تقرير سنوي: اقتصادات الشرق الأوسط تعاني بسبب الصراعات الإقليمية في 2024 لكن تعاونها مع الصين يكتسب زخماً

تقرير سنوي: اقتصادات الشرق الأوسط تعاني بسبب الصراعات الإقليمية في 2024 لكن تعاونها مع الصين يكتسب زخماً

2024-12-25 00:15:00|xhnews

إسطنبول 24 ديسمبر 2024 (شينخوا) في ظل فوضى تصاعد الصراعات في الشرق الأوسط في عام 2024، يبرز مشهد اقتصادي معقد؛ ففي الوقت الذي تواجه فيه الدول المتحاربة انتكاسات اقتصادية شديدة الوطأة، تحافظ الدول المنتجة للنفط في الخليج على نمو مطرد مدفوعا بارتفاع أسعار النفط والتحول الاقتصادي الاستراتيجي.

وتدرك أغلب الدول في الشرق الأوسط الآن أهمية السعي نحو تحقيق التنوع الاقتصادي والتنمية المشتركة مع المجموعة الأوسع من الدول النامية. وفي إطار هذا السعي، برز تعميق التعاون مع الصين كإجماع واسع النطاق بين دول المنطقة. وفي العام الجاري، استمر التعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط في التقدم بشكل مطرد.

-- خسائر اقتصادية كبيرة على الدول المتحاربة والدول المجاورة لها

خلفت الصراعات في الشرق الأوسط خسائر بشرية فادحة وألحقت خسائر اقتصادية كبيرة بتلك الدول المنخرطة في الصراعات بشكل مباشر.

أصبح الانهيار الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية وشيكا مع تسجيلها أكبر انكماش اقتصادي على الإطلاق، حيث انكمش اقتصاد قطاع غزة بنحو 86 بالمئة في النصف الأول من 2024، في حين سجلت الضفة الغربية انخفاضا في النشاط الاقتصادي بنسبة 23 بالمئة خلال تلك الفترة وسط تحديات، من بينها أزمة مالية شديدة، وسوق عمل متأزمة، وتفاوتات غير عادلة في الدخل، وضعف الطلب، وذلك وفقا لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن البنك الدولي في ديسمبر تحت عنوان "تأثيرات الصراع في الشرق الأوسط على الاقتصاد الفلسطيني".

ومن المتوقع أن يكون للاضطرابات السياسية في سوريا عواقب بعيدة المدى، ما سيؤدي إلى تفاقم سوء الوضع الاقتصادي المتدهور بالفعل في البلاد. ورغم أن الحكومة السورية المؤقتة أعلنت عزمها على الشروع في إصلاحات اقتصادية، فإن التوقعات الاقتصادية الأوسع نطاقاً تظل غير مؤكدة.

وفي لبنان، رغم التوصل في الآونة الأخيرة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن الهجمات الإسرائيلية التي استمرت طويلا قد أدت إلى تدمير البنية التحتية، وإضعاف الخدمات العامة، وإعاقة التقدم الاقتصادي في البلاد.

وتعاني أيضا إسرائيل، التي تخوض قتالا متزامناً على جبهات عدة، تداعيات اقتصادية كبيرة. وقد خفض البنك المركزي الإسرائيلي توقعات النمو لعام 2024 إلى 0.5 بالمئة، وذلك في ظل التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها البلاد، والتي من بينها تضرر قطاع الأعمال بشدة، وانخفاض الاستثمارات الأجنبية، وانخفاض تدفقات رأس المال من المستثمرين الدوليين.

وفي الوقت نفسه، تأثر الأردن المجاور بانخفاض عائدات السياحة، وفقًا لتقرير آخر للبنك الدولي نُشر في منتصف أكتوبر.

وذكرت رامونا مبارك، رئيسة إدارة المخاطر لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في فيتش سولوشنز، أن قناة السويس، وهي مصدر رئيسي للعملة الأجنبية لمصر، كانت تولد عائدات تقدَّر بنحو 750 مليون دولار أمريكي شهريا، لكن عائداتها انخفضت بشكل كبير في العام الجاري، وبلغ متوسطها 300 مليون دولار شهريا.

