مقالة خاصة: سيهانوك -- الأب المؤسس لاستقلال كمبوديا
بنوم بنه 13 يناير 2025 (شينخوا) عند التقاطع المزدحم بين شارع نورودوم وشارع سيهانوك في العاصمة الكمبودية بنوم بنه، يرتفع نصب الاستقلال المصنوع من الطوب الأحمر، تكريما لنورودوم سيهانوك، "الأب المؤسس للاستقلال" في كمبوديا.
كانت حياة سيهانوك رحلة استثنائية امتدت 90 عاما، ومليئة بالتقلبات.
ولد سيهانوك في العائلة المالكة، وشهد شخصيا الفوضى التي أحدثها المستعمرون في وطنه الأم، مما دفعه للالتزام بالنضال من أجل استقلال البلاد. وتحمل فترة طويلة من المنفى بعد الانقلاب وقاد كمبوديا لتحقيق الاستقلال الوطني قبل أن يعود إلى أرض الوطن.
تميزت حياة سيهانوك بنضاله الدؤوب من أجل استقلال كمبوديا والمصالحة والتنمية وإحياء الأمة. لقد لعب دورا محوريا في إيقاظ هذه الأمة العريقة.
-- ملك "دمية"
يرجع اسم عائلة سيهانوك إلى جده الأكبر، نورودوم. وسقطت كمبوديا تحت الحكم الاستعماري خلال فترة حكم الملك نورودوم بعدما وسعت القوى الغربية سيطرتها في المنطقة.
في عام 1863، وصل الأدميرال الفرنسي بيير بول دي لا غرانديير إلى العاصمة الكمبودية آنذاك، أودونغ، وأجبر الملك نورودوم على توقيع معاهدة حماية. وبعد فترة وجيزة، أسس شاسيلوب لوبات، وزير البحرية والمستعمرات الفرنسي، كمبوديا كمحمية فرنسية، وهو ما أدى لاحقا إلى إنشاء مدرسة شاسيلوب لوبات الثانوية في سايغون (التي تُعرف الآن بمدينة هو تشي منه في فيتنام)، وهي المدرسة التي ارتادها كل من سيهانوك ووالده سوراماريت.
وكان الملك نورودوم، الذي قاوم ضم بلاده، قد أدخل إصلاحات طموحة تهدف إلى التغلب على ركود الأمة وتحقيق الاكتفاء الذاتي. ومع ذلك، كانت هذه الإصلاحات بطبيعتها غير مقبولة بالنسبة للقوى الاستعمارية.
في عام 1884، تخلى تشارلز طومسون، الحاكم العام الفرنسي لكوتشينشينا في ذلك الوقت، عن ذريعة "الحماية" وغزا القصر الملكي الكمبودي بقواته. وتحت الضغط، أُجبر الملك نورودوم على التنازل عن جميع سلطاته من خلال معاهدة، مما أدى فعليا إلى فقدان السيطرة على كمبوديا في كل المستويات لصالح الفرنسيين.
وكما كتب سيهانوك في مذكراته، "فقد الملك نورودوم كل سلطاته منذ توقيعه على معاهدة 1884 التي فرضتها عليه فرنسا... لقد أدت المعاهدة إلى إهانة الملك نورودوم وجعلت من ملك الخمير دمية في يد السلطات الفرنسية".
وفرض الفرنسيون على كمبوديا استغلالا واسع النطاق. ولشعوره بالقلق الشديد، أرسل الملك نورودوم ابنه الأكبر، نورودوم يوكانثور (العم الأكبر لسيهانوك)، إلى باريس بهدف فضح وإدانة الانتهاكات التي ارتكبها المستعمرون الفرنسيون.
كإجراء انتقامي، أصدر الفرنسيون أمر اعتقال بحق يوكانثور، مما اضطره للجوء أولا إلى بريطانيا ثم إلى سيام (المعروفة حاليا بتايلاند). وبقي في المنفى هناك حتى وفاته في بانكوك عام 1934.
