(وسائط متعددة) تقرير سنوي: السودان يودع 2024 بقتال متواصل ونزوح متصاعد مع فشل مبادرات السلام
الخرطوم 23 ديسمبر 2024 (شينخوا) يودع السودان العام 2024 مع تواصل القتال الدموي الدائر في البلاد واتساع رقعته بشكل قاد إلى زيادة موجات النزوح الداخلي والخارجي وتفشي الجوع والأوبئة في ظل غياب فرص السلام مع فشل مبادرات إقليمية ودولية في إقناع طرفي النزاع باللجوء إلى طاولة التفاوض.
ويعاني السودان من حرب دامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه النظامية منذ منتصف أبريل من العام 2023 خلفت، وفق تقديرات دولية، أكثر من 28 ألف قتيل وملايين النازحين داخل البلاد وإلى الخارج.
وعلى مدى أشهر العام 2024، الذي يقترب من نهايته، تواصل القتال بشراسة لتتسع رقعته في البلاد وتمتد إلى مناطق كانت بعيدة عن مسرح الصراع لتتغير مع ذلك خريطة سيطرة ونفوذ طرفي النزاع المسلح.
-- توسع رقعة القتال
فخلال العام 2024 تواصلت العمليات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة السودانية الخرطوم، وولاية الجزيرة وسط البلاد، فيما باتت ولاية سنار (وسط) مسرحا جديدا للقتال، وأضحت مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور مركزا رئيسيا للمواجهات غرب السودان.
ومنذ الأشهر الأولى للعام 2024 تغيرت خارطة السيطرة العسكرية بالعاصمة الخرطوم، إذ حقق الجيش تقدما واضحا ولاسيما في مدينة أم درمان شمالي الخرطوم، ومالت الكفة العسكرية لصالحه بعدما تمكن من استعادة السيطرة على محلية أم درمان الكبرى.
ووسع الجيش من عملياته في العاصمة الخرطوم، وشن أواخر سبتمبر 2024 عملية عسكرية برية بدعم جوي أدت إلى استعادة السيطرة على مناطق في وسط الخرطوم وغربي مدينة الخرطوم بحري.
وفي محور وسط السودان، الذي يشمل ولايتي الجزيرة وسنار، حققت قوات الدعم السريع تقدما خلال النصف الأول من عام 2024، واستطاعت فرض سيطرتها على غالبية ولاية سنار خلال شهري مايو ويونيو.
ولكن الجيش السوداني شن اعتبارا من مطلع أكتوبر حملة عسكرية أسفرت عن استعادة السيطرة على معظم مدن ولاية سنار باستثناء بلدات صغيرة بالولاية تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
وكانت منطقة شرق الجزيرة مسرحا لمواجهات مسلحة عنيفة أعقبت انشقاق قائد قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل، وانضمامه للجيش السوداني في 20 أكتوبر 2024.
كما تستمر المواجهات في محيط مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وتحاول قوات الدعم السريع السيطرة على أكبر مدن إقليم دارفور، والوحيدة بين عواصم ولايات الإقليم الأخرى التي لم تسقط بيدها.
فيما يدافع الجيش السوداني ومجموعات مسلحة متحالفة معه عن الفاشر.
وقال الخبير العسكري السوداني أحمد إسماعيل لوكالة أنباء ((شينخوا)) "من الواضح أن الطرفين يرغبان في حسم الصراع عسكريا، وهذا أمر يبدو بعيد المنال على الأقل في الوقت الراهن".
وأضاف إسماعيل "أن اتساع رقعة الحرب أدى إلى ازدياد كبير في أعداد النازحين واللاجئين، كما ساهم في تدهور الوضع الإنساني وتفاقمه".
ويأمل إسماعيل أن يكون العام 2025 عاما للسلام في السودان.
لكن استمرار المواجهات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع شكل عقبة رئيسية كؤود أمام جهود التسوية السلمية في البلد العربي الإفريقي، الذي أنهكته الحرب، وفق إسماعيل.
-- فرص مستعصية للسلام
وأخفقت مبادرات إقليمية ودولية في إقناع طرفي النزاع في السودان بوقف القتال والاحتكام إلى طاولة التفاوض خلال العام 2024.
ففي بداية العام، سعت المنظمة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا (إيغاد) إلى تفعيل مبادرة للحل السياسي للأزمة السودانية، لكن المبادرة ماتت في مهدها بعد أن أعلن السودان في 20 يناير رفضها وتجميد عضويته في المنظمة.
وشاركت الحكومة السودانية في مداولات نظمتها الأمم المتحدة بمدينة جنيف السويسرية في 13 يوليو الماضي، لكن المداولات فشلت في التوصل إلى أي تفاهمات بعد اعتراضات رسمية سودانية على أجندتها.
كما قاطعت الحكومة السودانية محادثات سلام دعت إليها الولايات المتحدة الأمريكية وعقدت في سويسرا في 14 أغسطس.
ورأى المحلل السياسي السوداني عبد الرازق زيادة، أن المبادرات الإقليمية والدولية لم تتسم بالجدية اللازمة لإنهاء الأزمة المستمرة في السودان.
