(وسائط متعددة) مقالة خاصة: بعد 20 عاما على غزو العراق... آلام الحرب تترك ندوبا عميقة في هذا البلد العريق
بكين 19 مارس 2023 (شينخوا) قبل عشرين عاما، شنت الولايات المتحدة عملية غزو كبيرة للعراق تحت ذريعة وجود "أسلحة دمار شامل". ومنذ ذلك الحين، يعاني الشعب العراقي من اضطرابات وأزمات وغياب مستمر لحالة الاستقرار، فيما طغت مشاهد الدمار على هذا البلد ذي الحضارة العريقة.
لقد ثابر الصحفي العراقي جمال هاشم أحمد (66 عاما) على العمل في فرع وكالة أنباء ((شينخوا)) ببغداد منذ اندلاع الحرب عام 2003. وطوال هذه السنوات، انهمك وسط الحرب وأهوالها في تغطية الأحداث في العراق لحظة بلحظة وسط معاناة من هجمات وتفجيرات إرهابية ليسجل بقلمه الوقائع وينقل بالصوت والصورة ما يعانيه العراقيون باعتباره واحدا من أبناء شعب هذا البلد.
جمال هاشم أحمد، مراسل لوكالة أنباء ((شينخوا))، يقف أمام جدران مضادة للانفجار في العاصمة العراقية بغداد، 15 مارس 2023. (شينخوا)
-- "صوت انفجار في بغداد"
في الساعات الأولى من صباح يوم 20 مارس عام 2003، لم تشرق الشمس على مدينة بغداد القديمة، إذ أفزعت صفارات الإنذار، التي دوت مع انطلاق صوت المدفعية المضادة للطائرات، الناس وأيقظتهم من نومهم وأخذت نيران الحرب تُشعل سماء الليلة الهادئة.
وباعتباره صحفيا بفرع وكالة أنباء ((شينخوا)) في بغداد، ظل جمال في حالة يقظة تامة في ذلك الوقت تحسبا لأي تغطية لحرب محتملة. لم تغب هذه اللحظة عن مخيلته حيث قال وهو يتذكرها "ركضت على الفور إلى سطح المكتب فإذا بي أرى السماء تشتعل بنيران مضادة للطائرات وأعمدة كثيفة من الدخان تتصاعد فوق المواقع المنكوبة".
"صوت انفجار في بغداد"، هكذا قال جمال وهو يمسك بالهاتف المتصل بالأقمار الصناعية ويتحدث إلى المكتب الإقليمي لوكالة أنباء ((شينخوا)) في الشرق الأوسط ومقره القاهرة، الذي نشر الخبر في الساعة الـ04:30 بتوقيت القاهرة، أي قبل 10 ثوان من نشر شبكة ((سي إن إن)) له.
وذكر جمال أن مشاركته في نقل هذا الخبر وتغطيته جعلته فخورا بسرعة إطلاع العالم على الحدث، مضيفا بقوله "في ذلك الوقت، أدركت أن تاريخ بلدي على وشك أن تُعاد كتابته بقسوة من قبل بلدان أخرى". وتنهد قائلا إنه لم يستطع أن يغير شيئا سوى إخبار العالم بمعاناة شعبه والكشف عن جرائم قوات الاحتلال الأمريكية.
الصورة الملتقطة في 4 يوليو 2019 تُظهر جامع النوري في المدينة القديمة بالموصل، العراق. (شينخوا)
-- الشعب يكابد مآسي الحرب
من تفجير قنابل على جانب الطريق وسيارات مفخخة إلى اندلاع معارك مسلحة في الشوارع ... أصبحت الأخطار المحدقة بالشعب العراقي على مر السنوات العشرين الماضية حاضرة في كل مكان حتى صارت جزءا من حياته اليومية.
عاد جمال بالزمن إلى الوراء ليتذكر أخطر حادث تعرض له، وكان ذلك في عام 2006 عندما وقع أثناء وجوده داخل حافلة صغيرة في مرمى نيران متبادلة بين المتمردين والقوات الأمريكية خارج قاعدة عسكرية أمريكية في غرب بغداد، وقال عنه متأثرا "لقد كانت قذائف الهاون ونيران المدافع الرشاشة قريبة جدا، ولم أستطع الاختباء، ولم يسعني سوى الانتظار لأرى ما سيحدث".
