رأي ضيف: الإبحار عبر التطور الاقتصادي للصين -- رؤى من "الدورتين السنويتين" في الصين
بقلم سوراب غوبتا، من الولايات المتحدة
وسط التوقعات المحيطة بـ"الدورتين السنويتين" في الصين، ثمة موضوع محوري صار مهيمنا إنه: السياسة الاقتصادية المحلية. ففي هذه المرحلة التي يعاني فيها الاقتصاد من ضعف الأداء، فإن الأضواء تتسلط على التدخلات القصيرة الأجل والإصلاحات الهيكلية طويلة الأجل الرامية إلى دفع النمو.
وقد تمحورت المناقشات حول جبهتين رئيسيتين. أولا، طبيعة ونطاق الدعم الحكومي الفوري لتنشيط النشاط الاقتصادي، وثانيا، عمق الإصلاحات التي توجه الصين نحو مشهد اقتصادي أكثر تطورا مدفوعا بالصناعات التحويلية المتقدمة والاستهلاك القوي وصناعات الخدمات.
ويتوقف هذا التحول بشكل حاسم على تمكين القطاع الخاص، وضمان فرص عادلة للشركات، وتجديد الأطر المالية، وإعادة ضبط العلاقات بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية. ومع أن هناك توقعات واسعة بأن يتم الكشف عن إصلاحات هيكلية محورية في الجلسة الكاملة الثالثة (للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني)، إلا أنه من المتوقع أن يتم إلقاء لمحات مبكرة عن هذا المسار خلال "الدورتين السنويتين".
على الرغم من مواجهتها لتحديات هائلة -- بدءا من التوترات التجارية والتكنولوجية التي بدأتها الولايات المتحدة وصولا اضطرابات كوفيد-19 وأزمة سوق العقارات الأخيرة -- فإن الصين تغتنم الفرص وسط الشدائد. فقد دفعتها الحرب التجارية إلى تجديد نظامها الإيكولوجي للتكنولوجيا، وهو ما عزز الابتكار المحلي. وفي الوقت نفسه، حفزتها الاضطرابات في قطاع العقارات على إجراء إصلاح شامل مطلوب بشدة لنمط النمو القائم على الاستثمار بكثافة، ورسم مسار نحو الاستدامة.
وفي الوقت الذي يعمل فيه نمط النمو الصيني المعاد ضبطه على مكافحة النكسات قصيرة الأمد، فإنه يَعِد بأرباح كبيرة طويلة الأمد. كما أن الاستثمارات في الأصول الثابتة غير العقارية تشهد على مرونة الاقتصاد، وهو ما من شأنه أن يرسي الأساس لإعادة تنشيط المشهد الاقتصادي. ومع تقدم الصين نحو نموذج نمو أعلى جودة، فإنها تبرز كمغناطيس لا يقاوم لكل من المستثمرين المحليين والأجانب، حيث من المرجح أن تزيد بصمتها الاقتصادية أضعافا مضاعفة.
وإذا ما علمنا أن اقتصاد الصين البالغ حجمه 18 تريليون دولار أمريكي قد يبلغ ضعف أو ثلاثة أضعاف ذلك الحجم، فلا أحد يستطيع أن ينكر جاذبيتها بالنسبة للمستثمرين العالميين. ولكن الوصول إلى السوق الصينية سوف يتطلب إستراتيجيات ذكية ومنافسة شديدة، وهو ما يذكرنا بالبيئة شديدة المنافسة التي صاحبت عقود الإصلاح فيها.
علاوة على ذلك، فإن صعود الصين لا يقتصر على المجالات الاقتصادية وحدها. فمع تنامي قدراتها، فإنها مهيأة لتحمل مسؤوليات أكبر في تشكيل المنافع العامة العالمية. فمن التقدم في مجال الرعاية الصحية وصولا إلى العمل المناخي والابتكار التكنولوجي، تقف الصين على استعداد للبروز كمساهم محوري يواجهة الهيمنة الغربية التقليدية في هذه المجالات.
وعلى الصعيد الإقليمي، سوف يزداد انخراط الصين في القضايا الساخنة، اعتمادا على مصالحها الجيوسياسية. وفي الوقت الذي تستطيع أن تلعب فيه دورا استباقيا في صراعات كتلك الدائرة في ميانمار أو شبه الجزيرة الكورية، فإن تأثيرها قد يكون محدودا بصورة أكبر في صراعات أخرى، الأمر الذي يعكس الديناميات المعقدة للعلاقات بين القوى الكبرى.
ولكن بعيدا عن الثِقَل الاقتصادي والجيوسياسي الذي تتمتع به الصين، فإن مسار التحديث في الصين يعد بمثابة منارة للجنوب العالمي، ويقدم بديلا مختلفا عن نماذج التنمية التقليدية. فمن خلال اتباعها لنهج تنموي مُفصل خصيصا يقوم على ظروفها الوطنية الفريدة، تمهد الصين الطريق أمام الدول الأخرى لتشق دروبها المميزة نحو التحديث، وتسلط الضوء على حتمية إيجاد حلول تتلاءم مع السياقات في مجال التنمية.
ومع انعقاد الدورتين السنويتين، تقف الصين عند منعطف محوري، وتستعد للشروع في المضي على طريق النهضة الاقتصادية والدور الريادي العالمي، بما يُشكل ملامح مشهد القرن الـ21 على نحو عميق ودائم.
ملحوظة المحرر: سوراب غوبتا هو زميل أقدم بمعهد الدراسات الصينية الأمريكية في واشنطن العاصمة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وكالة أنباء ((شينخوا)).