(وسائط متعددة) مقالة خاصة: الصين وفرنسا تبنيان زخما لتعاون موجه نحو المستقبل
باريس 6 مايو 2024 (شينخوا) حظي الرئيس الصيني شي جين بينغ باستقبال حار من قبل رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال في مطار باريس أورلي حيث بدأ ثالث زيارة دولة له بعد زيارتيه السابقتين في عامي 2014 و2019.
تأتي هذه الزيارة خلال الذكرى الـ60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وفرنسا، الأمر الذي أكسب الزيارة معنى خاصا باعتبارها فرصة هامة للبناء على الإنجازات الماضية وتوجيه مستقبل العلاقات الثنائية.
خلال الـ60 عاما هذه، ظلت العلاقات الثنائية دائما مواكبة لعلاقات الصين مع الدول الغربية، وهو ما قدم مثالا رائعا للدول ذات النظم الاجتماعية المختلفة على كيفية التعايش في سلام والسعي إلى تحقيق التعاون المربح للجميع، هكذا قال الرئيس شي في مقال ممهور بتوقيعه نُشر لدى وصوله إلى هنا.
وذكر الرئيس شي أن الصين مستعدة لترسيخ الصداقة التقليدية، وتعزيز الثقة السياسية المتبادلة، وبناء توافق إستراتيجي، وتعميق التبادلات والتعاون في مختلف المجالات مع فرنسا من خلال هذه الزيارة.
الرئيس الصيني شي جين بينغ يصل إلى باريس في زيارة دولة إلى فرنسا تلبية لدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 5 مايو 2024. وكان في استقبال الرئيس شي رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال في مطار باريس أورلي لدى وصوله. (شينخوا)
-- جعل الكعكة أكبر
وفقا للبيانات الصادرة عن وزارة التجارة الصينية، ارتفع حجم الاستثمارات الفرنسية المباشرة في الصين في الشهرين الأولين من العام الجاري بنسبة 585.8 في المائة على أساس سنوي.
وكان الرئيس شي قد قال في كلمة ألقاها خلال مراسم اختتام الاجتماع الخامس لمجلس الأعمال الصيني-الفرنسي ببكين في أبريل 2023، إن الصين وفرنسا تمسكتا، في مواجهة الصعوبات والتحديات، بالتعددية الحقيقية وحافظتا على الاتجاه الصحيح للتجارة الحرة والعولمة الاقتصادية، وهو ما عزز بشكل كبير مرونة وحيوية التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.
وتشير دراسة استقصائية أجرتها غرفة التجارة والصناعة الفرنسية في الصين عام 2023 وشملت الشركات الفرنسية في الصين إلى أن العديد من الشركات الأعضاء تعتزم مواصلة الاستثمار في الصين.
فقد قالت باربرا فراي، نائبة الرئيس التنفيذي لشركة ((شنايدر إلكتريك))، في حديثها لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن "أهمية السوق الصينية، من وجهة نظري، لم تتغير". وأعربت عن ثقتها في مكانة الصين كاقتصاد أكثر نضجا وأكبر سوق في الأتمتة الصناعية وسلطت الضوء على دور الصين كـ"محرك للابتكار".
وشاطرها الرأي باتريك تشارينيون، نائب رئيس شركة ((إي دي إف رينيوبلز)) لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهي شركة تابعة لشركة المرافق الكهربائية الرائدة في فرنسا (إي دي إف).
وقال تشارينيون "من الواضح أن الصين، بما لديها من طموحات هائلة فيما يتعلق بتحول الطاقة، وبوصفها رائدة على مستوى العالم في القدرة على إنتاج الطاقة الخالية من الكربون، تعد سوقا مهمة للغاية بالنسبة لشركة ((إي دي إف))".
من خلال دعم المنفعة المتبادلة والتعاون المربح للجانبين، يستمر التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وفرنسا في التوسع، ما يجعل "كعكة" التعاون أكبر. فقد وصل حجم التبادل التجاري بين الصين وفرنسا إلى 78.9 مليار دولار أمريكي في عام 2023.
وتعد الصين الآن أكبر شريك تجاري لفرنسا في آسيا، فيما تعد فرنسا ثالث أكبر شريك تجاري للصين داخل الاتحاد الأوروبي.
