تحليل إخباري: اتساع الجريمة والعنف في المجتمع العربي داخل إسرائيل وسط تصاعد الانتقادات للحكومة
القدس 9 يونيو 2023 (شينخوا) سجلت إسرائيل الخميس واحدة من أكثر جرائم إطلاق النار الجنائية دموية في السنوات الأخيرة، حيث قتل خمسة مواطنين عرب في إطلاق نار شمال البلاد في ظل اتساع صادم للجريمة المنظمة والعنف في المجتمع العربي.
وقالت الشرطة الإسرائيلية في بيان أمس (الخميس) إن إطلاق نار وقع خارج مغسلة سيارات في بلدة يافه الناصرة العربية في "عمل إجرامي" قبل أن تعلن لاحقا عن اعتقال 14 مشتبها في الحادثة.
وذكرت الإذاعة العبرية العامة أن إطلاق النار كان على ما يبدو نتيجة صراع مستمر بين عائلتين محليتين في شمال البلاد.
ووقع الحادث بعد وقت قصير من إطلاق نار على طفلة تبلغ من العمر ثلاث سنوات ورجل في الثلاثينات من العمر، وهما من المواطنين العرب في قرية كفر كنا شمال الناصرة، وأصيب الاثنان بجروح خطيرة، بحسب نجمة داوود الحمراء الطبية والشرطة.
وزادت الحادثة من حدة الانتقادات بشأن "تقاعس" الحكومة عن التصدي للجرائم المتصاعدة داخل المجتمع العربي.
فمنذ بداية العام الجاري، قُتل ما لا يقل عن 97 مواطنًا عربيًا في إسرائيل، وفق إحصائية للشرطة الإسرائيلية.
وندد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعمليات القتل في المجتمع العربي.
وأعرب نتنياهو في بيان متلفز عن "صدمته"، وتعهد باتخاذ إجراءات فورية بما في ذلك تعزيز قوات الشرطة ونشر جهاز الأمن العام (الشاباك) لمحاربة المنظمات الإجرامية.
فيما تعارض هيئة الدفاع العام التابعة لوزارة القضاء الإسرائيلية إشراك جهاز الشاباك في جهود مكافحة الجريمة في المجتمع العربي كون ذلك سيكون له "تأثير عميق وأساسي على طبيعة النظام الديمقراطي".
واحتجاجا على جرائم القتل المستشرية، ساد إضراب اليوم (الجمعة) المجتمع العربي في إسرائيل، بدعوة من لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية وسط دعوات للتظاهر اليوم وغدا (السبت).
وحملت لجنة المتابعة في بيان "المؤسسة الإسرائيلية كامل المسؤولية عن الاستفحال المفزع للجريمة في المجتمع العربي بوصفها الجهة الرسمية صاحبة القدرة على اجتثاث هذه الظاهرة الرهيبة".
وتسلط حوادث القتل المتتالية في المجتمع العربي في إسرائيل الضوء على مستوى العنف المرتفع فيه خلال السنوات الأخيرة، إذ تم تسجيل 89 جريمة قتل في عام 2019 ارتفعت إلى 96 جريمة في عام 2020، و126 جريمة في عام 2021، فيما شهد العام الماضي انخفاضا طفيفا عن سابقه بواقع 111 جريمة.
وتظهر المعطيات أن نسبة المواطنين العرب الذين يُقتلون أكثر بثلاثة أَضعاف من نسبتهم السكانية العامة، فيما حوادث إطلاق النار أكثر بـ12 ضعفا مما هو عليه الحال في المجتمع اليهودي في إسرائيل.
ويشكل العرب في إسرائيل حوالي 20 بالمائة من مجمل سكان البلاد البالغ عددهم 9.7 مليون نسمة.
ويعزو خبراء انتشار العنف وجرائم القتل في المجتمع العربي إلى عدة أسباب تشمل ضعف الإدارة وعدم كفاية الشرطة في الشوارع، والإحباط الذي يعاني منه الشباب العرب في إسرائيل بسبب نقص التعليم والحرمان الاجتماعي والاقتصادي، علاوة على العوامل السياسية في البلاد.
وغالبا ما يشتكي العرب في إسرائيل من العنصرية في فرص العمل وانخفاض الإنفاق الحكومي على التعليم والصحة والبنية التحتية.
وبشكل عام فإن السكان العرب في إسرائيل لديهم نسبة مشاركة أقل في القوة العاملة ورواتب أقل من الإسرائيليين اليهود.
وقال الباحث الأول ورئيس برنامج الأمن الداخلي في معهد دراسات الأمن القومي مئير إلران لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن تصاعد العنف والجرائم في المجتمع العربي يعود إلى "ضعف نظام الحكم وتطبيق القانون من قبل الشرطة لفترة طويلة".
وتابع أن توافر الأسلحة النارية وأنواع أخرى من الذخيرة داخل المجتمع العربي عامل مساهم ثان لانتشار العنف في ظل سهولة الحصول عليها نسبيًا واستخدامها بشكل رئيسي في الصدامات الداخلية داخل المجتمع العربي، والتي غالباً ما تشمل النزاعات بين العصابات.
ويوثق جهاد الصانع الأستاذ في قسم الحاسوب بجامعة بن غوريون ورئيس الجمعية الأكاديمية لتنمية المجتمع العربي في النقب، شهادته على حوادث عنف وصفها بـ"الدموية".