كان الاستيعاب الثقافي جزءا أساسيا من الحكم الاستعماري الفرنسي. ففي عام 1892، أعلن البرلمان الفرنسي الهند الصينية (التي تشمل اليوم كمبوديا ولاوس وفيتنام) مستعمرة "مستوعبة". ولتعزيز هيمنة الثقافة الفرنسية في كمبوديا، اتخذت السلطات الاستعمارية سلسلة من التدابير لتقييد تطور الثقافة المحلية، ليس أقلها اعتبار اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية، وفتح عدد قليل جدا من المدارس في جميع أنحاء البلاد، وتوظيف معلمين فرنسيين للتدريس بشكل أساسي باللغة الفرنسية، وتقديم دورات في التاريخ الفرنسي بدلا من التاريخ الكمبودي، وذلك لجعل الشعب خاضعا للحكم الاستعماري.
تحت هذا الضغط الثقافي، اضطرت العائلة المالكة الكمبودية للخضوع. عندما كان سيهانوك طفلا، أخبرته والدته أن الخمير الذين يتقنون اللغة الفرنسية فقط هم من يمكنهم الحصول على مناصب جيدة في الحكومة، لذلك طلبت منه الالتحاق بـ"أفضل المدارس التي تضم أفضل المعلمين الفرنسيين" مهما كان ثمن. وتم إرسال سيهانوك إلى المدرسة الابتدائية العليا في بنوم بنه حيث درس الفرنسية، ولاحقا إلى مدرسة شاسيلوب لوبات الثانوية في سايغون.
كما وصف الباحث الكمبودي سونغ سيف التأثير طويل الأمد للحكم الاستعماري الفرنسي في كتابه حركة الحضارة، فإن ممارسات الحكام الاستعماريين الفرنسيين جعلت العديد من الكمبوديين يكرهون لغتهم الخاصة. وحتى في عهد سيهانوك بعد الاستقلال، كان لا يزال هناك كمبوديون يكرهون لغتهم الخاصة ويقاومون بشدة استخدام اللغة الخميرية للتواصل والمراسلات. هذا التأثير هو امتداد للحكم الاستعماري الفرنسي الذي أثر على اللغة والثقافة الوطنية الكمبودية.
-- نهب المستعمرين
بعد وفاة الملك نورودوم في عام 1904، قامت السلطات الاستعمارية الفرنسية، غير الراضية عن مقاومة عائلة نورودوم المالكة، بمنع الأمير نورودوم من اعتلاء العرش. وبدلا من ذلك، اختاروا أخاه غير الشقيق، سيسواث، الذي ساعد في قمع "تمردين" لصالح الفرنسيين. وقال سيهانوك لاحقا إنه منذ إنشاء الحماية، كان الفرنسيون في الواقع هم من يوجهون المجلس الأعلى للعرش لاختيار الملك.
بعد وفاة سيسواث في عام 1927، خلفه ابنه مونيفونغ. وخلال فترة حكمه، افتتح الفرنسيون عددا من مزارع المطاط في كمبوديا، والتي شكلت ثلث الإنتاج الإجمالي لاتحاد الهند الصينية الفرنسي. وحققت هذه المزارع أرباحا طائلة للفرنسيين.
وراء الأرباح الطائلة كان هناك استغلال وحشي لعمال المطاط. فقد قام الصحفي الأسترالي ويلفريد بورشيت، وهو صديق لسيهانوك، بزيارة مزرعة المطاط الفرنسية في مقاطعة كامبونغ تشام، ووصف الظروف اللاإنسانية هناك: كان على العمال الاستيقاظ في الساعة الثالثة صباحا، والاصطفاف لتسجيل الحضور في الرابعة صباحا، ثم بدء العمل في الخامسة صباحا حتى غروب الشمس. وكانت ظروف العمل سيئة والجهد شاقا والبعوض منتشرا، مما أدى إلى إصابة العديد من العمال بالأمراض المميتة. وكان أصحاب المزارع الفرنسيون لا تأخذهم شفقة ولا رحمة، حيث كانوا يستبدلون العمال المتوفين بآخرين جدد، ويزرعون شجرة مطاط فوق جثة كل عامل متوفى.