وخلال اجتماعه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أبريل من العام الماضي، عبّر الرئيس شي لماكرون عن استعداد الصين العمل مع فرنسا لبناء آلية تنسيق سريع ذات سلسلة كاملة "من المزرعة الفرنسية إلى مائدة الطعام الصينية". وفي الوقت الحاضر، أصبحت هذه الآلية مثالا ساطعا للتعاون العملي بين الصين وفرنسا.
وقد قال ماكسنس بيغارد، رئيس إنتربيف، الرابطة الوطنية الفرنسية للمتخصصين في قطاع الماشية واللحوم، لوكالة أنباء ((شينخوا)) "نحن ننتج لحوم بقر عالية الجودة بفضل نظام الشهادات والتتبع لدينا. وما زلنا بحاجة إلى توصيل تلك الجودة إلى المستهلكين الصينيين".
عملية إنتاج أول طائرة ركاب من طراز "إيرباص-إيه 321" في منشأة خط التجميع النهائي لآسيا في مدينة تيانجين بشمالي الصين في 9 نوفمبر 2022. (شينخوا)
-- التعاون في مجال الابتكار
وقال الرئيس شي في خطابه المكتوب يوم الأحد إن العلاقة بين الصين وفرنسا خلال السنوات الأخيرة، ارتقت نحو آفاق جديدة، إذ أن البلدين يواصلان تحقيق تقدم جديد إزاء التعاون في مجالات الطيران والفضاء الجوي والطاقة النووية والأغذية الزراعية والتنمية الخضراء.
وفي المشروع المشترك، الذي أنشأته مجموعة ((رينو)) وشركة ((مينث)) الصينية لتوريد قطع غيار السيارات الواقع في "وادي البطاريات" بشمال فرنسا، بدأ خطان جديدان للإنتاج في تصنيع صناديق البطاريات للسيارات الكهربائية.
داخل المصنع، تعمل العشرات من روبوتات اللحام وروبوتات المناولة بطريقة منظمة. لقد حققت التكنولوجيات المتقدمة التي جلبها الجانب الصيني الوفر في رأسمال ووقت الشركاء الفرنسيين.
وقال يان بيتوليت، الرئيس التنفيذي لمؤسسة ((نورد فرانس إنفست))، في تصريح تعكس كلماته مشاعر العديد من المدراء التنفيذيين المحليين، إن "ما يهمنا حقا هو أن تكون لدينا هذه الشراكة حتى نتمكن من الاستفادة من الدراية الفنية لهذه الشركات الصينية التي حققت تقدما سريعا جدا، لا سيما في المركبات الكهربائية، وكذلك أيضا في تكنولوجيات المنبع".
في يناير، افتتحت شركة ((إيرباص)) الأوروبية لصناعة الطائرات مركزا مخصصا لخدمة الدورة الكاملة لحياة الطائرات في مدينة تشنغدو، وهو أول مركز من نوعه للشركة خارج أوروبا.
وذكر برايان أغنيو، المدير العام لخدمات دورة الحياة في إيرباص، إن "توسيع وجودنا في السوق الصينية يوفر لنا الفرصة لاكتشاف سبل إضافية للنمو"، مضيفا أن مشروع تشنغدو يدفع إيرباص إلى تسريع تطوير الخدمات المحلية، وهو أمر لا يفيد العملاء الصينيين فحسب، بل أيضا العملاء العالميين.
في صناعة مستحضرات التجميل، أصبحت الصين واحدة من ستة مراكز عالمية للبحث والابتكار وواحدة من ثلاثة مراكز عالمية لتكنولوجيا التجميل لشركة ((لوريال)) الفرنسية، بالإضافة إلى كونها مركزا لتقييم المنتجات.
وكانت فرنسا أول دولة غربية تتعاون مع الصين في مشاريع الطاقة النووية المدنية. ومنذ ذلك الحين، توسع التعاون من المجالات التقنية إلى مجالات البحث التطلعية بدرجة أكبر.
وجاء في بيان مشترك بين الصين وفرنسا في عام 2023 أن "البلدين ملتزمان بمواصلة تعاونهما النووي في موضوعات البحث والتطوير المتقدمة، لا سيما على أساس الاتفاق بين هيئة الطاقة الذرية الصينية واللجنة الفرنسية للطاقات البديلة والطاقة الذرية".
