مقالة خاصة: قطار التعاون بين الصين ودول الخليج ينطلق تجاه آفاق أوسع في العام الجديد
بقلم رجب دوان
القاهرة 16 يناير 2022 (شينخوا) اختتمت سلسلة من الاجتماعات بين عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي، ووزراء خارجية وأمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مدينة ووشي شرقي الصين، حيث تحرك قطار التعاون بين الجانبين تجاه آفاق أوسع وأكثر إشراقا في بداية العام الجديد.
وأجرى وزير الخارجية الصيني مباحثات منفصلة مع نظرائه في السعودية والبحرين والكويت وسلطنة عُمان، بالإضافة إلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف، في الفترة من 10 إلى 14 يناير الجاري.
كما بحث وزير الخارجية الصيني في محادثة هاتفية مع نظيره الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، العلاقات الثنائية بين البلدين.
-- دحض التفسيرات المفرطة
وقبيل سلسلة المحادثات الصينية الخليجية، شهدت قازاقستان، وهي دولة مجاورة مهمة للصين، اضطرابا في ألماتي، أكبر مدينة في البلاد، فنقلت وسائل الإعلام المعنية عن خبراء قولهم إن التبادلات الدبلوماسية المكثفة بين الصين ودول إنتاج النفط الرئيسية تعكس مخاوف الصين بشأن أمن الطاقة.
وتعليقا على ذلك، قال مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي ليو تشونغ مين، "ليس هناك أي علاقة بين الحدثين"، موضحا أنه "من المرجح أن هذه الزيارات مخططة قبل وقوع الاضطراب في قازاقستان من حيث فجوة التوقيت الضيقة بين حصول الحدثين".
وتابع ليو أنه مرت فترة قصيرة بين اندلاع الاضطراب وحتى تطبيع الوضع في دولة آسيا الوسطى، لذلك فما يسمى بـ "مخاوف بشأن أمن الطاقة" هو "تفسير مفرط" لتبادلات دبلوماسية عادية.
وشاطره الرأي الباحث البارز بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية يانغ جين، مضيفا أن شبكة أنابيب نقل النفط والغاز بين الصين وقازاقستان ترتبط بالمصالح الوطنية الأساسية لقازاقستان، لذا فلن يؤثر الاضطراب المحدود على النقل الآمن.
بدوره، قال المبعوث الخاص الصيني السابق لشؤون الشرق الأوسط وو سي كه، إنها ليست المرة الأولى التي ينظم فيها الجانبان الصيني والخليجي تبادلات دبلوماسية مكثفة، إذ يتمتع الجانبان بعلاقات ودية وتفاعل وثيق منذ زمن ويتشاطران في السراء والضراء في رحلة تحقيق أهداف التنمية ومواجهة التحديات.
كما رأى المراقبون الصينيون أن سلسلة الزيارات بين الجانبين تمثل الثقة السياسية المتبادلة الأوثق والرغبة المشتركة الأعمق في سبيل تحقيق التنمية المربحة للجميع، خصوصا في ظل تفشي جائحة كوفيد-19 المستمرة، ما يدل على ثقة الدول الخليجية بالنتائج الإيجابية وتقديرها للخبرات المفيدة التي حصلت عليها الصين خلال المعركة ضد فيروس كورونا أيضا.
-- تقديم الحكمة الصينية
وسلط المسؤولون الصينيون والخليجيون خلال الاجتماعات المنفصلة بينهم الضوء على ارتباط استراتيجيات التنمية بين الجانبين من أجل دفع التعاون العملي مشترك المنفعة إلى مستوى جديد.
وبحسب بيان مشترك صدر عن وزارة الخارجية الصينية والأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي الثلاثاء الماضي، اتفق الجانبان على ضرورة إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين ومجلس التعاون الخليجي في أسرع وقت ممكن، والتوقيع على خطة العمل المشتركة للحوار الاستراتيجي بينهما في الفترة بين عامي 2022-2025 في أقرب فرصة ممكنة، كما اتفقا على ضرورة إتمام المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي في يوم مبكر.
فقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى خلق تحديات للصناعة النفطية وغيرها من الصناعات الرئيسية في دول الخليج، وحينما تعمل هذه الدول على تعزيز التحول ودفع التنويع الاقتصادي، سيصبح الاستثمار عالي الجودة من الصين وسوقها الضخمة حلقة مهمة بالنسبة للدول الخليجية في مسار تحقيق التنمية المستدامة، فضلا عن تقديم الحكمة الصينية لعلاج القضايا الساخنة في المنطقة، بحسب خبراء.
ومن بين هذه القضايا، كان الانسحاب الأمريكي العاجل وغير المسؤول من أفغانستان، الذي اعتبره المحللون أحدث برهان على تخلي الولايات المتحدة عن حليفها، مما أفضى إلى أزمة ثقة بين واشنطن وحلفائها حول العالم، ومن بينها دول الخليج العربية.
