مرتجي ل((شينخوا))، إن البضائع مكدسة داخل الأسواق من كل الأصناف غير أن إقبال الزبائن ضعيف ومحدود جدا رغم طبيعة احتياجات شهر رمضان المتعددة.
ويشير مرتجى، إلى أن "الوضع الاقتصادي في قطاع غزة يتأثر ويؤثر بما جرى مؤخرا سواء الحرب الإسرائيلية الأخيرة او الحصار المفروض وهو ما يؤدي إلى تراجع حاد في معدلات الشراء وضعف الحركة التجارية".
ويعرض مرتجى في متجره عدة أنواع من التمور والأجبان والألبان متضمنة حملة تخفيضات بالأسعار عليها، لكن ذلك لم يقنع سيدة تدعى مني سليم لشراء أكثر من صنف استعدادا لشهر رمضان.
ووصفت سليم التي كانت تتسوق مع زوجها ل((شينخوا)) وضعهم الاقتصادي، بأنه سيء ولا يتيح لهم شراء ما يلزمهم كما اعتادوا لاستقبال شهر رمضان خاصة أن زوجها موظف حكومي وراتبه محدود فيما أعباءه كثيرة.
وتتجاوز نسبة البطالة في صفوف سكان قطاع غزة نسبة 43 في المائة وفق تقرير حديث أصدره البنك الدولي أخيرا.
وشهر رمضان وهو مناسبة معظمة لدى المسلمين يصومون فيه يوميا عن الطعام والشراب من ساعات الفجر حتى غروب الشمس.
وشكلت ابتسامة المسن أبو رامي البيطار صاحب محل تجاري لفوانيس رمضان محل ارتياح نادر لدى عدد من الأطفال الذين تجمعوا حوله مع ذويهم في محاولة لاقتناء أحد الأشكال المتعددة التصميم واللون من الفوانيس.
وقال البيطار ل((شينخوا))، إنه رغم الركود الاقتصادي فإن أهل غزة قادرون على تجاوز محنتهم والابتهاج قدر المستطاع بشعائر شهر رمضان وأجوائه المميزة عن باقي شهور العام.
ورفع المسن البيطار كفيه إلى السماء راجيا أن تتم أيام الشهر الفضيل باستقرار ورخاء على أهالي غزة وكل الفلسطينيين من دون عنف وقتل وتشريد ولو بفرحة طفل يلهو بفانوس صغير.