وقال لوه تشينغ بينغ، رئيس المعهد الصيني لإستراتيجية الصناعة النووية، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه خلال العام الماضي، أجرى المعهد أبحاثا تطلعية حول الطاقة النووية لدعم التنمية منخفضة الكربون بالتعاون مع شركة ((إي دي إف)).
وذكر لوه أن "هذه حالة مثالية للتعاون البحثي في مجال التخطيط الإستراتيجي بين الشركات الصينية والفرنسية، مما يعكس التوافق بين الصين وفرنسا في مجال تطوير الطاقة النووية".
الجناح الصيني في المعرض الزراعي الدولي الـ60 في باريس بفرنسا في 26 فبراير 2024. (شينخوا)
-- توسع المنصات المربحة للجانبين
وفي خطاب مصور بمناسبة الذكرى الـ60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وفرنسا، قال الرئيس شي إنه يتعين على البلدين "تجميع قوى التعاون وتقاسم فرص التنمية من خلال الانفتاح".
وبات معرض الصين الدولي للاستيراد بوابة مهمة للسلع الفرنسية لدخول السوق الصينية. ووجه المعرض في دورته الـ7 لهذا العام الدعوة لفرنسا مرة أخرى كضيف شرف. وقالت باسكال ثيفري، مديرة قسم الجناح الفرنسي في وكالة بيزنس فرانس، إن المعرض قد عزز بشكل كبير من تنمية التجارة بين فرنسا والصين.
وعلى الجانب الفرنسي، يعتبر المعرض الزراعي الدولي (صالون الزراعة) في باريس أيضا بمثابة جسر للتعاون الزراعي بين الصين وفرنسا. من فبراير إلى مارس من هذا العام، شارك الجناح الصيني لأول مرة في هذا الحدث السنوي، مع عرضه لتخصصات محلية مثل التوت البري المجفف وشاي قشر الحمضيات، بالإضافة إلى الحرف اليدوية الصينية مثل فنون قص الورق ودمى خيال الظل، مما جذب العديد من العملاء الفرنسيين للحضور ومناقشة سبل التعاون.
لقد شهدت التجارة الإلكترونية عبر الحدود بين الصين وفرنسا طفرة في السنوات الأخيرة. وقال لي مينغ تاو، رئيس معهد البحوث في مركز الصين للتجارة الإلكترونية الدولية، إنه في العامين الماضيين، دفعت منصات التجارة الإلكترونية العديد من الشركات الفرنسية الصغيرة لاستكشاف السوق الصينية.
وأظهرت دراسة أجرتها كلية إس دي أيه بوكوني للإدارة في إيطاليا أنه خلال الفترة من عام 2019 إلى عام 2022، بلغت الصادرات الفرنسية إلى الصين على منصات التجارة الإلكترونية الصينية مثل "تي مول" و"تاوباو غلوبال" 41 مليار يورو (44 مليار دولار)، أي ما يعادل تقريبا إجمالي صادرات إيطاليا وإسبانيا وألمانيا إلى الصين.
وفي الوقت نفسه، عززت منصات التجارة الإلكترونية الصينية مثل "شي إن" و"تيميو" الصادرات الصينية إلى فرنسا، حيث قدمت منتجات عالية الجودة وبأسعار معقولة للمستهلكين الفرنسيين.
كما يزداد التعاون في أسواق الأطراف الثالثة بين الصين وفرنسا تعمقا أيضا. واستثمرت مجموعة ((ستيلانتس))، وهي شركة عالمية رائدة في صناعة السيارات نتجت عن اندماج شركة ((فيات كرايسلر الإيطالية- الأمريكية)) للسيارات ومجموعة ((بي إس إيه)) الفرنسية، 1.5 مليار يورو (1.62 مليار دولار) في أكتوبر من العام الماضي للاستحواذ على قرابة 20 في المائة من أسهم شركة السيارات الكهربائية الصينية ((ليبموتور تكنولوجي)). وبدأ المشروع المشترك المنشئ حديثا في إنتاج السيارات الكهربائية الكاملة تماما في إيطاليا وبولندا، من بين أماكن أخرى.
وفي جمهورية الكونغو، تشترك الصين وفرنسا والدولة الواقعة في وسط أفريقيا في تنفيذ مشروع تشغيل الامتياز للطريق السريع الوطني رقم 1، الأمر الذي يعزز بشكل كبير العمالة المحلية ويحسن رفاه الناس.■