مقالة خاصة: لماذا يعد مصطلح "النظام العالمي القائم على القواعد" الذي صاغته واشنطن مغالطة

مقالة خاصة: لماذا يعد مصطلح "النظام العالمي القائم على القواعد" الذي صاغته واشنطن مغالطة

2023-05-09 06:13:30|xhnews

بكين 8 مايو 2023 (شينخوا) في السنوات الأخيرة، بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن والعديد من كبار المسؤولين الأمريكيين في استخدام مصطلح "النظام العالمي القائم على القواعد" مرارا وتكرارا في مؤتمرات صحفية أو محادثات ثنائية أو تجمعات دولية، مؤكدين على الحاجة الملحة والأهمية القصوى للحفاظ عليه.

ومع ذلك، لا تزال هذه العبارة مجرد مغالطة، لأن صانعي القرار في واشنطن لم يكلفوا أنفسهم عناء تحديد ماهية هذه القواعد بالضبط أو من يضعها، أو ربما يريدون مجرد إبقاء هذا المصطلح غامضا على هذا النحو.

ــ الغموض المتعمد

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، أصبح من المسلم به على نطاق واسع أنه لا يوجد سوى نظام دولي واحد، هو النظام الدولي القائم على القانون الدولي، وأن هناك مجموعة واحدة فقط من القواعد، هي الأعراف الأساسية الحاكمة للعلاقات الدولية التي تستند إلى مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وفي هذه المعاهدات أو الوثائق التاريخية لا يوجد ذكر لما يسمى بالنظام "القائم على القواعد".

المصطلح الغامض ليس اختراعا جديدا للإدارة الأمريكية الحالية. وفي الاستطلاع الذي أجراه على أساس بحث عبر محرك البحث ((جوجل نجرام))، وجد باول بوست، الأستاذ المساعد في قسم العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، أن هذا المصطلح بدأ يظهر في النصوص في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، وبدأ استخدامه في الفترة من أوائل إلى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث كان استخدامه في تلك الفترة، جزئيا، ردا على غزو العراق عام 2003، خاصة وأن الحرب تمت دون تفويض من الأمم المتحدة.

حرب العراق هي مثال كلاسيكي يوضح سبب اختراع الولايات المتحدة لمثل هذا المصطلح، في محاولة لإرباك المجتمع الدولي والتخلص من قيود القانون الدولي.

في الواقع، لدى حكومة الولايات المتحدة تقليد يتمثل في وضع قانونها المحلي فوق القانون الدولي وتطبيق القواعد الدولية بشكل انتقائي على النحو الذي تراه مناسبا. على سبيل المثال، سنت واشنطن قوانين محلية مثل قانون السلطات الاقتصادية الطارئة الدولية، وقانون ماغنيتسكي العالمي للمساءلة عن حقوق الإنسان، وقانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات، لاستهداف وفرض عقوبات على دول أو كيانات معينة أو أفراد معينين.

القواعد الغامضة الواردة في هذه القوانين والأوامر التنفيذية، مثل قاعدة "الحد الأدنى من الاتصالات" و"عقيدة التأثيرات"، هي توسيع متعمد لاختصاص القوانين الأمريكية المحلية.

وعلى مدى أكثر من ستة عقود، وعلى الرغم من عشرات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، مضت الولايات المتحدة قدما في حصارها الشامل ضد كوبا، وهو أطول وأقسى نظام من الحظر التجاري والعقوبات المالية في التاريخ الحديث، بناءً على سياسات الحظر والقوانين المحلية الأمريكية مثل قانون توريشيلي وقانون هيلمز-بيرتون. وقد أدى الحصار إلى خسائر مباشرة بأكثر من 100 مليار دولار أمريكي للاقتصاد الكوبي.

"إن 'النظام القائم على القواعد' هو شيء آخر غير القانون الدولي. إنه نظام بديل خارج نطاق القانون الدولي، يتحدى ويهدد القانون الدولي حتما"، حسبما جاء في افتتاحية كتبها جون دوغارد، أستاذ القانون الدولي في جامعة لايدن في هولندا.

وقال ألكسندر جوسيف، مدير المعهد الروسي للتخطيط والتنبؤ الاستراتيجي، إن الولايات المتحدة تتعمد إبقاء تعريف مصطلح "النظام الدولي القائم على القواعد" غامضا، لأنه كلما كانت القواعد المزعومة أقل تحديدا، زادت قدرة الولايات المتحدة على التلاعب بها في أي وقت تشاء.

ــ طريقتي والإ فلا

بينما لا تكف الولايات المتحدة عن التأكيد على الضرورة الملحة للحفاظ على النظام العالمي "القائم على القواعد"، فإنها تتهم دولا مثل الصين وروسيا بتشكيل تحدٍ لها. على نحو متزايد، تم استخدام المصطلح كسلاح لقمع الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة "تهديدا" لسعيها وراء الهيمنة العالمية.

وتعد التكنولوجيا الفائقة ساحة رئيسية تقاتل الولايات المتحدة بضراوة للحفاظ على الهيمنة عليها. ولأن الحكومة الأمريكية ترى الصين منافسة استراتيجية، فقد سعت إلى تقييد وصول الصين إلى التقنيات الغربية المهمة.

