مقالة خاصة : جر إيران إلى الصراعات؟ ... الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق يثير جملة من التساؤلات
بقلم : منذر الشوفي و نائل تشنغ
دمشق 2 إبريل 2024 (شينخوا) أثار الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق أمس الاثنين جملة من التساؤلات حول هذا الاستهداف الذي يتم فيه لأول مرة الهجوم على السفارة الإيرانية في سوريا منذ بداية الحرب في عام 2011، والذي يعد مؤشرا خطيرا لما سيحدث مستقبلا، من تصعيد أو اتساع لدائرة الحرب، خاصة أن هذا الهجوم قد يهدف إلى جر إيران إلى صراعات وتوسيع نطاق الحرب، مما يؤدي إلى تاجيج الصراعات في المنطقة.
وبعد ظهر يوم أمس الاثنين شنت إسرائيل هجوما صاروخيا على مبنى القنصلية الإيرانية الإيرانية الملاصق لمبنى السفارة الإيرانية بدمشق في منطقة المزة غرب دمشق، وأدى إلى تدميره بالكامل ومقتل خمسة مستشارين إيرانيين على الأقل، وفق لما أعلنه السفير الإيراني بدمشق حسين أكبري في تصريحات للصحفيين.
وتعهد السفير الإيراني، بالرد بنفس القوة على العدوان الإسرائيلي ، موضحا أن الهجوم تم باستخدام ستة صواريخ أطلقتها طائرات مقاتلات إف-35 من اتجاه هضبة الجولان المحتلة، منددا بالاعتداء الإسرائيلي.
وأدان وزير الخارجية السوري فيصل مقداد، الذي زار السفارة بعد الهجوم، الحادث ووصفه بأنه غير مبرر وقدم تعازيه في ضحايا الهجوم.
ومن جانبه، أفاد مصدر في المكتب الإعلامي للسفارة الإيرانية لدى سوريا بوجود مستشارين عسكريين إيرانيين في مبنى القنصلية كضيوف على مآدبة الإفطار وقت حدوث الهجوم.
وفي غضون ذلك نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)عن مصدر عسكري قوله إنه "حوالي الساعة 00 : 17 مساء أمس شن العدو الإسرائيلي عدوانا جويا من اتجاه الجولان السوري المحتل مستهدفاً مبنى القنصلية الإيرانية بدمشق، وقد تصدت وسائط الدفاع الجوي لصواريخ العدوان وأسقطت بعضها".
وأضاف المصدر "أن العدوان أدى إلى تدمير البناء بكامله واستشهاد وإصابة كل من بداخله، ويجري العمل على انتشال جثامين الشهداء وإسعاف الجرحى وإزالة الأنقاض".
وقبل ذلك كان المرصد السوري لحقوق الانسان ومقره لندن قد أفاد بمقتل 8 من الـحرس الـثوري الإيراني بينهم 6 من قادة محور المقاومة في الحرس الثوري الإيراني في اسـتهداف للسفارة الإيرانية بمنطقة المزة بدمشق.
ومن بين القتلى قائد (فيلق القدس) في سوريا ولبنان محمد رضا زاهدي الذي يعد "اليد اليمنى" لقائد الذراع الخارجية لـ"الحرس الثوري " إسماعيل قاآني، كما قتل في الضربة نائبه العميد محمد هادي حاجي رحيمي.
-- ردود أفعال وإدانات واسعة ويعتبر تجازوا للخط الأحمر
وأثار الهجوم الإسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية بدمشق موجة واسعة من الإدانات من قبل دول عربية ودولية لهذا الهجوم الذي يعد انتهاكا للقوانين الدبلوماسية الدولية وقواعد الحصانة الدبلوماسية، ويشكل تجاوزا للخطوط الحمراء.
وأعربت السعودية عن إدانتها ورفضها الشديد للعدوان الإسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية السعودية نشر على منصة إكس اليوم إن " السعودية تدين استهداف مبنى القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، وتعبر عن رفضها القاطع استهداف المنشآت الدبلوماسية لأي مبرر كان، وتحت أي ذريعة، والذي يعد انتهاكاً للقوانين الدبلوماسية الدولية وقواعد الحصانة الدبلوماسية".
بدوره، أعرب الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم محمد البديوي عن إدانته واستنكاره استهداف مبنى القنصلية الإيرانية، مشدداً على أهمية الالتزام بالقوانين والمعاهدات والحصانات الدبلوماسية الدولية الداعية لحماية وصون البعثات الدبلوماسية والقنصلية.
من جانبها أدانت الخارجية الروسية الهجوم، مؤكدة في بيان أن "الأعمال العدوانية الإسرائيلية غير مقبولة ويجب أن تتوقف"، حسبما نقلت وكالة "سبوتنيك".
