تقرير سنوي: جهود مصرية مكثفة لوقف إطلاق النار في غزة تصطدم بتعنت إسرائيلي مدعوم أمريكيا
القاهرة 24 ديسمبر 2024 (شينخوا) على مدار العام 2024 استمرت الجهود المكثفة والاتصالات الحثيثة التي بذلتها مصر على كافة المستويات بغية التوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والسماح بانفاذ المساعدات الإنسانية لمواجهة الظروف اللإنسانية الملحة التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة، غير أن هذه الجهود اصطدمت بالتعنت الإسرائيلي المدعوم بقوة من الولايات المتحدة الأمريكية.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حربا واسعة النطاق ضد حركة حماس في غزة، أدت إلى مقتل أكثر من 45 ألف فلسطيني ودمار كبير في المنازل والبنية التحتية بعد أن شنت حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل أودى بحياة أكثر من 1200 إسرائيلي واحتجاز رهائن، وفق السلطات الإسرائيلية.
وفرضت إسرائيل سيطرتها على محور فيلادلفيا وأغلقت معبر رفح الحدودي مع مصر والذي كان يستخدم في إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، كما أغلقت معبر كرم سالم وغيرهما.
-- الجهود المصرية لوقف إطلاق النار في غزة وتخفيف أثار الأزمة
وتبذل مصر منذ 7 أكتوبر 2023 مع مختلف المستويات جهودا مكثفة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، والتوصل لتفاهمات بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والتخفيف من حدة أثار الأزمة اللانسانية على سكان قطاع غزة في ظل ما يتعرضون له من حرب إبادة وتجويع مستمرين.
وقامت السلطات المصرية بإقامة مخيم مؤقت جنوب قطاع غزة للنازحين الفلسطينيين الذين اضطرتهم الهجمات الإسرائيلية على شمال القطاع بالنزوح إلى الجنوب، ريثما التوصل لوقف إطلاق النار والسماح بعودتهم إلى منازلهم مرة أخرى.
واستضافت مصر وشاركت في عدد من جولات التفاوض بين إسرائيل وحماس سواء بشكل منفرد أو بالشراكة مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية، بهدف التوصل إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار في القطاع.
وعقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، العديد من لقاءات القمة سواء على المستوى الثنائي أو المتعدد، لحشد الرأي العام الدولي لدعم جهود وقف إطلاق النار ونفاذ المساعدات وإنهاء معاناة المدنيين بالقطاع.
كما قامت مصر بطرح العديد من المقترحات والأفكار للتقريب بين الجانبين ودعمت بعض المقترحات التي قدمتها قطر وكذلك التي كانت تقدمها واشنطن للحيلولة دون استمرار الصراع الدائر في قطاع غزة، والتأكيد على ضرورة عدم امتداد الصراع إلى دول أخرى بالإقليم.
ويرى الدكتور عبد المهدي مطاوع مدير منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي، أن الدبلوماسية المصرية بدأت منذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وشهد العام 2024 الكثير من الجهود والفعاليات التي احتضنتها أو شاركت فيها مصر بهدف تحقيق وقف إطلاق النار في القطاع
وأشار مطاوع، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إلى أن مصر قدمت مقترحين خلال هذه الحرب، ما سمي بعد ذلك بـ "خطة بايدن"، مضيفا "وحتي الخطة المطروحة حاليا هي أساسها الخطط المصرية التي قدمت من فكرة المراحل والوصول إلى إنهاء الحرب في ظل أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان يرفض الحديث عن إنهاء الحرب".
وأضاف أن هذه التطورات لم تكن لتحدث لولا الدبلوماسية المصرية النشطة التي أدت إلي تقريب وجهات النظر بين ما يطلبه نتنياهو وما تعتبره حماس خطوط حمراء، إضافة إلى العديد من المؤتمرات التي شاركت فيها مصر ودورها في الأمم المتحدة لإصدار قرارات تتعلق بإيقاف الحرب.
وأعرب عن اعتقاده بأن هذا الدور المصري لا يمكن لأي طرف أن يتخطاه، بالإضافة إلى أن الترتيبات التي تتعلق باليوم التالي للحرب، فإن مصر هي من تملك هذا الملف أيضا في إطار فلسطيني بمعني أنها قدمت مقترحا لخلق لجنة بين السلطة الفلسطينية وحماس من أجل نزع ذرائع إسرائيل.