وقال زيادة "إذا تحدثنا عن مبادرة إيغاد فإنها ولدت ميتة لأن المنظمة لم تستطع كسب ثقة حكومة السودان وإثبات حياديتها تجاه الأزمة السودانية"، مشيرا إلى "إتهامات سودانية رسمية لدول رئيسية في المنظمة بدعم قوات الدعم السريع".
واتهم الولايات المتحدة الأمريكية بأنها لا تتمتع بصفة الوسيط المحايد، قائلا إنه "تاريخيا لم تكن الولايات المتحدة وسيطا محايدا أو نزيها في الشأن السوداني، ولذلك فشلت دعوتها لمباحثات السلام في سويسرا".
وأعرب زيادة عن أمله في أن يولي المجتمع الدولي أهمية متزايدة بالأزمة السودانية، وأن تكون له تدخلات ناجعة في العام 2025.
-- تضاعف النزوح وتفشي الأوبئة وتناقص الغذاء
ومع تواصل الحرب في السودان وتوسع رقعة القتال، تضاعفت أعداد الفارين داخل وخارج البلاد، وتزايد انتشار الأوبئة مع تدهور كبير في قطاع الصحة وتناقص الغذاء بالبلاد.
فبينما كانت أعداد النازحين واللاجئين السودانيين في ديسمبر 2023 نحو 7.1 مليون نازح ولاجئ وفق الأمم المتحدة، تضاعف العدد خلال العام 2024 ليتجاوز 14 مليون شخص، بحسب آخر إحصائية صادرة عن منظمة الهجرة الدولية.
ووفق الإحصائية الأخيرة، هناك 11 مليون نازح داخل البلاد، و3.1 مليون شخص عبروا الحدود إلى دول مجاورة.
وتتكدس ولايات البحر الأحمر، كسلا، والقضارف بشرق السودان، علاوة على ولايتي نهر النيل والشمالية شمالي البلاد وولاية النيل الأبيض (وسط) بآلاف النازحين الذين اضطرّوا لمغادرة منازلهم تحت وطأة القتال.
ومن بين 11 مليون نازح داخل البلاد، يبلغ عدد النساء أربعة ملايين، بينما بلغ عدد الأطفال النازحين ثلاثة ملايين، وفق إحصاءات حكومية.
وغالبا ما يشكو النازحون السودانيون من ضعف الاستجابة الداخلية والدولية لاحتياجاتهم الإنسانية.
ووفق الأمم المتحدة، لم يتم تحصيل إلا 27 في المائة فقط من إجمالي قيمة خطة الاستجابة الإقليمية للاجئين السودانيين للعام 2024 المقدرة بـ 1.51 مليار دولار.
كما حذر تقرير دولي نُشر في 27 يونيو 2024 من خطر حدوث مجاعة في 14 منطقة سودانية، إضافة إلى مستويات مختلفة من انعدام الأمن الغذائي الحاد بأنحاء البلاد.
وحتى أكتوبر من العام 2024 بلغ عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية في السودان 28.9 مليون شخص، بينهم 16.9 مليون بحاجة إلى مساعدات إنسانية منقذة للحياة، وفق مفوضية العون الإنساني الحكومية.
وقال الدكتور عبد الله إبراهيم، وهو خبير في مجال الأمن الغذائي بالسودان إنه "حتى الآن لم يتضح التأثير الحقيقي للحرب علي الوضع الغذائي بالبلاد".
وتابع أنه "ربما تكون أعداد المعرضين لخطر الجوع أكبر من تلك الأرقام المعلنة من قبل الأمم المتحدة وحتى من حكومة السودان".
وأضاف "بالتأكيد هناك مناطق لا تستطيع الأمم المتحدة ولا حكومة السودان الوصول إليها وإجراء إحصاء فيها، لا أحد يعرف حقيقة الوضع في جبال النوبة، وفي مناطق واسعة من دارفور".
وبجانب تزايد النزوح وتناقص الغذاء، تفشى عدد من الأوبئة في السودان، خاصة بسبب موسم الأمطار الذي ضرب مناطق واسعة خلال الفترة من يونيو وحتى أكتوبر 2024.
ووفق إحصاءات راتبة من قبل وزارة الصحة السودانية، تم تسجيل ما يزيد عن 44 ألف إصابة بمرض الكوليرا، كما أصيب نحو 8500 شخص بحمى الضنك.
وأرجع مختصون انتشار الأوبئة إلى تأثيرات الحرب، التي أدت إلى نقص الإجراءات الاحترازية وتراجع حملات التحصين وقلة التدابير المتعلقة بمكافحة أمراض الخريف من قبل الحكومة والمنظمات الدولية.
وقال إختصاصي طب المجتمع الدكتور مهند عوض لـ((شينخوا)) "إن القطاع الصحي تأثر بشدة بسبب الحرب، هناك مؤسسات صحية كثيرة خرجت عن الخدمة في عدة مناطق، وتشردت الكوادر الصحية".
وتابع "نخشى من موجات ثانية لهذه الأمراض، فمع تواصل الحرب وتأثيراتها على القطاع الصحي فإن عوامل انتشارها مازالت متوفرة".■