كانت أماكن المعيشة أشبه بالسجون حرفيا، محاطة بأسلاك شائكة وحرسة مشددة، مع وجود قوات مستعدة للتدخل في حالة حدوث أي طارئ.
واعتقد سيهانوك سابقا أن المستعمرين سيغيرون البنية الاجتماعية لكمبوديا ويلغون العبودية والقنانة لكنه لم يتوقع أن يكون استغلال المستعمرين أشد وحشية. في ظل نهب المستعمرين الفرنسيين، لم يكن في كمبوديا أي صناعة تقريبا باستثناء معالجة المنتجات الزراعية وإنتاج المطاط، مما ترك الاقتصاد متخلفا والشعب فقيرا والأوبئة منتشرة. وتحولت كمبوديا، التي كانت يوما غنية، إلى واحدة من أفقر المناطق في آسيا.
خلال الحرب العالمية الثانية، أدى استسلام فرنسا لألمانيا النازية إلى إضعاف قبضتها الاستعمارية في آسيا. وفي عام 1941، وقعت حكومة فيشي الفرنسية معاهدة مع تايلاند تنازلت بموجبها عن عدة مقاطعات كمبودية.
وقال سيهانوك إن جده مونيفونغ كان يأمل في أن "تحمي" فرنسا كمبوديا، لكن العكس تماما هو ما حدث. وفي أبريل 1941، توفي الملك مونيفونغ في قصره على جبل بوكور في مقاطعة كامبوت.
-- المسيرة نحو الاستقلال
بعد وفاة الملك مونيفونغ، اختارت السلطات الاستعمارية الفرنسية حفيده نورودوم سيهانوك ليرث العرش. ولكن ما لم يتوقعه الفرنسيون هو أن الشاب الذي اختاروه لم يكن كما أرادوه ملكا مطيعا. بل أصبح الشخص الذي سيعمل على إنهاء الحكم الاستعماري الفرنسي لكمبوديا.
ولد سيهانوك في 31 أكتوبر 1922، وكان سليل فرعي العائلة المالكة نورودوم وسيسواث. وأعطاه جده، الأمير نورودوم سوثاروت، اسما من اللغة البالية الهندية القديمة، يعني "الأسد".
لضمان امتثال سيهانوك، عين الفرنسيون ثلاثة فرنسيين لتولي مناصب مساعد ومستشار شخصي وسكرتير للملك الجديد. ومع ذلك، تجاهل الملك الشاب "النوايا الحسنة" للفرنسيين واستمر في السعي لاستقلال كمبوديا.
في ذلك الوقت، تعرضت الإمبراطوريات الاستعمارية التقليدية مثل فرنسا لضربة قوية في الحرب العالمية الثانية. واستغل سيهانوك انتصار اليابان على السلطات الاستعمارية الفرنسية في الهند الصينية وأعلن استقلال كمبوديا. وبعد الحرب، عاد الفرنسيون، ومنحوا كمبوديا اسميا وضع "بلد بتمتع بالحكم الذاتي" ولكنهم في الواقع كانوا يتلاعبون بالبلاد.
وقتذاك، كانت الحركات المناهضة للاستعمار تجتاح العالم. وازداد زخم حركة التحرير الوطني في الهند الصينية. واغتنم سيهانوك الظروف الدولية والمحلية المواتية، ودفع المجتمع الدولي للضغط على فرنسا.
في النهاية، اضطرت فرنسا إلى تقديم تنازلات ونقل كافة السلطات السيادية إلى كمبوديا. وفي 9 نوفمبر 1953، أعلن سيهانوك استقلال كمبوديا، منهيا 90 عاما من الحكم الاستعماري الفرنسي.
لطالما مثل الاستقلال الوطني التزاما مدى الحياة بالنسبة لسيهانوك. وللحفاظ على سيادة كمبوديا، تبنى سياسة خارجية محايدة، وامتنع عن الانضمام إلى أي كتل قوة.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، سعت الولايات المتحدة إلى الهيمنة على جنوب شرق آسيا وأنشأت منظمة معاهدة جنوب شرق آسيا في عام 1954، وضمت كمبوديا إلى "منطقتها المحمية". ثم زار مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ألين دالاس بنوم بنه لإقناع سيهانوك بقبول "الحماية" الأمريكية، لكنه رفض قائلا "كدولة محايدة وبوذيين، سنتولى أمورنا بأنفسنا".