-- محورية الدور المصري لوقف النار في القطاع
تعد القضية الفلسطينية قضية محورية وقضية أمن قومي في توجهات السياسة المصرية، التي ارتبطت بالقضية الفلسطينية وأزماتها منذ نشأتها عام 1948 وحتى الأن، وخاضت مصر عدة حروب مع إسرائيل في هذا الاطار.
لم يتوقف الأمر عند المواجهات العسكرية عبر تاريخ القضية الفلسطينية الممتد، بل أن دور مصر في الوساطة بين إسرائيل وحركة حماس هو دور جوهري وليس وليد اليوم، وقامت بأدوار مماثلة خلال المواجهات بين الجانبين منذ عام 2008 مرورا بأعوام 2012 و2014 و2021 و2023، وإن كانت المواجهة الأخيرة تختلف كثيرا عن سوابقها.
وأكدت الدكتورة سماء سليمان وكيل لجنة الشؤون الخارجية والعربية والأفريقية بمجلس الشيوخ (البرلمان)، أن دور مصر لوقف إطلاق النار في قطاع غزة يعد من الأدوار البارزة والفعالة في المنطقة، نظرا لعدة عوامل تجعلها في موقع متقدم للوساطة بين الأطراف المتنازعة.
وأضافت سماء سليمان، أنه بفضل موقع مصر الجغرافي، فإنها تعد شريكاً أساسياً للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، ولديها علاقات دبلوماسية قوية مع كلا الطرفين، علاوة على أن مصر تمتلك تأثيراً كبيراً على حركة "حماس" نظراً للعلاقة التاريخية التي تربطها بها، إضافة إلى أنها تلعب دوراً مهماً في العلاقة مع السلطة الفلسطينية.
وأشارت إلى أنه في أوقات التصعيد غالباً ما تكون مصر هي الدولة الأكثر نشاطاً في جهود الوساطة، حيث تسعى لوقف إطلاق النار وتحقيق تهدئة بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، حيث تقوم مصر بالضغط على "حماس" لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وفي الوقت نفسه، تحرص على أن تلتزم إسرائيل بمبادئ التهدئة، وتعمل على توفير ضمانات لعدم تجدد العنف.
وهو ما يتفق معه الدكتور عبد المهدي مطاوع ، مؤكدا أن الدور المصري فعليا هو دور محوري وأساسي لعدة اعتبارات من بينها ارتباط مصر بعلاقات جيدة مع الفصائل الفلسطينية سواء تتبع منظمة التحرير الفلسطينية أو خارجها، كما أن مصر لديها حدود مباشرة مع الطرفين غزة وإسرائيل وهذا يعطيها دورا مهما وأساسيا في ترتيبات الأمن لأي اتفاق.
وأشار مطاوع إلى العلاقات التاريخية والجغرافية بين قطاع غزة ومصر باعتبار أن هناك عائلات ممتدة على طرفي الحدود، إضافة إلى أن مصر تمتلك الملف الفلسطيني ولديها القدرة للتعامل مع هذا الملف بشكل أساسي وبخبرة متراكمة لذلك لديها القدرة على تذليل العقبات.
ونوه إلى أن مصر أيضا لديها علاقات واتفاقيات مع إسرائيل وهو ما يعطي مصر دورا مهما، مشيرا إلى أن هذه الاتفاقيات ليست فقط سياسية لكنها على مستوى يتعلق بالحدود والأمن، لذلك فإن الدور المصري محوري وأساسي في الوساطة بين حماس وإسرائيل.
-- التعنت الإسرائيلي
على مدار العام ورغم الجهود الضخمة التي بذلتها الدبلوماسية المصرية على مختلف المستويات، إلا أنها اصطدمت بالتعنت والرفض الإسرائيلي، واستمرار إسرائيل في تدمير كل بنية القطاع واستهداف مؤسساته المدنية بما فيها المنظومة الطبية والتوسع في استهداف المدنيين وعمال الإغاثة وغيرهم.
