تقرير سنوي: اتجاه التقارب يكتسب زخما في الشرق الأوسط وسط تغير المشهد الجيوسياسي عام 2022

تقرير سنوي: اتجاه التقارب يكتسب زخما في الشرق الأوسط وسط تغير المشهد الجيوسياسي عام 2022

2022-12-29 00:24:46|xhnews

القاهرة / القدس 28 ديسمبر 2022 (شينخوا) في الشهر الأخير من عام 2022، جذبت قطر أنظار العالم كونها أول دولة عربية تستضيف بسلاسة ونجاح نسخة رائعة من بطولة كأس العالم لكرة القدم.

لم تجلب بطولة كأس العالم 2022 فرحة كبيرة لعشاق كرة القدم في جميع أنحاء العالم فحسب، بل تركت أيضا تأثيرا إيجابيا على المشهد الجيوسياسي المتغير في الشرق الأوسط من خلال تعزيز زخم التقارب بين المنافسين في المنطقة.

كما ظهر التقارب في حفل افتتاح كأس العالم في 20 نوفمبر: حيث حيّا أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود بعضهما البعض بحرارة، في الوقت الذي صافح فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره المصري عبد الفتاح السيسي.

وعلق مقال نُشر على الموقع الرسمي لكأس العالم فيفا 2022، قائلا "جاءت أول بطولة لكأس العالم لكرة القدم تستضيفها دولة عربية، في وقتها المناسب وأنهت عداوات إقليمية".

أنهت قطر والسعودية في يناير 2021 فقط أزمة دبلوماسية اندلعت في منتصف عام 2017، عندما قطعت السعودية ومصر والإمارات والبحرين العلاقات مع قطر وفرضت حصارا عليها. وبالمثل، قبل مصافحة أردوغان والسيسي في الدوحة، كانت العلاقات بين تركيا ومصر متوترة بسبب الخلاف إزاء عدد من القضايا.

-- ذوبان الجليد في المنطقة

في مواجهة الآثار الاقتصادية والسياسية السلبية الناجمة عن أزمة الإمدادات الغذائية والصراع الروسي-الأوكراني والاضطراب المالي بسبب السياسة النقدية الأمريكية غير المسؤولة، تحركت الدول الكبرى في الشرق الأوسط هذا العام لتفادي منافساتها الممتدة، وذلك من أجل إما المصالح الأمنية أو المنافع الاقتصادية.

كما واصلت إسرائيل تحسين العلاقات مع الدول العربية لمتابعة "اتفاقات إبراهيم" التي توصلت إليها مع عدة دول عربية عام 2020، من خلال استضافة اجتماع تاريخي لوزراء الخارجية في مارس مع البحرين ومصر والمغرب والإمارات، حيث تم الاتفاق على أن يصبح الاجتماع منتدى سنويا.

وزار الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ البحرين والإمارات في ديسمبر، ليصبح أول رئيس إسرائيلي يقوم بذلك. وفي يوليو، فتحت السعودية، التي ليس لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، مجالها الجوي أمام جميع الرحلات الجوية المدنية من وإلى إسرائيل لأول مرة.

وفي غضون ذلك، واصلت الدول العربية إصلاح العلاقات وتعزيز الوحدة لمواجهة التحديات الإقليمية هذا العام.

وفي مارس، سافر الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات في أول زيارة له إلى دولة عربية منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، في حين وصل أمير قطر الشيخ تميم إلى القاهرة في يونيو في أول زيارة له لمصر منذ نهاية الأزمة الدبلوماسية لعام 2017. وفي ديسمبر، زار رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قطر لأول مرة منذ استئناف العلاقات بينهما.

واستضافت مصر في أغسطس قمة مع قادة العراق والأردن والإمارات والبحرين لتعزيز التعاون الإقليمي. وفي القمة الـ31 لجامعة الدول العربية التي انعقدت في الجزائر في نوفمبر، تم تبني إعلان للتصدي المشترك للتحديات الإقليمية والعالمية.

وأطلقت تركيا، وهي دولة رئيسية غير عربية في المنطقة، مبادرات دبلوماسية هذا العام لإصلاح العلاقات المتوترة مع القوى الإقليمية، ما يساهم في تخفيف التوترات في الشرق الأوسط.

في فبراير، أجرى أردوغان زيارة إلى الإمارات، ما يمثل نقطة تحول في العلاقات التركية-الإماراتية التي شابتها التصدعات منذ فترة طويلة. وفي مارس، التقى أردوغان الرئيس الإسرائيلي الزائر إسحاق هرتسوغ خلال زيارة الأخير إلى أنقرة لكسر الجليد، وأعلن البلدان في أغسطس استئناف العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل.

كما أجرى أردوغان زيارة إلى السعودية في أبريل لكسر الجليد في العلاقات الثنائية الناجم عن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول عام 2018. وفي المقابل، أجرى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان زيارة تركيا بعد شهرين.

وعلى وجه الخصوص، اكتسب التقارب بين إيران ودول الخليج زخما في عام 2022.

في 21 ديسمبر، كشف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أنه أجرى محادثات "ودية" مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في أثناء حضور مؤتمر إقليمي في الأردن. وقبل هذا الاجتماع، عقدت السعودية وإيران، الخصمان اللدودان، بالفعل جولات من محادثات السلام، كان آخرها في أبريل.

والتقى أمير قطر في مايو المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في العاصمة الإيرانية طهران لمناقشة التعاون الثنائي. وفي أغسطس، أعلنت الكويت والإمارات بشكل منفصل عن إرسال سفيريهما إلى إيران، في تحول دراماتيكي في السياسة منذ خفض العلاقات الدبلوماسية مع طهران عام 2016.

