تحقيق إخباري: "الكليجة" حلوى تراثية شهيرة حاضرة في منازل مهجري دير الزور احتفالا بعيد الفطر في ريف دمشق

تحقيق إخباري: "الكليجة" حلوى تراثية شهيرة حاضرة في منازل مهجري دير الزور احتفالا بعيد الفطر في ريف دمشق

2023-04-21 19:30:00|xhnews

ريف دمشق 21 إبريل 2023 (شينخوا) منذ ساعات الصباح الباكر تستيقظ أم عدنان (53 عاما) لتضع حلوى "الكليجة" التي أعدتها قبل يومين من عيد الفطر، على طاولة خشبية في صالون شقتها المستأجرة في مدينة جرمانا بريف دمشق الشرقي، لتستقبل المهنئين بالعيد، وسط حالة من الفرح المنقوص لبعدهم عن أقاربهم في محافظة دير الزور شرق سوريا.

وعائلة أبو عدنان المؤلفة من 6 لأشخاص، أسرة مهجرة من ريف دير الزور الشرقي، أتت إلى ريف دمشق منذ عام 2017 في رحلة شاقة محفوفة بالمخاطر، حتى وصلوا بأمان إلى مدينة جرمانا ليستقر بهم الحال هناك، ولتبدأ حياتهم التي باتت مألوفة لديهم بعد سنوات من الاستقرار فيها.

وقبل يومين بدأت أم عدنان بالتحضير لصنع حلوى "الكليجة " الديرية كما تسمى، في طقس تراثي جميل، يحاولون من خلالها استذكار الماضي الجميل في زمن صعب يمر على السوريين عموما وعلى غالبية مهجري دير الزور الذين يسكنون في أطراف العاصمة دمشق منذ سنوات.

واستطاعت حلوى "الكليجة" وبكل جدارة أن تتصدر إرث محافظة دير الزور، وان تحجز لنفسها موقعا هاما بين الحلويات الشهيرة في سوريا، لما لهذه الحلوى من مكانة هامة لدى الأهالي لكونها صنعة متوارثة من الأجداد إلى الأبناء.

وتتكون عجينة حلوى الكليجة من طحين وسمنة بلدية، وزيت، ويضاف لها توابل، حبة البركة، وشمرا، ويانسون، وقرفة، وحب الهال، وزنجبيل، وبهار حب جوزة الطيب، وتكون جميعها مطحونة، ويضاف إليها أيضا الحليب والسكر والمياه، ثم يجري عجنها وخبزها بالفرن وفق أشكال منوعة دائري أو مربع وحتى مثلث.

وروت أم عدنان، وهي تحضر عجينة حلوى "الكليجة"، وبجانبها عدد من النساء أتين لمساعدتها، التفاصيل الجميلة التي ترافق صناعة حلوى الكليجة أيام زمان، ورائحة التوابل الفواحة التي توضع في عجينة الحلوى ، والتي تنتشر رائحتها في كل الأمكنة في دير الزور مع اقتراب حلول عيدي الفطر والأضحى، والأغاني التي ترددها النساء والشابات في تلك المناسبة من تراث المنطقة.

وقالت أم عدنان، وهي تمسك بيدها قالب الحلوى المصنوع من الخشب، وتضع بداخله عجينة الكليجة المحشوة بالتمر والهيل والقرفة - لوكالة أنباء ((شينخوا)) " كانت نساء الحي في غالبية محافظة دير الزور، يجتمعن قبل أيام من عيد الفطر ويتفقن على مساعدة بعضهن البعض في صناعة الحلوى"، مشيرة إلى أن كل نساء الحي يشاركن في ظل طقس احتفالي جميل مملوء بالفرح"، مبينة أن بعض أسر مهجري دير الزور في ريف دمشق، يحاولن إحياء تلك الطقوس التراثية هنا، ولكن ضمن دائرة ضيقة، لتبقى تلك الحلوى" الكليجة" حاضرة على موائدهن في الأعياد.

وبدورها اعتبرت أم محمد (62 عاما)، والذي تزامن وجودها في منزل أم عدنان لمساعدتها أثناء تحضير "الكليجة" لعيد الفطر، أن هذا الموروث التقليدي نحاول أن نعلمه للأجيال الحالية، مشيرة إلى أن ظروف الحرب التي اندلعت في عموم البلاد منذ أكثر من 12 عاما غيبت هذا الطقس لفترة من الزمن.