-- جر إيران إلى الصراعات؟
يرى المراقبون لما حدث من استهداف إسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق أن هذا قد يهدف إلى جر إيران إلى صراعات وتوسيع نطاق الحرب، والسعي إلى استفزاز دول الجوار، مؤكدين أن هذا التصعيد يتطلب تدخلا من قبل المجتمع الدولي لمنع إسرائيل من الاستمرار بهذا التصعيد الذي قد يؤدي إلى المزيد من تأجيج الصراعات في المنطقة.
وقال البروفيسور دينغ لونغ من جامعة شانغهاي للدراسات الدولية لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن " الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية له ثلاثة اعتبارات أولا، للانتقام من الهجمات على أهداف إسرائيلية من قبل حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية وجماعة الحوثي اليمنية التي تعتبرها وكلاء لإيران؛ ثانيا، لإضعاف قدرات إيران على تنظيم وتنسيق العمليات في سوريا؛ وثالثا، جر إيران إلى الصراعات، وتوسيع نطاق الحرب، وتحويل انتباه العالم الخارجي عن الحرب في غزة، وتخفيف الضغط الداخلي في إسرائيل".
وأعرب الخبير الصيني عن اعتقاده بأن إيران لا ترغب في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، ومن المحتمل أكثر أن تشجع حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية وجماعة الحوثي لشن هجمات أكثر على أهداف إسرائيلية.
ومن جانبه رأى الخبير السوري محمد نادر العمري ، أن الاستهداف الإسرائيلي هو "تطور خطير"، وربما ليس مجرد انتهاك لقواعد الاشتباك والخطوط الحمراء، بل أكثر من ذلك.
وقال العمري، وهو كاتب وباحث في العلاقات الدولية في تصريحات لوكالة أنباء (((شينخوا)) إن "اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 تنص على أن المباني الدبلوماسية تعتبر جزءا من سيادة وأراضي الدول المضيفة للبعثات، ولذلك يمكن اعتبار الهجوم على القنصلية الإيرانية بمثابة هجوم على الأراضي الإيرانية".
وحذر العمري من أن هذا الهجوم لن يمر دون رد من جانب إيران، وقد يكون هناك رد عسكري مباشر على القوات الإسرائيلية، كما أشار إلى إمكانية استهداف القواعد الأمريكية على الأراضي السورية ردا على الهجوم، خاصة بعد التقارير عن التنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن الهجوم على السفارة ،على حد قوله.
-- انتهاك جميع القوانين التي تحمي البعثات الدبلوماسية
وبدوره وصف الدكتور أسامة دنورة، وهو خبير وكاتب سوري، الهجوم بأنه تصعيد غير مسبوق للعدوان الإسرائيلي في المنطقة، ويأتي في وقت تمارس فيه إسرائيل بالفعل "إبادة جماعية" في قطاع غزة.
وذكر دنورة أن الهجوم ينتهك جميع القوانين التي تحمي البعثات الدبلوماسية، مؤكدا على خطورة إسرائيل في المنطقة، محذرا من أن تصرفات إسرائيل تشير إلى استعدادها لشن حروب لصرف الأنظار عن حربها في غزة.
وشدد دنورة على ضرورة التدخل الدولي لوقف التصعيد الإسرائيلي في المنطقة ووضع حد لأعمال العنف المتصاعدة.
وقال دنورة إن " العدوان الإسرائيلي الأخير على دول المنطقة غير مسبوق، وهذا إلى جانب الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، حيث يسلط ذلك الضوء على الطبيعة الخطيرة للإجراءات الإسرائيلية، فالهجوم على البعثات الدبلوماسية ينتهك القوانين الدولية، مما يشير إلى تهديد كبير للمنطقة".
إلى ذلك قال الكاتب والصحفي السوري عماد سالم إنه "لا شك بأن العدوان الإسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية بدمشق هو تصعيد خطير يضع المنطقة عموماً على حافة الحرب الشاملة كونه استهدف قلب العاصمة السورية دمشق (أوتوستراد المزة)، ولبناء دبلوماسي (القنصلية الإيرانية)، وجاء بعد حزمتي قصف الأولى على محيط حلب يوم الجمعة الماضي وأدى إلى استشهاد أكثر من 40 شخصاً، والثاني على محيط بلدتي جمرايا والديماس يوم الأحد الماضي غرب دمشق، ما يعني أن إسرائيل تسعى إلى توسيع نطاق الحرب وتتعمد استفزاز دول الجوار حتى يتسنى لها مواصلة الحرب على قطاع غزة".
وتابع قائلا إن العدوان يؤكد من جديد بأن إسرائيل لا تقيم وزناً للأعراف والمواثيق الدولية والدبلوماسية نتيجة الدعم الأمريكي اللامحدود لها والذي جعلها تتمادى وتتجاوز جميع الخطوط الحمراء ، الأمر الذي أصبح يتطلب تحركا دوليا عاجلا للضغط على واشنطن لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أولا، وثانياً، تحذير إسرائيل من مغبة مواصلة العبث بأمن واستقرار المنطقة وغير ذلك فإن الأمور ستصبح مفتوحة نحو سيناريوهات كارثية تتجاوز حدود المنطقة لتشمل الإقليم والعالم".