ورغم التأكيدات الدولية منذ بداية الأزمة في السابع من أكتوبر عام 2024 على ضرورة ضمان عدم امتداد الصراع إلى دول أخرى وتحويله إلى حرب إقليمية، إلا أن الاعتداءات الإسرائيلية امتدت إلى لبنان وسوريا وإيران واليمن.
ورفضت إسرائيل كل مقترحات التهدئة ووقف إطلاق النار حتى ولو بشكل مؤقت، بما في ذلك ما أطلق عليه "خطة بايدن"، ما ساهم في تفاقم الخسائر البشرية والمادية في قطاع غزة الذي تعرض لأشبه ما يكون بحرب إبادة جماعية، بحسب وصف جامعة الدول العربية.
وأرجع الدكتور مختار غباشي الأمين العام لمركز الفارابي للدراسات، تعطيل إسرائيل الوصول إلى اتفاق تهدئة إلى أنها ترى أن الأمر فرصة لإنهاء ما تبقي من معالم الدولة الفلسطينية المستقبلية وهي تريد خروج قطاع غزة من الحياة وقد فعلت، مشيرا إلى أن 80% من مقدرات القطاع دمرت بالكامل، وأن إسرائيل تسعى إلى اخراج المقاومة الفلسطينية من دائرة المواجهة.
وأوضح غباشي، لوكالة أنباء ((شينخوا))، أن اسرائيل دائما تعطل الوصول إلى اتفاق تهدئة أملا في الوصول إلى حلم اسرائيلي وهو أن تنهي ما تبقي من معالم الدولة الفلسطينية المستقبلية وأن تنهي المقاومة، معربا عن اعتقاده باستحالة تحقيق إسرائيل لهذا الهدف.
-- الدعم الأمريكي والغربي وتأثيره على الموقف الإسرائيلي
من اللحظة الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تحظى إسرائيل بدعم غير محدود من الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، سواء كان دعما سياسيا، وإشهار ألـ "فيتو" في مجلس الأمن ضد أي قرار يدين إسرائيل أو يدعوها لوقف إطلاق النار في القطاع.
ذلك بالإضافة إلى الدعم العسكري الذي تنوع بين إرسال حاملات الطائرات والقطع البحرية والقوات العسكرية لدعم الحرب الإسرائيلية على القطاع أو الإمداد المستمر لإسرائيل، بأحدث ما تضمه الترسانة الأمريكية من سلاح والتي تم استخدامها بالفعل في الحرب على القطاع، فضلا عن الدعم الاقتصادي المستمر للميزانية والاقتصاد الإسرائيلي لمنعه من الانهيار نظرا لطول فترة الحرب.
ويؤكد الدكتور مختار غباشي، أن إمداد الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا لإسرائيل بالسلاح بلا حدود هو ما جعل إسرائيل تصر على استمرار الحرب طوال هذه الشهور، رغم أنها دولة ليست من أصحاب الحروب الطويلة.
ولفت غباشي إلى أن الدور الأمريكي في ملف التهدئة في غزة دور موجود ولا بديل عنه حتى الأن، ولكن يظل هذا الدور يقف خلف إسرائيل لتحقيق مخططها، مشددا على أنه لو مارست الولايات المتحدة الحياد كان الصراع قد انتهى داخل قطاع غزة وتم الوصول إلى وقف إطلاق النار.
وترى الدكتورة سماء سليمان، أن الدور الأمريكي أثار العديد من الانتقادات نظراً لدعمه غير المشروط لإسرائيل في تصعيدها ضد الفلسطينيين، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تقدم دعماً عسكرياً ومالياً ضخماً لإسرائيل، وهو يعد عاملاً مهماً في استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة.
وأشارت سماء سليمان إلى أنه في العديد من الحالات، استخدمت واشنطن حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي لمنع إصدار قرارات تدين إسرائيل، مما يعزز الانتقادات المتعلقة بانحيازها التام للجانب الإسرائيلي.
وأوضحت أن الفرق بين الدور المصري والدور الأمريكي يتمثل في أن القاهرة تعمل على تحقيق التوازن بين مصالحها الوطنية وأمن المنطقة، بينما تتبنى واشنطن سياسات تسعى إلى تعزيز التفوق العسكري الإسرائيلي، مما يؤثر سلباً على فرص تحقيق السلام المستدام في المنطقة.