وفي مؤتمر باندونغ عام 1955، أعلن سيهانوك أن كمبوديا ستظل محايدة ولن تُستخدم أبدا كقاعدة للعدوان الأجنبي.
وأثارت هذه المواقف غضب الولايات المتحدة. وفي مارس 1970، شنت مجموعة لون نول-سيريك ماتاك انقلابا بدعم من الولايات المتحدة. وأُجبر سيهانوك على اللجوء إلى المنفى في بكين، حيث أسس لاحقا الجبهة الوطنية المتحدة لكمبوديا وشغل منصب رئيسها.
وقال إن "الإمبريالية الأمريكية وكلابها المسعورة جعلتني أنا ورفاقي منفيين. علينا أن نناضل حتى نتمكن من العودة إلى وطننا الأم الحبيب ورؤوسنا مرفوعة".
خلال الحرب الكمبودية في الفترة من السبعينيات إلى الثمانينيات من القرن الماضي، عاش سيهانوك في المنفى لفترة طويلة في الصين، حيث قاد الشعب الكمبودي في كفاحه ضد العدوان الأجنبي وحماية الاستقلال والسيادة الوطنية.
بحلول أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي، مع توقف الحرب الداخلية وانسحاب القوات الأجنبية، بدأ الوضع في كمبوديا يستقر. ولجأ المجتمع الدولي مرة أخرى إلى سيهانوك لتوحيد الفصائل الكمبودية. فاستجاب للنداء، واستخدم نفوذه لتعزيز المصالحة والمساهمة في السلام والوحدة الوطنية.
في عام 1993، أجرت كمبوديا انتخابات وطنية، واعتمدت دستورا جديدا، وأعادت سيهانوك إلى العرش. وفي 6 أكتوبر 2004، تنازل عن العرش لأسباب صحية وخلفه ابنه سيهاموني.
وتوفي سيهانوك في 15 أكتوبر 2012. ووصفه التلفزيون الوطني الكمبودي بـ"أبرز ملوك كمبوديا في المائة عام الماضية"، معترفا بدوره المحوري في تحقيق الاستقلال وتعزيز المصالحة الوطنية بعد عقود من الحرب.
-- مدينة تسمى سيهانوكفيل
كرس سيهانوك حياته لتحقيق استقلال كمبوديا السياسي وكان ملتزما بالتنمية الاقتصادية للبلاد. لتعميق مشاركته في الحكم، تنازل عن العرش لوالده سوراماريت في مارس 1955. وشكل حزبا سياسيا وفاز في الانتخابات العامة وأصبح رئيسا للوزراء لقيادة الحكومة. وتعد مدينة سيهانوكفيل نموذجا مصغرا لرؤيته للبناء الاقتصادي الوطني.
بعد استقلال كمبوديا، لم يكن ميناء كامبوت الحالي عميقا بما يكفي للتجارة الحديثة. وإدراكا منه للحاجة إلى ميناء أعمق وأكثر قدرة، شرع سيهانوك في خطة لبناء ميناء جديد في المياه العميقة.
وتم اختيار قرية الصيد الهادئة كومبونغ سوم الواقعة في خليج تايلاند لعمقها المناسب وموقعها الإستراتيجي. وخطط سيهانوك بعناية لكل من الميناء والمدينة المحيطة به، ووضع تصورا لمركز نابض بالحياة للتجارة والنشاط. ونمت المدينة، والتي سميت سيهانوكفيل تكريمًا له، منذ ذلك الحين لتصبح مركزا حضريا مهما. في الوقت نفسه، احتفظ ميناء كومبونغ سوم بمكانته باعتباره الميناء الوحيد للمياه العميقة في كمبوديا.