وفي حديثه لوكالة أنباء ((شينخوا))، قال نمرود غورين، رئيس المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية، إنه "مع الشواغل المتعلقة بالأمن الغذائي وإمدادات الطاقة والتحديات العالمية الأخرى مثل تغير المناخ، أصبح الارتباط بين الشؤون الداخلية والخارجية للعديد من دول الشرق الأوسط أقوى، حيث تميل إلى حل المشكلات الداخلية بشكل أكبر من خلال التعاون الإقليمي".

-- تراجع النفوذ الأمريكي

يأتي اتجاه المصالحة في الشرق الأوسط، حيث تسعى المزيد من الدول إلى تحقيق استقلال أكبر في السياسة الخارجية، وسط تراجع نفوذ الولايات المتحدة.

وقال موجز سياسي نشره مركز الجزيرة للدراسات إن توقيت اتجاه المصالحة يتحدد بشكل أقل بالعوامل الثنائية بقدر ما تحدده التحولات الدولية الأوسع نطاقا، مضيفا أن الولايات المتحدة على وجه الخصوص أحدثت فارقا.

المحللون على قناعة بأن تقليص الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط هزّ نظرة حلفائها الإقليميين لواشنطن باعتبارها موفر الأمن الوحيد، مما دفعهم إلى تعديل السياسات الخارجية.

يبدو الشرق الأوسط اليوم مختلفا إلى حد ما عن العصور السابقة حينما كانت واشنطن تتلاعب بشدة بالنظام الإقليمي، وكانت تمارس نفوذها من خلال زرع الانقسامات والصراعات ثم التوسط فيها لخدمة مصالحها الاستراتيجية. لكن واشنطن حوّلت تركيزها بعيدا عن المنطقة في السنوات الأخيرة لأنها لم تعد تعتمد على نفطها كما كان من قبل.

كتب مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، في مقال نشرته مجلة ((فورين أفيرز)) الأمريكية في يوليو "كلما تحركت واشنطن لتوسيع التزاماتها العسكرية والسياسية لقيادة نظام إقليمي جديد، قل على الأرجح استقرار المنطقة".

في يوليو، حاول الرئيس الأمريكي جو بايدن استعادة ثقة حلفائه من خلال إجراء أول زيارة له إلى الشرق الأوسط منذ توليه منصبه. لكن زيارته حققت أهدافا محدودة، إذ لم ينجح في تشكيل تحالف عسكري إقليمي ضد إيران، ولم يقنع السعودية برفع إنتاجها النفطي.

وكتب لينش أن زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط "انتهت ليس بتحقيق ضجة داوية ولكنها انتهت بتذمر". "الولايات المتحدة ببساطة لا تملك الموارد أو القدرات السياسية للعب دور المهيمن في الشرق الأوسط. لم تعد القوى الإقليمية تعتقد أن الولايات المتحدة تستطيع الدفاع عنها أو أنها ستتحرك عسكريا للدفاع عنها."

-- استمرار حالة عدم اليقين

برغم أن التقارب ساعد في تهدئة التوترات في الشرق الأوسط المضطرب، إلا أنه من غير المؤكد ما إذا كان يوجد مزيد من التقدم الملموس والجوهري.

بما أن تشابك القوى المختلفة عقّد الصورة بأكملها، لا تزال هناك بعض الانقسامات والصراعات التقليدية المستعصية، ما يهدد بزعزعة استقرار المنطقة في أي وقت.

شنت قوات الحوثي في اليمن في يناير هجمات مفاجئة بطائرات مسيرة وصواريخ على العاصمة الإماراتية أبو ظبي. كما تشن إسرائيل غارات جوية على أهداف داخل سوريا على مدار العام، بينما هددت تركيا بشكل متكرر بشن هجوم عسكري على سوريا لقمع المقاتلين الأكراد المناهضين لها.

وتزايدت حالة عدم اليقين بشأن عودة إيران إلى الاتفاق النووي لعام 2015 بسبب تعثر المفاوضات منذ أغسطس. قد يصبح التنافس المستمر منذ عقود بين إسرائيل وإيران أكثر ضراوة حيث من المقرر أن يعود رئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول خدمة بنيامين نتنياهو إلى السلطة مع حكومة يمينية متطرفة.

وبالمثل، فعلى الرغم من انطلاق الحوار الإيراني-السعودي، إلا أن الوضع في اليمن لا يزال مقلقا. أخفقت الأطراف اليمنية المتحاربة في أكتوبر في تمديد وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر، ما قلص الآمال في إنهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ ثماني سنوات قريبا.

وقال غورين، وهو أيضا زميل بارز في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، إن الوضع في الشرق الأوسط الذي تمزقه الصراعات يزداد تعقيدا حيث لا تزال هناك العديد من المشكلات المستعصية، بينما تستمر أنشطة التعاون متعدد الأوجه والتبادلات الديناميكية التي تتجاوز الاعتبارات الاقتصادية في توسيع الزخم الإيجابي.

وأوضح أن المزيد والمزيد من دول المنطقة تعمل معا "مدفوعة بالمصالح المشتركة رغم الخلافات السياسية التي لا تزال قائمة".

لكن المصالحات السريعة لا تكفي لإرساء استقرار دائم ونظام إقليمي تعاوني حقيقي في المنطقة، حسبما جاء في موجز مركز الجزيرة للدراسات.

وأضاف الموجز أن هذا يتطلب نهجا عقلانيا وبراغماتيا يتعامل مع القضايا الكامنة وراء الصراعات ويقدم تقييما واضحا للمصالح المحددة لكل طرف فاعل رئيسي. 

الصور