مقالة خاصة: أزمة ارتفاع الدين الأمريكي هي "الأكثر قابلية للتنبؤ"
واشنطن 31 يوليو 2024 (شينخوا) تجاوز دين الحكومة الفيدرالية الأمريكية حاجزا نفسيا آخر وسط مخاوف واسعة النطاق.
وفقا للبيانات التي أصدرتها وزارة الخزانة الأمريكية يوم الاثنين، تجاوز إجمالي الدين العام للحكومة الفيدرالية 35 تريليون دولار أمريكي لأول مرة، كما سُجل في نهاية الأسبوع الماضي، وهو ما يعادل الناتج الاقتصادي المجمع للصين وألمانيا واليابان والهند وبريطانيا.
لماذا يتزايد الدين القومي الأمريكي بوتيرة متسارعة؟ ولماذا لا تنجح الدعوات من كافة القطاعات في إيقاظ الضمير السياسي لمعالجة هذه المسألة؟ وهل بلغ حجم الدين نقطة أزمة حرجة؟
عند مراجعة المسار التاريخي للدين الأمريكي، بات من الواضح أن البلاد أصبحت مدمنة على الاقتراض، اعتمادا على وضع الدولار المهيمن في الاقتصاد العالمي. لقد ارتفع حجم الديون على مسار غير مستدام، مدفوعا بنظام سياسي فاشل وحوكمة غير فعّالة، ما تسبب في أضرار مستمرة على المستويين المحلي والعالمي.
ارتفاع الديون يؤدي إلى ارتفاع مدفوعات الفائدة
تظهر البيانات أن ديون الحكومة الفيدرالية الأمريكية قبل 40 عاما كانت أقل من تريليون دولار. ومع ذلك، فقد نمت بسرعة في الأعوام الأخيرة، متجاوزة 20 تريليون دولار في سبتمبر 2017 و30 تريليون دولار في فبراير 2022.
وتجاوزت نسبة الدين الأمريكي إلى الناتج المحلي الإجمالي 100 بالمئة في عام 2013 وتبلغ حاليا 123.3 بالمئة، وفقا لصندوق النقد الدولي.
لقد أدى الارتفاع السريع في الدين الوطني الأمريكي بشكل مباشر إلى ارتفاع مقابل في مدفوعات الفائدة المستقبلية. وتُظهر البيانات أنه من المتوقع أن تصبح مدفوعات الفائدة على الدين الوطني العنصر الأسرع نموا في الميزانية الفيدرالية على مدى الأعوام الثلاثين المقبلة.
وقالت مؤسسة ((بيتر جي بيترسون))، وهي منظمة غير حزبية تركز على معالجة التحديات المالية طويلة الأجل التي تواجه الولايات المتحدة، "لا نستثمر بما يكفي في مستقبلنا. لكننا ننفق أكثر من ملياري دولار يوميا على مدفوعات الفائدة على الديون".
وفي مؤتمر صحفي عقد أخيرا، قالت جولي كوزاك، المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، إن "الولايات المتحدة بحاجة إلى اتخاذ إجراءات لخفض عجزها المالي المرتفع ووضع الدين على مسار تنازلي. ويتعين علي القول إننا كنا نسلط الضوء على هذه المخاوف منذ فترة طويلة".
وقالت ردا على سؤال من وكالة أنباء ((شينخوا)) "بالنظر إلى المستقبل، تشير تقديراتنا إلى أنه من المتوقع أن يظل صافي مدفوعات الفائدة مرتفعا حتى على الأمد المتوسط. وهذا على أساس العجز المالي الأولي المرتفع والدين العام الناتج عن ذلك. ندعو إلى اتخاذ إجراءات لخفض العجز والدين في هذا الوقت".