وقالت أم محمد لوكالة أنباء (شينخوا)" لقد تركنا منازلنا في دير الزور، ولكن حملنا في عقولنا تراثنا وكل ما هو جميل، لنرويه لأبنائنا بكل تفاصيله"، مبينة أن الأطفال عندما يستيقظون صباحا ويجدون حلوى "الكليجة" على الطاولة يشعرون بالفرح والسرور، لأنه تراث، وحلوى معروفة لدى أهل الدير.

وعبرت عن فرحتها وسرورها لقيام بعض النساء من أهالي دير الزور في مدينة جرمانا، بمساعدة بعضهن البعض في تحضير حلوى "الكليجة" في ظل الارتفاع الكبير للحلوى التقليدية التي تشتهر بها دمشق، مؤكدة أن "الكليجة" ستبقى حاضرة بقوة على موائدنا مهما حصل.

ورائحة توابل حلوى "الكليجة" تنبعث من عدة منازل في أحد أحياء مدينة جرمانا، وتنشر إلى مسافات بعيدة، وبات أهالي مدينة جرمانا يعرفون هذه الحلوى من رائحتها، ويعرفون أنها حلوى شهيرة في محافظة دير الزور، لاسيما وأن تلك العوائل تقوم بتوزيع الحلوى على الجيران كشكل من أشكال التآلف بين الناس، وهو طقس كان موجودا في دير الدير حيث يتبادل الأهالي الحلوى فيما بينهم.

وقال أبو سلوان (66 عاما)، الذي ترك دير الزور منذ خمس سنوات، ويقطن في شقة صغيرة في جرمانا، لوكالة ((شينخوا)) إن "حلوى الكليجة من حلويات العيد الديرية الفاخرة، والتي يجب أن تكون موجودة كضيافة رئيسية في العيد"، مؤكدا أنه "إذا لم نجد الكليجة موجودة في البيت فليس هناك عيد"، معتبرا أن "الكليجة" لا يعرفها أحد من المحافظات السورية الأخرى، وهي محصورة في ثلاث محافظات هي دير الزور الموطن الأصلي لها، والرقة والحسكة.

وروى أبو سلوان بكثير من الفرح الممزوج بالحزن، ذكرياته عندما كان شابا ويعيش في دير الزور، وكيف كانت والدته ونساء الحي يجتمعن قبل أيام من حلول العيد، ويقمن بصناعة حلوى "الكليجة" على التنور، ويرددن أغاني وقصائد جميلة، مشيرا إلى أن الطقوس التي كانت تسبق العيد، كانت جميلة.

أما طلال محمود الشاوي (48 عاما)، وهو صاحب محل متخصص بصناعة حلوى "الكليجة" في مدينة جرمانا منذ عدة سنوات، أشار إلى أن "الكليجة" هي أكلة تراثية معروفة منذ زمن بعيد، ومنتشرة بكثافة في منطقة الفرات.

وقال محمود الشاوي وهو يقف في محله لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن النساء كن يصنعن الحلوى أيام زمان في البيوت ويتم خبزها على التنور وبعدها باتت تخبز في الأفران، ومن ثم أصبح هناك محلات متخصصة بصناعة تلك الحلوى التراثية".

وشرح الشاوي المكونات التي تدخل في صناعة "الكليجة" سابقا وحاليا، مشيرا إلى أن ما يميز الكليجة هي التوابل، وهي سر طعمها المميز، ورائحتها الزكية التي تنشر في الأزقة والحارات عند خبزها.

وتابع يقول إن " إعداد "الكليجة" سابقا كان يتم في طقس شعبي جميل، حيث يجتمع الجيران والأهل والشابات، لأن الشغل كان يدويا وبالتالي فهو يحتاج إلى عدد كبير ليتم إنجازها بسرعة، وصناعتها مقرونة بالأعياد حصرا"، مشيرا إلى أنه يتم توزيع الحلوى على البيوت في جو من الفرح والسرور.

وأكد الشاوي أن أهالي ريف دمشق تعرفوا على هذه الحلوى وأحبوها كثيرا، لافتا إلى أن أهالي دير الزور الموجودين حاليا في ريف دمشق يحاولون إحياء تلك الطقوس التي كانت سابقا في دير الزور، ولكن ليست بنفس الألق. 

الصور