وواجه سيهانوك عقبات عديدة في جهوده الرامية إلى تعزيز التنمية الوطنية. أثناء بناء الميناء، تواصل مع الولايات المتحدة للحصول على المساعدة في بناء طريق أو سكة حديد تربط بنوم بنه وكومبونغ سوم. بيد أن واشنطن طلبت من كمبوديا إظهار "استعدادها للتعاون" وقبول "حمايتها" كشرط مسبق لتقديم المساعدة.
كانت هذه التجربة بمثابة تذكير صارخ لسيهانوك بأن المساعدة العسكرية التي تبدو "سخية" و"ودية" التي عرضتها الولايات المتحدة لم تكن مشروطة فحسب، بل كانت أيضا سامة ومهينة.
خلال الحرب في كمبوديا، أعيد اسم مدينة سيهانوكفيل إلى كومبونغ سوم عندما نُفي سيهانوك. ومع عودته كملك في عام 1993، أعيد تسمية المدينة مرة أخرى إلى سيهانوكفيل.
بفضل الحياد والسلام اللذين دعا إليهما سيهانوك، بدأت كمبوديا في السير في المسار السريع للتنمية الاقتصادية بعد استعادة السلام. وفي عام 2004، طرحت الحكومة الكمبودية "الإستراتيجية المستطيلة" للتنمية الوطنية، وحددت سيهانوكفيل كأولوية.
في عام 2008، قام الملك سيهاموني بترقية سيهانوكفيل إلى مستوى مقاطعة. وفي السنوات الأخيرة، تم إدراجها كمنطقة تجريبية اقتصادية متعددة الوظائف وبرزت كمحرك اقتصادي جديد لكمبوديا، حيث اجتذبت الاستثمارات الدولية والسياح. وشهدت المدينة تغييرات هائلة مع مشاريع بنية تحتية وصناعية واسعة النطاق، ومبان شاهقة، ورصيف جديد للمياه العميقة قيد الإنشاء في ميناء سيهانوكفيل، ومنطقة سيهانوكفيل الاقتصادية الخاصة، وتطوير الجزر في المناطق المحيطة.
بعد تولي الحكومة الكمبودية الجديدة السلطة في عام 2023، أُطلقت "الإستراتيجية الخماسية" التي تركز على تنمية الموارد البشرية، والتنويع الاقتصادي، ونمو القطاع الخاص والتوظيف، والمرونة، والتنمية المستدامة والتحول الرقمي. كما حددت الحكومة هدفا بأن تصبح من بين البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى بحلول عام 2030 ودولة ذات دخل مرتفع بحلول عام 2050.
البناء الاقتصادي الذي التزم سيهانوك بتعزيزه بدأ يؤتي ثماره. فعلى مدى الثلاثين عاما الماضية، تجاوز متوسط معدل النمو الاقتصادي في كمبوديا 6 بالمائة، ما يجعلها واحدة من أسرع الاقتصادات نموا في جنوب شرق آسيا. وأظهرت أحدث البيانات الرسمية لعام 2024 أن نصيب الفرد من الدخل السنوي في كمبوديا بلغ بين 1600-1700 دولار أمريكي. وتتصدر سيهانوكفيل البلاد بمتوسط دخل فردي سنوي يتجاوز 4200 دولار.
-- الصداقة طويلة الأمد بين كمبوديا والصين
تعتبر الصين وكمبوديا جارتين مقربتين. وتتماشى مبادئ الصين الخمسة للتعايش السلمي مع مبدأ "الحياد" الذي وضعه سيهانوك، مما مهد الطريق لإقامة العلاقات الثنائية.
في مؤتمر باندونغ عام 1955، أقام سيهانوك صداقة دائمة مع رئيس مجلس الدولة الصيني تشو إن لاي. ومنذ التأسيس الرسمي للعلاقات الدبلوماسية الكمبودية الصينية في يوليو 1958، ظل سيهانوك ملتزما بتعزيز الصداقة الكمبودية الصينية وأقام روابط أوثق مع القادة الصينيين من أجيال عدة.