وتواجه تركيا، التي تشترك في حدود طويلة مع سوريا، تحديات اقتصادية كبيرة أيضا، تشمل التضخم وانخفاض قيمة العملة بشكل حاد. بالإضافة إلى ذلك، تتعرض البلاد لضغوط من استضافة ملايين اللاجئين، وتدهور العلاقات التجارية مع إسرائيل- شريكها التجاري الإقليمي الرئيسي- وإدارتها التداعيات الأوسع نطاقًا جراء الصراعات الإقليمية الجارية.

وتوقع صندوق النقد الدولي في أكتوبر الماضي أن تحتاج اقتصادات الشرق الأوسط إلى فترات طويلة لتحقيق التعافي، مع انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10 بالمئة حتى بعد 10 سنوات من نهاية الصراع.

-- استقرار اقتصادي للدول السلمية

رغم تكرار النزاعات المسلحة، فإن بعض الدول تمكنت من الحفاظ على الاستقرار والنمو الاقتصادي من خلال التنويع الاستراتيجي والإصلاحات الاستراتيجية.

وتوقع البنك الدولي في تقريره الصادر في منتصف أكتوبر، أن تحقق منطقة الشرق الأوسط نموا متواضعا مع ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي من 1.8 بالمئة في عام 2023 إلى 2.2 بالمئة في عام 2024. ويعود هذا الارتفاع إلى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي من المتوقع أن تسجل ارتفاعا في النمو الاقتصادي من 0.5 بالمئة في عام 2023 إلى 1.9 بالمئة بنهاية عام 2024.

تبقى عائدات النفط والغاز حاسمة بالنسبة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث تواصل السعودية والإمارات والكويت وقطر الاستفادة من احتياطاتها الكبيرة من الطاقة.

بالإضافة إلى ذلك، تسعى تلك الدول إلى إطلاق العنان للمزيد من القطاعات الواعدة إلى جانب الصناعات الأساسية التقليدية.

فقد استثمرت دولة الإمارات العربية المتحدة بصورة كبيرة في قطاعات مثل السياحة والعقارات والمالية والتكنولوجيا.

وفي الوقت نفسه، تركز رؤية السعودية 2030 على إحداث تحول في اقتصاد البلاد عبر التوسع في القطاعات غير النفطية مثل قطاعات الترفيه والسياحة والصادرات غير النفطية، ما يفتح آفاقاً جديدة أمام الاستثمار الأجنبي.

وخلال مقابلة في أواخر أكتوبر الماضي، قال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، إن الصراعات الجيوسياسية في المنطقة كان لها تأثير غير مباشر على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لكن هذا التأثير محدود.

وأضاف أزعور أنه من المتوقع أن يصل نمو القطاع غير النفطي في اقتصادات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلى 3.7 بالمئة لعام 2024 وإلى نسبة 4 بالمئة لعام 2025، بدعم جزئي من جهود التنويع الاقتصادي الجارية.

وفي الوقت نفسه، تُظهر مصر، التي لم تشارك بشكل مباشر في الصراعات، علامات التعافي على الرغم من مواجهة تحديات كبيرة، مثل ارتفاع التضخم. وتوقع تقرير نشرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الاقتصادية في 4 ديسمبر الجاري أن يصل النمو الاقتصادي في مصر إلى 3.7 بالمئة خلال السنة المالية الحالية 2024/2025 ، مدفوعا بتراجع الضغوط التضخمية، وتعافي الطلب المحلي، والمشروعات الاستثمارية الناشئة، ونمو صادرات الغاز والنفط. ومن المتوقع أن يتعزز النمو بشكل أكبر خلال السنتين الماليتين المقبلتين، مع توقعات بتحقيق نمو بنسبة 5.0 ونسبة 5.2 بالمئة على التوالي.