وقال الصانع لـ((شينخوا)) إنه عايش "صراعا بين مجموعتين كانتا تطلقان النار تقريبًا في كل ليلة لمدة تزيد عن شهر، وقد أصابت بعض الرصاصات غرف النوم وجدران منزلي في بداية عام 2022".
واشتكى من أنه لم يتم القبض على أحد فعليا، مضيفا أنه حتى في حال تم القبض على أحد سيتم إطلاق سراحه بعد يومين، لافتا إلى أنه اتصل بالشرطة الإسرائيلية مرارا، وراسل كل مؤسسة معنية في إسرائيل لكنه لم يلحظ أي تحرك عملي.
وبحسب الصانع، يرتبط جزء كبير من النزاعات وحوادث الجريمة والعنف داخل المجتمع العربي بقضايا تملك الأراضي وغياب دور فاعل للمحاكم الإسرائيلية.
وشدد على أنه يتعين جمع الأسلحة غير القانونية داخل المجتمع العربي وإجراء تحقيقات شاملة في هذه القضايا وتقديم الجناة إلى العدالة بشكل سريع حتى يشكل ذلك رادعا لمنع تكرار هذه الحوادث المؤسفة.
وخلال مؤتمر انعقد العام الماضي في إسرائيل، صرحت رئيسة وحدة العمليات في الشرطة سيجال بارتسفي بأن الشرطة "في أزمة ولا تملك أدوات أو خططا جدية لمواجهة الجريمة في المجتمع العربي بفعل نقص عدد العناصر لديها".
في السياق، أكدت يميت الفاسي الخبيرة في الوقاية من المشاكل الاجتماعية بجامعة بن غوريون لـ((شينخوا)) على أهمية نظام العدالة الجنائية في مكافحة العنف داخل المجتمع العربي.
وقالت الفاسي إن الشرطة تتحرك في بعض الحوادث وتعتقل المتورطين لكن المحكمة تطلق سراحهم لاحقا، بالتالي فإن غياب العقوبة أو ضعفها يشكل عاملا في انتشار الجرائم في المجتمع العربي.
فيما يبرز مئير إلران أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتدهور نسبيا في المجتمع العربي في إسرائيل هو عامل مساهم هام لحوادث العنف والجريمة كونه يمثل مشكلة مستمرة منذ سنوات ووصل مؤخرا إلى مستوى خطير.
ودلل على ذلك بأن حوالي 30 في المائة من الشباب الذكور العرب، الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و25 عامًا في إسرائيل، عاطلون عن العمل ولا يلتحقون بالمدارس ولا يشاركون في أي عمل إنتاجي، ما يجعلهم عرضة للجريمة.
وبحسب إحصائيات محلية، يبلغ معدل البطالة بين الذكور العرب في إسرائيل ضعف معدل بطالة نظرائهم اليهود، في حين أن معدل البطالة بين النساء العربيات في إسرائيل أعلى بثلاث مرات منه لدى اليهوديات.
ولعلاج ذلك، يؤكد الصانع ضرورة تطوير البنية التحتية في المجتمع العربي، وحل أزمة النقص في الأنشطة الرياضية والأندية الترفيهية، فضلاً عن نقص الأماكن الثقافية والترفيهية للبالغين خلال وقت فراغهم.
وبحسب مراقبين، فإن فقدان الأمن والأمان وتراجع الثقة في حل مشكلة الجريمة والعنف دفعت إلى عزوف متنام داخل المجتمع العربي عن السياسة والمشاركة بالانتخابات البرلمانية الإسرائيلية.
وفي انتخابات الكنيست الـ25 التي أجريت في نوفمبر 2022، بلغت نسبة التصويت العامة حوالي 71 في المائة، وتوقفت عند حاجز 53 في المائة بين العرب.
ويعتقد إلران أن الانخفاض المستمر لنسبة التصويت للعرب في الانتخابات البرلمانية يأتي بسبب تقاعس الحكومة عن حل مشكلة العنف، موضحا أن معظم المواطنين العرب يصوتون لصالح الأحزاب العربية التي عادة لا تشارك في الائتلاف الحكومي. لذلك لا تكون الأحزاب اليهودية مهتمة كثيرًا بالتعامل مع هذه القضايا.
ونبه إلى أن ذلك يؤدي إلى المزيد من الإحباط وانخفاض نسبة التصويت داخل المجتمع العربي خلال الانتخابات، الأمر الذي ينعكس تأثيره ليس فقط على تمثيل الأحزاب العربية، لكن على المشهد السياسي العام داخل المجتمع العربي.
وحذر الصانع من تداعيات واقع "التمييز" في إسرائيل في التعامل مع اليهود والعرب في البلاد، بما في ذلك تعامل الشرطة مع حوادث العنف والجرائم وتخصيص الميزانيات لتخطيط المدن والبلدات.
وخلص إلى أن الأحزاب اليمينية المشكلة حاليا للائتلاف الحكومي في إسرائيل "لا تعطي الأولوية للمجتمع العربي، وستكون راضية إذا استمرت نسبة التصويت داخله بالانخفاض".
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد أطلقت في أغسطس 2021 خطة وطنية باسم "ضربة سيف" لمكافحة الجريمة والعنف في المجتمع العربي داخل إسرائيل، وهي عبارة عن حملة واسعة النطاق لتطبيق القانون بهدف ضبط الأسلحة والوسائل القتالية.