تحت ذريعة "الأمن القومي"، أدرجت إدارة بايدن المزيد من شركات التكنولوجيا الصينية في القائمة السوداء، وفرضت قيودا جديدة واسعة على بيع تقنيات الرقائق المتقدمة للشركات الصينية، وتجبر العديد من حلفائها في المعاهدات على أن يحذوا حذوها.

ولتطويق الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أو على حد تعبير وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، "لتشكيل البيئة الاستراتيجية حول بكين"، تدعي واشنطن أنها تدافع عن النظام الدولي "القائم على القواعد" من خلال بناء تحالفات مثل تحالف أوكوس والحوار الأمني الرباعي (كواد)، ما يجبر دول المنطقة على الانحياز إلى جانب ما ويضع السلام والأمن الإقليميين على المحك.

وعلى حد تعبير ستيفن إم والت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، فإن الولايات المتحدة مستعدة دائما "لتجاهل القواعد أو التهرب منها أو إعادة صياغتها متى بدت غير ملائمة".

ولنأخذ التجارة العالمية كمثال. أظهرت بيانات رسمية أن الولايات المتحدة مسؤولة عن ثلثي انتهاكات قواعد منظمة التجارة العالمية في مجال التجارة العالمية. ومع خسارة الولايات المتحدة بشكل متكرر قضاياها التي تحكم فيها منظمة التجارة العالمية، حاولت البلاد تقويض آلية تسوية المنازعات الخاصة بالمنظمة من خلال منع تعيين قضاة جدد.

وقد أعرب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بشكل مباشر عن حق أمريكا في صنع القواعد الاقتصادية، حيث قال في 2015، "علينا أن نتأكد من أن أمريكا تكتب قواعد الاقتصاد العالمي. يجب أن نفعل ذلك اليوم بينما اقتصادنا في موقع القوة العالمية".

ــ تحول لا يمكن إيقافه

يشهد العالم الآن تحولا ملحميا وحتميا نحو التعددية القطبية. ينظر الكثيرون إلى صعود العديد من الاقتصادات الناشئة في العالم على أنه تراجع نسبي للغرب.

قال وانغ هونغ قانغ، مدير معهد الدراسات الأمريكية التابع للمعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة، إنه عندما تتدهور الدول المهيمنة، فإنها تبدأ في التأكيد على القواعد.

وأضاف وانغ أنه مع الصعود الجماعي للدول غير الغربية والتطور المستمر للوضع الدولي، تحاول الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون إبطاء المسار نحو عالم متعدد الأقطاب من خلال تسليط الضوء على القواعد الغامضة.

ووفقا لرؤية واشنطن الاستعمارية للعالم، يجب على الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، احتكار الصناعات منخفضة التكلفة وذات التكنولوجيا الفائقة والقيمة المضافة العالية. على النقيض من ذلك، فإن بقية العالم على الأطراف يجري خفضه إلى مرتبة أدنى تتمثل في كسب عيشه من وظائف أقل تطورا وذات قيمة مضافة منخفضة مثل التصنيع منخفض الجودة.

ويقول بيلهاري كوسيكان، السكرتير الدائم السابق لوزارة الخارجية السنغافورية ورئيس معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية، إنه من الناحية الفنية، " كل 'نظام' ، بحكم تعريف هذه الكلمة، 'قائم على القواعد' لأنه إذا لم تكن هناك قواعد، فإن النتيجة هي الفوضى، وليس النظام".

ومع ذلك، في العالم متعدد الأقطاب، لا ينبغي وضع القواعد بمجرد استعراض عضلات قوية أو التلويح بقبضة كبيرة، ومن المؤكد أنه لن يتم قبول نظام متمركز حول الولايات المتحدة.

وقال أندرو لاثام، أستاذ العلاقات الدولية والنظرية السياسية في كلية ماكاليستر في مينيسوتا، في مقال له بصحيفة ((ذا هيل))، إن "النظام الجديد، الذي يعكس توزيعا للقوة يتسم بدرجة أكبر من التعددية القطبية والحضارية، لن تبنيه واشنطن لواشنطن، ولن يكون مجرد انعكاس للقيم والمصالح الأمريكية".

وأوضح لاثام أنه بدلا من ذلك، من المرجح أن يعكس النظام الجديد الذي سيظهر في السنوات القادمة الرؤى الوطنية لأقطاب جديدة مختلفة، مضيفا أن هذه الأقطاب الجديدة ستطلب أن يكون لها رأي في الشكل الذي ستبدو عليه القواعد والمعايير والمؤسسات الجديدة للحوكمة العالمية.

وقال دوغارد، الأستاذ في جامعة لايدن، إن "النظام الدولي الذي تأسس على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي كما تطور منذ نهاية الحرب العالمية الثانية هو طريقة أصوب للسلام من النظام الدولي القائم على القواعد، غير المتبلور والتمييزي، الذي تدعو إليه الولايات المتحدة ".

كتب دانييل أرايا، الباحث الأول في مركز أبحاث الحوكمة الدولية في كندا، في مقال رأي، أن توجيه هذا النظام متعدد الأقطاب الجديد سيكون أمرا شاقا، متابعا بقوله إن "الوزن المتزايد للاقتصادات الناشئة يتطلب الآن التمثيل المناسب". 

الصور