في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، تعاونت الصين وكمبوديا في العديد من المشاريع الاقتصادية. وساعدت الصين كمبوديا في إنشاء مؤسسات في مجالات مثل إنتاج المنسوجات والخشب الرقائقي والورق والأسمنت والأواني الزجاجية. وقال سيهانوك ذات مرة إن هذه المساعدات أسست قاعدة صناعية حقيقية لكمبوديا ومكّنت كمبوديا من تحقيق التصنيع بالاعتماد على المواد والمعالجة المحلية والخدمات المباشرة للشعب.
وفي سبتمبر 1965، زار سيهانوك وعقيلته الصين. وذهب رئيس مجلس الدولة تشو إن لاي إلى تشونغتشينغ لاستقبالهم وقاما معا برحلة نهرية عبر الخوانق الثلاثة. واستلهاما من هذه الضيافة، قام سيهانوك بتأليف أغنية "حنين إلى الصين" للتعبير عن امتنانه للحكومة والشعب الصيني.
دفعت هذه العلاقة العميقة سيهانوك لاختيار الصين كمكان لمنفاه طويل الأمد خلال أكثر فتراته تحديا. ودعمت الصين، حكومة وشعبا، بقوة نضال سيهانوك لمقاومة العدوان الأجنبي والحفاظ على الاستقلال والسيادة الوطنية.
مستذكرا هذه الصداقة، قال سيهانوك ذات مرة، "لم تكن هناك أي مشكلة أو غيمة في سماء الصداقة الكمبودية الصينية، التي أفادت بلدي وشعبي".
وتستمر الرابطة القوية بين البلدين التي أنشأتها الأجيال السابقة من القادة في النمو خلال العصر الجديد. فقد توافقت مبادرة الحزام والطريق مع "الإستراتيجية المستطيلة" لكمبوديا في مجالات مثل الزراعة والطاقة والنقل. وقد أطلق هذا التوافق الإمكانات الاقتصادية وفتح فصلا جديدا في التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وكمبوديا.
وأحد الإنجازات البارزة هو طريق بنوم بنه - سيهانوكفيل السريع، وهو مشروع رئيسي في إطار المبادرة. وبدأ البناء في عام 2019 وافتتح أمام حركة المرور في أكتوبر 2022، ليصبح أول طريق سريع في كمبوديا.
ويقلل الطريق السريع، الذي يبلغ طوله 187.05 كيلومتر، وقت السفر بين بنوم بنه وسيهانوكفيل من خمس ساعات إلى أقل من ساعتين، مما جلب راحة كبيرة للشعب الكمبودي.
وبعد طرح الحكومة الكمبودية الجديدة "الإستراتيجية الخماسية" في عام 2023، أصدرت الصين وكمبوديا بيانا مشتركا لتعزيز مواءمة مبادرة الحزام والطريق مع "الإستراتيجية الخماسية" وتعميق الشراكة الإستراتيجية الشاملة للتعاون وتحقيق تنمية مشتركة عالية الجودة ومستدامة للبلدين.
في ضواحي سيهانوكفيل، يتم تحديث منطقة سيهانوكفيل الاقتصادية الخاصة، والمعروفة كنموذج للتعاون العملي بين الصين وكمبوديا، إلى النسخة 2.0 منها.
واليوم، تستمر الصداقة بين الصين وكمبوديا في الازدهار. ومن خلال التعاون العملي، يقوم البلدان ببناء مجتمع ذي مستقبل مشترك في العصر الجديد، مما يعود بالنفع على شعبيهما.
لا يزال تفاني سيهانوك تجاه الاستقلال وسعيه الدؤوب لتحقيق المصالح الوطنية هو إرثه الروحي الأكثر تميزا. وأصبحت هذه القيم، التي انعكست في مبادراته للتحرير الوطني، والبناء الاقتصادي، والدبلوماسية المحايدة، بمثابة نور هاد لمستقبل البلاد.
وكما قال كين فيا، المدير العام لمعهد العلاقات الدولية التابع للأكاديمية الملكية الكمبودية، فإن سيهانوك هو بطل قومي ورمز للوحدة الوطنية على حد سواء في أعين الكمبوديين.