واستطرد في الحديث قائلا إن حالة القلق التي عاشها داخل الحافلة المليئة بالركاب تركت في نفسه خوفا ممتدا حتى يومنا هذا، إذ لا تفارقه صورة الركاب حينها حيث انخرط بعضهم في البكاء واتجه البعض الآخر إلى الفرار فيما أخذ آخرون يرتجفون خوفا. وأشار إلى أن الحظ حالفهم بأن السائق نجح في أن ينجو بالحافلة وهي محملة بالركاب ويقودها بعيدا عن موقع تبادل إطلاق النار.
إن الحرب لم تترك أثرها على جمال فحسب، إذ أعرب المخرج العراقي أحمد عبد علي، الذي أخرج فيلم "القصة الخامسة" الوثائقي، عن مدى الأثر النفسي الذي خلفته بداخله هذه الحرب التي اندلعت في عام 2003، عندما كان في التاسعة ربيعا.
"هذا الوحش الذي بداخلنا يطاردنا"، هكذا قال المخرج العراقي وهو يصف مشاعر الخوف التي يُجسدها في فيلمه. فهذا الفيلم يروي قصصا لأجيال من العراقيين تدور حول الحرب والخوف والدمار. وقد ألمح المخرج إلى أنه صادف في عدة مرات تبادلا لإطلاق النار بين المسلحين والقوات الأمريكية وكانت مرة منها قرب منزله، لكنه لم يرغب في ذكر تفاصيل ما حدث في ذلك الوقت.
إن مشاهد المعارك والقصف والمدافع، التي لم تفارق الشعب العراقي لسنوات عديدة، لم تترك ندوبا عميقة في قلوبهم فحسب، بل خلفت أيضا علامات حرب لا تحصى على الجدران المضادة للانفجار. فهذا النوع من الجدران هو نتاج الحرب في بغداد، حيث اُستخدم لحماية المباني الحكومية وبعض المناطق الحساسة من التفجيرات خلال الوضع الفوضوي والخطير الذي أعقب الغزو الأمريكي للعراق.
وفي هذا الصدد، قال سعيد الرياض، وهو صاحب مقهى في بغداد، "عندما ننظر إلى العديد من الأسر العراقية سنجد أن معظمها عانى من تجارب مؤلمة، نتيجة مقتل أو جرح أفراد منها أو من أقاربها أو من أصدقائها في هجمات".
أشخاص يحملون لافتات مناهضة للحرب خلال مظاهرة في بغداد، العراق، 24 مايو 2019. (شينخوا)
-- نية الولايات المتحدة تتكشف بجلاء
بعد أن قدم وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول أنبوب اختبار يحتوي على "مسحوق غير معروف" خلال اجتماع بالأمم المتحدة مدعيا أنه "سلاح دمار شامل" يقوم العراق بتطويره، أسرعت الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها إلى شن حرب على العراق، وفتحت بذلك "صندوق باندورا".
غالبا ما تستخدم الولايات المتحدة شعارات مثل "الديمقراطية" و"الحرية" و"حقوق الإنسان" لتحقيق أهداف الهيمنة. وقد أثبتت التجربة المباشرة للشعب العراقي أن الهيمنة الأمريكية يمكن أن تقوض الأمن والاستقرار والازدهار في العراق بل وفي منطقة الشرق الأوسط.
فخلال الفترة ما بين عامي 2003 و2021، لقي نحو 209 آلاف مدني عراقي حتفهم في الحروب والصراعات العنيفة، وأصبح نحو 9.2 مليون عراقي لاجئين أو أجبروا على ترك وطنهم، وفقا لقاعدة بيانات ((ستاتيستا))، وهي قاعدة بيانات إحصائية عالمية.
وبجانب ذلك، ذكر المحلل العراقي ناظم علي عبد الله، أنه مع تدخل الولايات المتحدة الغاشم، عانى العراق من ظهور مشكلات في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذا من تزايد نشوب الصراعات وصعوبة تحسين معيشة الناس، ليترك كل ذلك ندوبا لا تندمل في هذا البلد الشرق أوسطي.■