من المسؤول؟
إن الدين من بين أكثر المشكلات وضوحا وتأثيرا في القطاعين الاقتصادي والمالي في الولايات المتحدة. وقد وصف الرئيس التنفيذي لبنك ((جي بي مورجان)) تشيس جيمي ديمون الدين العام الأمريكي بأنه "الأزمة الأكثر قابلية للتنبؤ" التي تواجه الاقتصاد الأمريكي. وبالنظرا إلى ذلك، لماذا يستمر خروج الدين عن نطاق السيطرة؟
وقال ديزموند لاكمان، وهو زميل بارز في معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة ومسؤول سابق في صندوق النقد الدولي، لوكالة أنباء ((شينخوا)) في وقت سابق إنه بينما يفضل الجمهوريون تخفيضات الضرائب دون خفض الإنفاق العام، يفضل الديمقراطيون زيادة الإنفاق العام دون زيادة الضرائب.
وقال إن المحصلة النهائية تتمثل في أن البلاد تستمر في عجز الموازنة، مع وجود الدين العام على مسار غير مستدام.
وأشار الخبراء والمراقبون إلى أن المشرعين في واشنطن أظهروا اهتماما ضئيلا بخفض الإنفاق أو تنفيذ إصلاح فعال في الموازنة. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية لعام 2024، فإن الدين القومي ليس موضوعا رئيسيا للمناقشة.
وأفادت صحيفة ((نيويورك تايمز)) أن "المرشحين الرئاسيين الرئيسيين نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد جيه ترامب لم يتحدثا كثيرا عن العجز في أثناء الحملة الانتخابية، ما يشير إلى أن المشكلة الاقتصادية ستتفاقم في السنوات المقبلة".
وقال دين بيكر، اقتصادي بارز في مركز البحوث الاقتصادية والسياسية، لوكالة أنباء ((شينخوا)) "لا يوجد أي دعم للتخفيضات في أي مجالات رئيسية".
وقال باري بوسورث، الخبير الاقتصادي والزميل البارز في معهد ((بروكينغز)) إن "توقعات العجز دليل على نظام ميزانية معيب".
"تساؤلات جدية بشأن الدولار"
في الأساس، تتحمل الولايات المتحدة ديونا جديدة لسداد الديون القديمة، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى هيمنة الدولار، كما قال البعض. يعتقدون أن الولايات المتحدة استغلت تفوق الدولار لتحويل مخاطرها وانتزاع الثروة العالمية من خلال تقلبات أسعار الفائدة.
إلا أن إدمانها طويل الأمد على الاقتراض أدى إلى عجزها عن كبح جماح عاداتها المسرفة، وبالتالي زرع بذور أزمة الدين. وعلى المدى البعيد، قد تعود لتطارد البلاد.
ومع اقتراب الدين الوطني الأميركي من 35 تريليون دولار، حذر محللو ((جي بي مورجان)) المستثمرين في مذكرة جديدة من المخاطر المرتبطة بارتفاع عجز الميزانية ومستويات الدين السيادي المرتفعة. ونصحوا المستثمرين بعدم توقع أي تحسن كبير في التوقعات المالية الأمريكية في الأمد القريب.
قال ديمون في وقت سابق من هذا العام "سيكون السوق هو سبب المشكلة، وعندها ستضطرون إلى التعامل معها، وربما على نحو أكثر إزعاجا مما لو تعاملتم معها منذ البداية".
وأضاف "أعتقد أن أمريكا لابد وأن تدرك تماما أنه يتعين علينا التركيز على قضايا العجز المالي لدينا بشكل أكبر، وهذا مهم بالنسبة للعالم".
كما قال بوسورث إنه في حين أن هذه الأزمة ليست راهنة، فإنها ستصبح أكثر تأثيرا في السنوات المقبلة.
ومن ناحية أخرى، قال لاكمان إن "المسار الخطير" يفرض "تساؤلات خطيرة بشأن الدولار" وتوقعات التضخم في الأمد البعيد. وربما لا يرغب الأجانب في تمويل الحكومة الأمريكية إذا لم يشعروا بأي استعداد حقيقي للسيطرة على الماليات العامة للبلاد.
وقال "قد يؤدي هذا إلى أزمة في الدولار، وقد يتطلب أيضا من بنك الاحتياطي الفيدرالي طباعة النقود لتمويل الحكومة. وسيعمل ذلك بالتأكيد على ارتفاع متجدد للتضخم".