أما تركيا، التي تعاني مشكلات اقتصادية لا صراعات، فقد نفذت سلسلة من السياسات النقدية والمالية، ما يشمل إدخال تعديلات على أسعار الفائدة، وغيرها من الجهود الرامية إلى استقرار العملة المحلية وترويض التضخم المرتفع. وشهدت تركيا انخفاضا في معدل التضخم السنوي إلى 47.09 بالمئة في نوفمبر، مسجلاً أدنى مستوى له منذ يونيو 2023. وبالإضافة إلى ذلك، نفذت الحكومة التركية تدابير للسيطرة على ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة مع التركيز على تعزيز الإنتاج المحلي والحد من الاعتماد على الواردات لتخفيف الضغوط التضخمية.

-- تنمية اقتصادية أفضل عبر التعاون مع الصين

خلال العام الماضي، جلب التعاون مع الصين الحيوية والزخم إلى الكثير من الاقتصادات في الشرق الأوسط.

وفي مقابلة مع وكالة أنباء ((شينخوا)) في سبتمبر الماضي، قال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، إن التجارة بين الصين والسعودية تواصل النمو بوتيرة متسارعة، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بينهما 100 مليار دولار في عام 2023. وأضاف أن هذا الاتجاه الصعودي امتد إلى النصف الأول من عام 2024.

وأضاف الفالح أن هناك نحو 750مشروعا مشتركا أو شركة صينية تعمل حاليا في السعودية وتساهم في مشروعات بناء كبرى،منها مشروع نيوم العملاق.

من جانبه، قال وزير المالية السعودي،محمد الجدعان، في مقابلة حصرية مع وكالة أنباء ((شينخوا)) على هامش الدورة الثامنة لمبادرة مستقبل الاستثمار، الذي استضافته الرياض في أكتوبر الماضي، إن "الصين تقود العالم أجمع في مجال الصناعة الخضراء والطاقة المتجددة. وهناك العديد من التقنيات- كما في مجالات السيارات والبطاريات والروبوتات - التي يحاول العالم أن يحذو حذو الصين فيها".

وفي عام 2024، كثفت الصين تعاونها مع مصر، وخاصة في قطاع التصنيع. ومن خلال إنشاء المصانع في مصر، تعمل الشركات الصينية على خلق فرص عمل والمساعدة في سد فجوة القدرة التصنيعية في البلاد.

وفي العراق، دخلت العديد من الشركات الصينية في شراكات مع شركات محلية في مجال التنقيب عن النفط والغاز على مدار العام الماضي، ما أدى إلى خفض تكلفة تطوير قطاع النفط والغاز في البلاد وتسهيل التحديث المتكرر لصناعة الطاقة المحلية.

وفي أواخر أبريل، تم توقيع اتفاق لأكبر طلبية في العالم لبناء السفن، بين شركة بناء السفن الصينية وقطر للطاقة. وبموجب الاتفاق، ستقوم شركة بناء السفن الصينية ببناء 18 سفينة ضخمة لنقل الغاز الطبيعي المسال، لصالح قطر، حيث تبلغ سعة حمولة كل سفينة منها 271 ألف متر مكعب.

وقد سجلت التجارة بين الصين وتركيا نموا مطردا، حيث أصبحت الصين واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لتركيا. وتشمل صادرات الصين إلى تركيا بشكل أساسي الآلات والمعدات الكهربائية والمنتجات عالية التقنية. في المقابل، تشمل صادرات تركيا إلى الصين بشكل أساسي المنتجات الزراعية والمنسوجات والمعادن، من بين صادرات أخرى.

وعملت الدولتان أيضا على تعزيز التبادلات السياحية والثقافية، حيث أصبحت الصين مصدرا مهما للسياح إلى تركيا على نحو متزايد.

وقال الأمين العام لغرفة التجارة المصرية-الصينية، الدكتور ضياء حلمي ، إن الصين تتعاون مع الشرق الأوسط بمبادرات تهدف إلى تعزيز المصالح المشتركة، وتعزيز النمو، والحفاظ على السلام.

وأضاف أن الصين، التي طورت علاقات فريدة وموثوقة مع دول المنطقة، تنتهج سياسات لمساعدة الشرق الأوسط على أن يصبح أكثر استقرارا وأمنا. 

الصور