ورأى ليو تشونغ مين، أن الولايات المتحدة تفرض الضغط السياسي الأقصى على الدول الخليجية بينما تقدم دعما اقتصاديا وإنمائيا ضعيفا نسبيا، مما دفع هذه الدول إلى توجيه نظرها تجاه الصين، التي تتبع نهجا يركز على المنفعة المشتركة وإدارة الخلافات في العلاقات الدولية.
من جهته، قال مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان الصينية سون ده قانغ، إن الصين هي المدافع عن السلام في الشرق الأوسط والداعم لاقتصاد المنطقة والوسيط في القضايا الساخنة بالشرق الأوسط، مضيفا أن الصين تنتهج سياسة "صفر أعداء" في المنطقة تتمثل في عدم الانحياز وإقامة علاقات ودية وتعاونية مع جميع البلدان على قدم المساواة.
كما تواجه كل من الصين ودول الشرق الأوسط مهمة شاقة تتمثل في الإصلاح والتنمية، وتحديات محتملة من عدم اليقين بشأن البيئة الخارجية، فيجب عليهما العمل جنبا إلى جنب لاستكشاف نموذج جديد للتعاون جنوب جنوب وبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية سويا، بحسب سون.
-- تعاون أكثر شمولا وعمقا
خلال مباحثاتهم المنفصلة مع وزير الخارجية الصيني، شدد الوزراء الخليجيون على دعمهم القوي لاستضافة بكين الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022، وأعربوا عن معارضتهم الحازمة لتسييس الرياضة، فضلا عن تطلعاتهم إلى تعميق التعاون بشكل أكثر شمولا وعمقا مع الصين في المجالات محل الاهتمام المشترك مثل الطاقة الجديدة والمتجددة والبيانات الضخمة والمدينة الذكية إلخ.
فمنذ تفشي فيروس كورونا، شهد التعاون العملي بين الجانبين الذي يتسم بتعزيز المصالح المشتركة وخدمة شعبي الجانبين تطورا مطردا، خاصة في مجال المكافحة المشتركة لكوفيد-19. إذ يبذل الجانبان أقصى الجهود في بحوث وتطوير اللقاحات، ويدافعان عن توزيع اللقاحات بشكل عادل في العالم، ويعارضان تسييس تتبع أصول الفيروس، مما أثرى مضمون التعاون الثنائي وأعطى نموذج تضامن يحتذى به في العالم.
وقال سون ده قانغ إن التنمية هي "مفتاح ذهبي" لعلاج قضايا الشرق الأوسط، ويمكن للخبرات الصينية التي تحققت من خلال المساعي الصينية الشاقة خلال العقود الماضية من الإصلاح والانفتاح أن تسهم في دفع عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، وضخ زخم جديد للتحول الاقتصادي والتنمية المستدامة هناك.
لكنه لفت إلى أن الولايات المتحدة تحرض حلفاءها بالشرق الأوسط على إيقاف التعاون مع الصين في مجالات مثل الجيل الخامس والطاقة الكهروضوئية والطاقة النووية المدنية، وحتى تهددهم بالكف عن المبيعات العسكرية. مضيفا "لقد أثارت ممارسة الولاية القضائية الطويلة المدى الأمريكية الاستياء بين حلفائها".
بدوره، رأى دينغ لونغ أن الولايات المتحدة تطالب دول الخليج بالانضمام إلى الكتلة المناهضة للصين بشأن قضايا تايوان وشينجيانغ وهونغ كونغ، وفي الوقت نفسه تحاول منع الصين ودول الخليج من التعاون في المجالات الأمنية والعسكرية، وتتدخل علنا في تعاون الجانبين في المجالات الرئيسية مثل الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والطاقة الجديدة.
ومع ذلك، لم تستسلم دول الخليج للضغوط الأمريكية بل دعمت بقوة موقف الصين المشروع بشأن القضايا ذات الصلة. ويمكن تفسير هذه الزيارات بأن الدول الخليجية تظهر مرة أخرى موقفها الثابت بشأن تطوير العلاقات مع الصين، سعيا إلى المصلحة المشتركة وتفاديا لعقلية الحرب الباردة ومواجهة التكتل من المنظور الجيوسياسي، حسبما قال دينغ.
وشدد ليو تشونغ مين، على أن الصين باتت أكبر شريك تجاري لدول الخليج، وتعتبر الصين دول الخليج شريكا طبيعيا للبناء المشترك للحزام والطريق، ويخطو الجانبان خطوات مطردة تجاه إبرام اتفاقية التجارة الحرة، معربا عن ثقته في أنه سيتم إفساح مجال أوسع للتعاون الثنائي والارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى أفق جديد.