تحقيق إخباري: السوريون يحجمون عن تخزين "مؤونة" الشتاء بسبب غلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية
دمشق 16 أكتوبر 2023 (شينخوا) قبل سنوات الحرب، كانت الأسر السورية تتفن في إعداد أشكال وأصناف عديدة من المؤون ليتم تخزينها قبل قدوم فصل الشتاء، وكانت موائدهم عامرة بكل الأصناف من المربيات والمواد الغذائية المختلفة، لكن بسبب غلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية لدى شريحة واسعة من الناس، الأمر الذي دفع الكثير منهم للعزوف عن هذا العادة القديمة.
وفي شهري سبتمبر وأكتوبر من كل عام، يبدأ السوريون في التجهيز لمؤونة الشتاء من المكدوس، (هي أكلة شعبية يتم إعدادها من الباذنجان المسلوق والمحشي بالجوز والفلفل والثوم وغمره بالزيت)، والبقوليات والمربيات بأنواعها، إضافة إلى تجفيف الفواكه، والذي يتزامن مع افتتاح المدارس وشراء مادة المازوت لغرض التدفئة، والتي باتت تثقل كاهل الأسر السورية عامة، ولكن هذا الطقس الشعبي المتوارث تغير، وأصبحت المؤون تقتصر على ما هو ضروري فقط، والاكتفاء بالحد الأدنى منها.
ولعل انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة في معظم المناطق، كان من العوامل التي شكلت عائقا أمام هذا الطقس السوري المعتاد، فتخزين المؤون في الثلاجات يحتاج الى ساعات طويلة من الكهرباء، فلجأ الغالبية إلى تجفيفها عبر تعريضها للشمس، وتخزينها لكن بكميات قليلة، واقتصرت على شرائح مجتمعية سورية محددة.
وقالت سميرة العبدالله (56 عاما)، وهي ربة منزل، تعيش في منزلها مع أسرتها المؤلفة من أربعة أشخاص، لوكالة أنباء ((شينخوا)) "قبل الحرب في سوريا كانت غالبية الأسر تتفن في صنع ما لذ وطاب من طعام وشراب لتخزينها كمؤونة قبل حلول فصل الشتاء، أما خلال سنوات الحرب اختلف كل شيء، واليوم غالبية الأسر تخزن بعض المؤون ذات السعر الأرخص والأقل تكلفة".
وبينت العبدالله أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة شكلت عائقا أمام غالبية الأسر السورية لتأمين المؤون اللازمة لفصل الشتاء، وبات الأمر يقتصر على ما هو ضروري.
كما أعربت أم سامر (43 عاما)، وهي موظفة حكومية، أثناء تجولها في أحد أسواق الخضروات وسط العاصمة دمشق، عن حزنها لما وصلت إليه الأسرة السورية من فقر وخروج الكثير من المواد الغذائية من قائمة التخزين لفصل الشتاء.
وأوضحت أن شهر المؤونة في سوريا يتزامن عادة مع افتتاح المدارس، وهذا الشيء يشكل إرباكا كبيرا لمعظم الأسر السورية، وخاصة من لديها أكثر من طالب في المدرسة، مؤكدة أن غلاء أسعار الخضروات بشكل كبير حرم الناس من تخزين المؤون، معتبرة أن "هذا شيء محزن للغاية".
أما الشابة هديل السالم (32 عاما)، وهي متزوجة ولديها طفل صغير، روت أنها كانت تشاهد أمها وهي تحضر الكثير من الأصناف لمؤونة الشتاء، وكانت تتمنى أن تحذو حذو أمها عند زواجها، لكنها أفادت "يبدو أن هذا الحلم لن يتحقق، لأن الوضع الاقتصادي لا يسمح".
وقالت السالم لوكالة أنباء ((شينخوا)) "كل شيء غالي، فتكلفة كيلو المكدوس الواحد تبلغ أكثر من 50 ألف ليرة سورية"، مبينة أن الأسر الصغيرة تحتاج إلى 5 كيلو كأقل تقدير، يعني 250 ألف ليرة سورية تقريبا، "وهذا هو راتب زوجي في شهر".
من جانبه، أكد حمد الهادي (37 عاما) أن غلاء الأسعار خطف الفرحة من بيوت السوريين عموما، وغاب طقس المؤونة الذي كان الأهل يجتمعون للقيام به، مبينا أن هذا الأمر ترك أثرا سلبيا في نفوس الناس.
وقال الهادي، أثناء وجوده في إحدى معاصر الدبس بمحافظة السويداء (جنوب سوريا)، "قبل سنوات كانت الناس تساعد بعضها البعض في قطاف العنب وعصره في المعصرة كي يُستخرج منه دبس العنب، وكانت الناس توزع الدبس بشكل مجاني على الأسر المحتاجة"، مؤكدا أن هذه العادة غابت، والسبب هو غلاء الأسعار، وارتفاع أسعار تكاليف الإنتاج.
ويعزو خبراء الاقتصاد في سوريا تدهور الأوضاع المعيشية في سوريا إلى سنوات الحرب الطويلة وخروج الكثير من الموارد الطبيعية والثروات النفطية عن سيطرة الدولة السورية، إضافة إلى العقوبات الأمريكية التي استهدفت الشعب السوري في لقمة عيشه وحرمته من الطعام والدواء.